السودان ومواجهة الغرب

منذ 2006-04-26
يتعرض السودان لذات السيناريو الذي حدث قبل غزو العراق، لكن الخلافات بين دول الغرب حول طريقة التدخل العسكري أجلت الاعتداء لبعض الوقت، بعد أن نجح الموقف السوداني الرافض لدور الأمم المتحدة و التهديد بتحويل البلاد إلي مقبرة في تخويف المعسكر الغربي.

فجأة خرج كبار القادة في حكومة السودان عن هدوئهم المعهود، وصدرت عنهم تصريحات تهدد بتحويل البلاد إلي مقبرة إذا قرر الغرب إرسال قواته إلي دارفور. وقد نجحت هذه اللهجة السودانية المتحدية في إرباك الخصوم، وتخويف الغرب من تكرار نموذج المستنقع العراقي، وقد ترتب علي هذا الموقف تراجع الهجمة الغربية وانكسارها علي المدى القريب، وكسب المزيد من الوقت في معركة متشابكة داخلياً وخارجياً. كان التخطيط الأمريكي يستعجل صدور قرار من مجلس الأمن بإرسال قوات من الأمم المتحدة للإقليم و غل يد الحكومة المركزية. لكن موقف القادة السودانيين أثر علي مواقف الدول الأوربية وعطل المشروع. فقد بدا واضحا أن أمريكا لا تريد إرسال قواتها علي الأرض نتيجة خسائرها في العراق، ودعت بسبب هذا حلف الأطلسي للقيام بالمهمة.

وقد رفض الأوربيون أن يجازفوا ويلقوا بجنودهم في أتون الحرب وأيدوا دعم قوات الاتحاد الأفريقي. وصرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي" ياب دى هوب شيفر " على هامش اجتماع لوزراء دفاع الإتحاد الأوروبي فى النمسا أنه ' ليس مطروحاً أن ينشر الحلف قوات في دارفور غربي السودان مشيراً إلى أن دور الحلف الأطلسي على الصعيد اللوجستى وليس من خلال قوات على الأرض'.

جاء هذا التطور المتسارع من الغرب للصدام في إطار حملة سياسية وإعلامية دولية تم الإعداد لها منذ شهور لتهيئة الرأي العام الغربي لمنع ما أسموه « الإبادة الجماعية ». وكان لـ " كوفي أنان " دور بارز هذه المرة. فقد نشر مقالاً في"  لوس أنجلوس تايمز" و " واشنطن بوست " ، في يناير الماضي طالب فيه بالتدخل العسكري في دار فور، ودعا إلى تولي الأمم المتحدة المهمة العسكرية، وأعطي انطباعاً سلبياً و تقريراً سوداوياً عن السودان لتبرير التدخل. رأي " أنان " في ذلك المقال أن ' تحويل مهمة الاتحاد الإفريقي إلى مهمة حفظ سلام تضطلع بها الأمم المتحدة في إقليم دارفور أمرٌ لا مناص منه الآن. وأصبح لزاماً على مجلس الأمن الدولي اتخاذ قرار فوري وحازم لنقل هذه المهمة إليه '.

دعا " أنان " الدول التي لديها المعدات والمتطلبات العسكرية اللازمة لهذه المهمة بأن ' تكون على أهبة الاستعداد لنشر ما لديها '. المفارقة أن " كوفي عنان " لم يسمع لمندوب الأمم المتحدة في السودان " يان برونك " الذي حذر من طرح فكرة إرسال قوة يسيطر عليها حلف شمال الأطلسي [الناتو] لحماية سكان دارفور ، وقال أنها ستكون ' كارثة محتمة ' لأن الشعب السوداني سيبدأ بالفعل ' الجهاد ضدها '.

إن الدور التحريضي الذي لعبه مجلس الشيوخ الأميركي كان مؤثراً، فقد أصدر قراراً بالإجماع أيد فيه التدخل العسكري، وطالب الرئيس " جورج بوش " والإدارة الأمريكية بالتحرك، وفرض حظر الطيران والتدخل العسكري. ودعا الكونجرس إلي تجميد أرصدة المسئولين السودانيين ومنعهم من السفر، كبداية لإجراءات عقابية أخري. وهو ذات السيناريو الأمريكي الذي تم تنفيذه قبل غزو العراق.

الرد السوداني كان قاطعاً ومهدداً بتحويل دار فور إلي مقبرة . قال الرئيس السوداني أن بلاده ' ستكون مقبرة لأي قوات أجنبية '. وقال أمام مؤتمر جماهيري لأهل دارفور عقد بالخرطوم إن ' القوات الإفريقية دخلت دارفور وفق اتفاق مع الخرطوم ، وفي حال فشلها في المهمة ليس أمامها إلا أن تخرج و ليس من حقها تفويض الأمم المتحدة دون موافقة الخرطوم '.

لكن الحكومة السودانية تريد من ناحية أخري أن تتوصل إلي اتفاق مع المتمردين لقطع الطريق علي التدخل الدولي، لكن المفاوضات مسألة شاقة لتدخل الخصوم الخارجيين أيضا لإفسادها السعي لاستمرار التباين والفرقة.

الجدل بين المناوئين الغربيين للسودان يدور حول طبيعة التدخل وما إذا كان علي شكل قوات على الأرض أم سيعتمد الحلف علي القوات الأفريقية الموجودة وتسليح السودانيين المتمردين ضد الحكومة. كان البديل الثاني هو المقبول لدي الأوربيين لتكلفته الأقل حيث يتخذ الحلف فى دارفور شكل مساندة بالتسليح والدعم الجوى والمعلومات الإستخباراتية والخبراء العسكريين مع إقامة منطقة حظر جوى فوق سماء دارفور. أي سيقتصر دوره علي السيطرة علي الجو وتحريك القوات المستأجرة. ولن يفضي التدخل إن تم من الجو إلى تحقيق الأهداف الغربية المرجوة لأن الوضع علي الأرض سيكون في صالح الحكومة السودانية.

السؤال الذي يطرح نفسه : ماذا لو حدث فعلاً التدخل العسكري الغربي في السودان؟ من الشواهد السابقة فإن رد الفعل المقاوم سيكون هو العنصر الأبرز، كما رأيناه في أفغانستان والعراق. وربما ستكون ساحة قتال جديدة لتدفق المجاهدين الأفارقة لمواجهة الجيوش الغازية. ومن المتوقع أن يتفق الفرقاء في دارفور ضد الاحتلال الغربي، خاصة وأن الطرفين يعتنقون الإسلام و علي مذهب واحد. ومن غير المتوقع أن يرحب المعارضون في دار فور بالاحتلال رغم خلافهم مع الحكومة حتي وإن تورط الزعماء في اتفاقات مع أمريكا وأوربا.

وقد حدث بالفعل أن أعلن تنظيم إسلامي لم يعرف من قبل أنه ينتظر الغزاة. وأصدر التنظيم الذي سمي نفسه ' تنظيم جهاد دارفور ' بيانا قال فيه أنه سيقوم بأعمال جهادية ضد أي قوات دولية ستدخل البلاد.

إن الغرب لم يستوعب الدرس، ويسير في اتجاه مواجهة مدمرة جديدة لجنوده في دارفور.

لكن هذه المرة قد تكون الحرب ضد الغزاة هي السبب في توحيد السودان الممزق، وقد تحيي مشروعاً جديداً للمقاومة والجهاد في قلب أفريقيا حيث يعيش ملايين المسلمين المقهورين الذين عانوا من الاستعمار القديم الذي لازالت خطاياه ماثلة أمامهم.
المصدر: مفكرة الإسلام - عامر عبد المنعم

عامر عبد المنعم

كاتب صحفي

  • 6
  • 0
  • 11,979
  • عمر محمد احمد

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني ردود افعال القادة السودانيين وانا اقول سوف يكون لهم فخ هنالك في السودان وسيفعل بهم كما فعل بمن قبلهم والحمدلله
  • المحجبة

      منذ
    [[أعجبني:]] يعجبني اسلوب الطرح في الموضوع وانا من المتابعين لمثل هذه الاخبار وخاصة ما يخص الدول اما عن السودان فاهتم لامرها لان لي بها اقارب مقيمين حاليا هناك
  • محمد بابكر

      منذ
    [[أعجبني:]] صدق الكلمات ودقة المعلومات [[لم يعجبني:]] غياب بعض التفاصيل عن صفات أهل السودان الجهادية
  • AMMAR BASHIR

      منذ
    [[أعجبني:]] I IKE THIS ARTICAL BECAUSE IT TALKED ABOUT THE REAL PROBLEMS ABOUT SUDAN ,I ECXATLY LIKE THE QUESTION WHICH ASKED WHAT IS GOING TO HAPPEN IF THE UNITED NATION ARMY ENTERED TO SUDAN
  • اسماء

      منذ
    [[أعجبني:]] توضيح خطر اميريكا وكل من يعمل معها للتصدي لهم جميعا واكيد طبعا يالاتحاد [[لم يعجبني:]] فول ان الغزو فد يؤدي الى اتحاد المتمردين مع افراد الشعب والحكومه كيف وهم السبب الرئيسى فى دخول الاعداء او الغزاه الى ارضهم وهل حدث هذا في العراق ام ان الغزاة تمكنوا من احداث فتنه طائفيه ادت الى صراع مستمر بين جميع افراد الشعب وبينهم وبين الحكومه ارجو ان يتراجعوا من البدايه لحماية انفسهم ان لم يفكروا بالوطن
  • أبو محمد الفاتح

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبني ما اعجب غيري من المسلمين وهو ارهاب الكفار وتخويفهم بالموت الزؤام في السودان علي ايدى المجاهدين.ووالله إن فى السودان رجال يبكون ليل نهار لعدم قدرتهم نصر اخوانهم في بلاد الرافدين وثالث الحرمين في فلسطين ولكن والله لا يجدو عندنا الا الموت والزبح والقتل والبتر والاسر والتمثيل وسنكون باب الي جهنم يعبرون بها من السودان من غير واسطه إن شاء الله.اقول لك اخي عامر عبد المنعم نم قرير العين وسنشفي صدرك وصدر المؤمنين جميعا من احفاد هولاكو وجنكيز خان وكل الرومان واليهود . وارجو ان تراسلنى على هذا البريد ولنتآخى في الله الواحد الاحد. كما اشكر موقع طريق الاسلام علي هذه المقالات العظيمه والتي تنبئ بالخير الكثير ان شاء الله ونحن معكم في طريق الجهاد حتي الجنه ان شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته اخوكم فى الله معتز الدرديرى (ابو محمد الفتح ) فاتح القسطنطينيه. [[لم يعجبني:]] لاشئ فالمقال مميز ومتميز .

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً