هل اشتاقت نفسك؟

منذ 2013-07-03

المشتاقون إلى الجنة، هم بشر يعيشون بيننا وربما نراهم ونتعامل معهم يوميًا في حياتنا، قد يذنبون ويخطئون، فكل بني آدم خطاء، لكنهم يسارعون إلى التوبة والاستغفار، ويغلبهم الخوف من العزيز الجبار، إذا ظلم أحدهم تاب ورد المظالم إلى أهلها، وإذا أخطأ في حق الآخرين طلب العفو والسماح منهم، وإذا قصر في عمله وواجبه سارع إلى الإتمام، وإذا نُصح تقبل النصيحة بروح طيبة، وإذا ذُكّر بالله خضع واستسلم لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي سهل لعباده إلى مرضاته سبيلًا، وأوضح لهم الهداية، وجعل الرسل عليها دليلًا، ورضي لهم نفسه ربًا، والإسلام دينًا ومحمدًا نبيًا ورسولًا،ً أحمده حمد من لا رب له سواه، وأشكره على جزيل فضله وعطاياه، وأشهد أن الحلال ما أحلَّه، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين الذي يأمر وينهى ويفعل ما يشاء، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى ونبيه المرتضى الذي لا ينطق عن الهوى، أرسله على حين فترة من الرسل، فهدى به إلى أوضح السبل، أشرقت برسالته الأرض بعد ظلماتها، وتألفت به القلوب بعد شتاتها، فصلوات الله وسلامه عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار وتعاقب الليل والنهار.

أمَّا بَعْد
عباد الله:
مع كثرة ما يصيب المسلم في هذه الدنيا من فتن ومصائب وابتلاءات، ومع كثرة ما يعترض طريقه من مصاعب وعقبات، ومع كثرة ما يحتاجه من أشياء ومتطلبات، ومع كثرة ما يقف في طريقه من شبهات وشهوات، ومع كثرة ما يجب عليه من أعمال وواجبات تجاه نفسه وتجاه الآخرين من حوله، مع هذه الأمور كلها قد ينسى الغاية التي خُلق من أجلها وينشغل عن الآخرة ولقاء ربه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ . أُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 8،7]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [فاطر: 5].

والمسلم كما أُمر أن يسعى في هذه الدنيا ويبذل فيها قصارى جهده لتعميرها والاستفادة من خيراتها وفق ضوابط الشرع وأحكام الدين، فهو كذلك مطالب بالنظر إلى الآخرة والاستعداد لها بالعقيدة الصحيحة والنية الخالصة والعمل الصالح، وتذكير النفس وتربيتها على الاهتمام بالآخرة والشوق للقاء الله والطمع فيما أعده لعباده من جنات ونعيم، هدفٌ قرآني وأسلوب نبوي في تربية الأفراد والمجتمعات والشعوب، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا . خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 107، 108]، وقال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ . مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} [غافر: 39، 40]، ولذلك يجب أن نذكّر أنفسنا حتى لا تقسو قلوبنا ونصاب بالغفلة ونركن إلى الدنيا وتكثر معاصينا وتسوء أخلاقنا.

جاء رجل إلى الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب له عقد بيت اشتراه، فنظر علي إلى الرجل، فوجد أن الدنيا متربعة عَلَى قلبه، وقد فُتن بها وغرته أمواله، فأراد الإمام علي أن يوصل له رسالة توقظه من غفلته فكتب: "اشترى ميت من ميت بيتًا في دار المذنبين له أربعة حدود، الحد الأول يؤدي إلى الموت، والحد الثاني يؤدي إلى القبر، والحد الثالث يؤدي إلى الحساب، والحد الرابع يؤدي إما للجنة وإما للنار"، فقال الرجل لعلي: "ما هذا يَا عَلي؟ ما جئتك لهذا"! فقال له الأمام علي:

 

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السلامة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها
أين الملوك التي كانت مسلطنة *** حتى سقاها بكأس الموت ساقيها
أموالنا لذوي الميراث نجمعها *** ودورنا لخراب الدهر نبنيها
كم من مدائن في الآفاق قد بنيت *** أمست خرابا وأفنى الموت أهليها
لا تركنن إلى الدنيا وما فيها *** فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
واعمل لدار غدٍ رضوان خازنها *** والجار أحمد والرحمن ناشيها
قصورها ذهب والمسك طينتها *** والزعفران حشيش نابت فيها
أنهارها لبن محض ومن عسل *** والخمر يجري رحيقًا في مجاريها
والطير تجري على الأغصان عاكفة *** تسبح الله جهرًاً في مفاتيها
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها *** بركعة في ظلام الليل يحييها


فقال الرجل لعلي بعد أن ذكره ووعظه: "أشهدك أني قد جعلتها لله ورسوله".

عباد الله:
إن المؤمن هو أكثر الناس شوقًا إلى هذه الجنة بإيمانه ويقينه وتصديقه بوعد الله ووعيده، وبعلمه أن ثمرة صبره وعبادته وإخلاصه لله ومتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم دخول الجنة والحياة الأبدية فيها، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 82]، وقال عز من قائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، من هنا اشتاقت نفوس الصالحين إلى الجنة حتى قدموا في سبيل الوصول إليها كلَّ ما يملكون، هجروا لذيذ النوم والرقاد، وبكوا في الأسحار، وصاموا النهار، وجاهدوا الكفار، فلله كم من صالح وصالحة اشتاقت إليهم الجنة كما اشتاقوا إليها من حسن أعمالهم، وطيب أخبارهم، ولذة مناجاتهم، فلا إله إلا الله، كم بكت عيون في الدنيا خوفًا من الحرمان من النظر إلى وجه الله الكريم، فهو سبحانه أعظم من سجدت الوجوه لعظمته، وبكت العيون حياءً من مراقبته، وتقطعت الأكباد شوقًا إلى لقائه ورؤيته ودخول جنته، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [العنكبوت: 58].

إن الإيمان يجعل حياة المسلم سعيدة، فيها السكون والطمأنينة والراحة، ويملأ نفسه بالشوق والحنين إلى جنة عرضها السموات والأرض، عند ذلك تتصاغر في نفسه هذه الدنيا فلا تفتنه شهواتها ولا تغره ملذاتها، فلا يبيع دينه ولا أخلاقه ولا قيمه ومبادئه، وفي سبيل هذه القيم يقدم كل شيء، فالعمل من أجلها غايته، هذا حارثة بن سراقة غلام من الأنصار، له حادثة عجيبة ذكرها أصحاب السير وأصلها في صحيح البخاري، فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الناس للخروج إلى بدرفخرج معهم، فلما أقبلت جموع المسلمين بعد المعركة كانت النساء وكان من بين هؤلاء الحاضرين عجوز ثكلى وهي أم سراقة تنتظر مقدم ولدها، فلما دخل المسلمون المدينة بدأ الأطفال يتسابقون إلى آبائهم، والنساء تسرع إلى أزواجها، والعجائز يسرعن إلى أولادهن، وأقبلت الجموع تتتابع، جاء الأول، ثم الثاني والثالث، وحضر الناس ولم يحضر حارثة بن سراقة، وأم حارثة تنظر وتنتظر تحت حرّ الشمس، تترقب إقبال فلذة كبدها وثمرةَ فؤادها، كانت تعد في غيابه الأيام بل الساعات، وتتلمس عنه الأخبار، تصبح وتمسي وذكره على لسانها، ثم جاءها الخبر أن ولدها قد قتل في المعركة، فتحركت الأم الثكلى تجر خطاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ودموعها، فنظر الرحيم الشفيق إليها، فإذا هي عجوز قد هدّها الهرم والكبر، وأضناها التعب، وقالت: "يا رسول، حارثة في الجنة فأصبر وأحتسب؟" فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلها وانكسارها، وفجيعتَها بولدها، التفت إليها وقال: «ويحك يا أم حارثة أهبلت؟! أوجنةٌ واحدة؟! إنها جنان، وإن حارثة قد أصاب الفردوس الأعلى».

فلما سمعت العجوز هذا الجواب جف دمعها، وعاد صوابها، وقالت: "في الجنة؟ قال: «نعم»، فقالت: الله أكبر"، ثم رجعت الأم الجريحة إلى بيتها، رجعت تنتظر أن ينزل بها هادم اللذات، ليجمعها مع ولدها في الجنة، لم تطلب غنيمة ولا مالًا، ولم تلتمس شهرة ولا حالًا، وإنما رضيت بالجنة ما دام أنه في الجنة يأكل من ثمارها الطاهرة، تحت أشجارها الوافرة، مع قوم وجوههم ناضرة، وعيونهم إلى ربهم ناظرة، فهي راضية، ولماذا لا يكون جزاؤهم كذلك؟ قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].

أيها المؤمنون عباد الله:
المشتاقون إلى الجنة، هم بشر يعيشون بيننا وربما نراهم ونتعامل معهم يوميًا في حياتنا، قد يذنبون ويخطئون، فكل بني آدم خطاء، لكنهم يسارعون إلى التوبة والاستغفار، ويغلبهم الخوف من العزيز الجبار، إذا ظلم أحدهم تاب ورد المظالم إلى أهلها، وإذا أخطأ في حق الآخرين طلب العفو والسماح منهم، وإذا قصر في عمله وواجبه سارع إلى الإتمام، وإذا نُصح تقبل النصيحة بروح طيبة، وإذا ذُكّر بالله خضع واستسلم لأمره وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى على لسانهم: {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرا} [الإنسان: 1012].

إن الشوق والحنين إلى الجنة جعل المشتاقين يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي إذا قاموا بها وأخلصوا لله فيها دخلوا الجنة، هذا معاذ بن جبل رضي الله عنه كما روى الترمذي بسند حسن أن معاذًا سرى مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الليل الدامس في آخر الليل، فقال معاذ: "يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟" وفي لفظ صحيح: "دلني على عمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار" ما أحسن السؤال! فيجيب صلى الله عليه وسلم على معاذ، فهل قال له: تدخل الجنة بالمؤهل أو بالمنصب، أو بالشهادة، أو بالمال والولد؟ لا والله، كلها لا تساوي في ميزان الحق ذرة، ويوم يتخلى المال عن الإيمان يصبح تبعةً ولعنةً وغضبًا، ويوم يتخلى المنصب عن الإيمان، يصبح طغيانًا، ويوم يتخلى الولد عن الإيمان يصبح عذابًا وشقوةً وندامةً، ويوم تتخلى الشهرة عن الإيمان تصبح ملعنةً ومسبةً على رؤوس الأشهاد يوم القيامة، ويوم يتخلى الشعر عن الإيمان يصبح مجاملة ونفاقًا وبضاعة بخيسة الثمن، ويوم تتخلى الأعمال عن الإيمان تصبح سمعةً ورياءً..

فقال عليه الصلاة والسلام وهو يجيب معاذًا: «لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله عز وجل ولا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً»، ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهو يواصل حديثه الشائق الرائق إلى القلوب الوالهة، يقول: «ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟»، أي على ما يجمع لك شتات هذا الموضوع، قال: "بلى يا رسول الله!"، قال: «كف عليك هذا» وأخذ عليه الصلاة والسلام بلسان نفسه، قال معاذ: «وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على مناخرهم أو على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟».

إن الشوق والحنين لدخول الجنة لدليلٌ على قوة الإيمان وصلاح الأعمال، وهذا الأمر هو دعوة الله لعباده، قال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25]، وقال عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 133].

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل..
قلت ما سمعتم واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.

الخطبة الثانية:
عباد الله:
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الشوق إلى ربه وإلى لقائه وإلى جنته، كان يقول في دعائه في آخر صلاته قبل أن يسلم: «اللهم وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم، والشوق إلى لقائك من غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة» (رواه الحاكم: صحيح الجامع 411/1).


فليكن شوقنا إلى جنات ربنا بعمل صالح، وتوبة صادقة، وخلق قويم، وأخوة لا تعكرها فرقة، وتسامح لا تخالطه بغضاء ولا شحناء، إن آخر الحياة الدنيا موت، والسعيد من دان نفسه قبل الموت واستعد قبل الفوت، قال عمر بن عبد العزيزالخليفة العادل لوزيره رجاء بن حيوة: "يا رجاء، إن لي نفسًا تواقة، وما حققت شيئًا إلا تاقت لما هو أعلى منه، تاقت نفسي إلى الزواج من ابنة عمي فاطمة بنت عبد الملك فتزوجتها، ثم تاقت نفسي إلى الإمارة فوليتها، وتاقت نفسي إلى الخلافة فنلتها، والآن يا رجاء تاقت نفسي إلى الجنة فأرجو أن أكون من أهلها"، ولما مرض عمر بن عبد العزيز وجاءته سكرات الموت قال: "يا رجاء، إذا أنا متُّ وصليتم علي ووضعتموني في لحدي، فاكشف الغطاء عن وجهي، فإن رأيت خيرًا فاحمد الله عليه، وإن رأيت غير ذلك فلا يلومن عمر إلا نفسه"، قال رجاء: "فلما مات ووضعناه في اللحد، كشفت الغطاء عن وجهه فرأيت نورًاً سطع فحمدتُ الله عليه".

اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الأتقياء ومرافقة الأنبياء، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، ثم اعلموا أن الله تبارك وتعالى قال قولًا كريمًا تنبيهًا لكم، وتعليمًا وتشريفًا لقدر نبيه وتعظيمًا: {إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56].

اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وخلفائه الراشدين، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون، والحمد لله رب العالمين.

 


حسان أحمد العماري
 

  • 3
  • 0
  • 7,235

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً