لقاء مع الرئيس

منذ 2013-07-23

ترددت تماما في كتابة ما حدث وما قلت، سأظل أفتدى رأس المشروع الإسلامي بروحي، لقد فكرت في تأجيل هذا الطرح حتى يعيد الله لنا الدكتور محمد مرسي سالما؛ لكنني خشيت أن يدركني الأجل وأن يكون فيما أقول فائدة للإسلام والمسلمين..



ترددت تماما في كتابة ما حدث وما قلت، سأظل أفتدى رأس المشروع الإسلامي بروحي، لقد فكرت في تأجيل هذا الطرح حتى يعيد الله لنا الدكتور محمد مرسي سالما؛ لكنني خشيت أن يدركني الأجل وأن يكون فيما أقول فائدة للإسلام والمسلمين... ولو في عصر قادم، خاصة في التفريق بين المعارضة والمؤامرة. ترددت لألف سبب وسبب؛ منها السبب الأمني، خشيت أن أكشف أن الرئيس غير مؤمن، وأن الدخول إليه أيسر من الدخول إلى أي فندق وأن إجراءات التأمين في القصر الجمهوري أقل.

كانت رئاسة الجمهورية اتصلت بي مرات لدعوتي للقصر الجمهوري، ولكنني اعتذرت بحجة أنني لا أمثل تيارا ولا حزبا، وأنني مجرد كاتب أكتب في الشأن العام، في النهاية قال لي من هاتفني أنني مطلوب بصفتي الشخصية كمفكر إسلامي. ذهبت... كنت حائرا أين سأترك سيارتي، لكنني فوجئت بأحد المدعوين يخبرني أنني سأدخل بها!

دُهشت وفزعت؛ أبجديات التأمين تقتضي ألا يحدث ذلك. كان هيكل (مسيلمة) قد قال أن الرئيس مرسي قد أصيب بوهم الأمن وأنه مر بـ11 خطوة لتأمين الرئيس قبل أن يلتقيه، مهدت نفسي لتفتيش مرهق راضيا به من أجل تأمين الرئيس، ذهبت إلى بوابة القصر، شاهدوا بطاقتي في زمن لا يتجاوز 15 ثانية. قلت لنفسي لو كانت البطاقة مزورة لما كفى الوقت لاكتشافها أبدا.

فتحوا الباب، دخلت بسيارتي، استغرق فحص السيارة 15 ثانية أخرى بجهاز إلكتروني يبدو بسيطا جدا داروا به حول السيارة من الخارج، في دخولي لمدينة الإنتاج الإعلامي يكون التفتيش أدق كثيرا من ذلك. تعمدت أن أبحث عن مكان بعيد أترك فيه سيارتي كي أتمكن من تقييم إجراءات الأمن حول الرئيس... لا يوجد، لا يوجد على الإطلاق، لو أن أحدا قفز على السور لوصل إليه بسهولة! لعنت المسؤول عن ذلك. وعاتبت من حول الرئيس في خيالي... توجهت أخيرا إلى مكان الاجتماع في عُشر دقيقة شاهدوا البطاقة وأخذوا المحمول، ثم لا شيء على الإطلاق بعد ذلك... لو كنت أحمل سلاحا غير معدني أو غير تقليدي ما اكتشفه أحد.

أمنا الرئيس في صلاة المغرب في قاعة فسيحة، علمنا أنها كانت بارا فحولها إلى مسجد. بدأ الاجتماع، كنا حوالي أربعين مدعوا... تحدث الرئيس.. ثم اختاروا نصفنا لكي يتكلم على ألا تتجاوز الكلمة دقيقتين، قلت لنفسي إن هذا محبط جدا، فماذا يمكن للمرء أن يقول في دقيقتين؟ أظنني تجاوزتهما بكثير، لم يقاطعني أحد. بدأت حديثي بأن الرئيس بالنسبة لنا اثنان وليس شخصا واحدا: رأس المشروع الإسلامي وهذا نفتديه بأرواحنا، ورئيس الجمهورية وهذا نختلف معه كما نشاء.

يا سيادة الرئيس نحن نحبك ونثق فيك، نراك قائد قطار ماهر، نعرف محطة القيام ومحطة الوصول ونعرف الطريق التي تسلكه القضبان ونوافق على كل ذلك، ربما نختلف في فرعيات مثل سرعة القطار وماذا ينبغي له عند المنحنيات وهل يزيد سرعته أم يقلل منها كما قد نختلف في ترتيب العربات وكفاءة الخدمات، لكننا نوافق على المشروع ككل.

لكن يا سيادة الرئيس هل أمّنت مسار القطار من كمين ولغم ينفجر فيه يدمر المشروع الإسلامي كله؟ ما أختلف فيه معك يا سيادة الرئيس أنك تعامل الآخرين تعاملا سياسيا كمعارضة وهم ليسوا كذلك بل هم متآمرين... والتعامل مع المتآمرين يختلف عن التعامل مع المعارضين، يا سيادة الرئيس الأمر خطير، اضرب بقوة. لا تتنازل أبدا ولا تتراجع... أعلن الطوارئ، وألغِ المحكمة الدستورية، وأغلق قنوات الفتنة، واقبض على رؤوس المؤامرة في الداخل فإنها مؤامرة هائلة تتزعمها أمريكا وإسرائيل والخليج كله، ويشارك فيها أقباط الداخل والخارج والحزب الوطني ومباحث أمن الدولة وكل الدولة العميقة وكل الفاسدين والخونة.

يا سيادة الرئيس الأمر خطير جدا ونحن لا ننتظرك منذ ثلاثين عاما ولا منذ ستين عاما.. نحن ننتظرك منذ ألف وخمسمائة عام، منذ ثلم الإسلام باستشهاد سيدنا عمر رضي الله عنه، ننتظر ولي الأمر الذي يقود المشروع الإسلامي على دولة الخلافة الراشدة.

انتهت كلمتي، وعلق الرئيس عليها تعليقا قصيرا، غير محدد. بعد ذلك بأسبوعين (26/6) كنت في قناة (أمجاد) ضيفا، رجوتهم أن أبدأ الحلقة قبل خطابه كي أقول ما أريد دون أن يبدو اختلافي مع ما يقول إن لم يكن صارما. فضلوا العكس، أن أستمع إلى الخطاب وأعلق عليه.

استمعت إلى الخطاب، وانصرفت دون حديث... لم أشأ أن أقول لرئيس وحبيبي وأملي أنني أختلف معه. يوم 29/6 كنت على قناة (الخليجية) قبل الحدث بأقل من 12 ساعة، وكنت أحذر وأحذر وأحذر. وفشل 30 يونيو، كان الواضح أن القسط الأكبر للحشد من النصارى، والأمن والبلطجية، انصرفوا على الفور في نهاية اليوم ولم يبقَ إلا الغاضبين الحقيقيين -إضافة إلى رؤوس المؤامرة-.

بدا أن 30 يونيو قد فشل بالكامل.. لولا الغدر.. والمؤامرة.. وإنذار السيسي.. وكان ما كان.


د. محمد عباس
 

  • 7
  • 0
  • 1,515

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً