يا أرحام أمهات المسلمين ضخي المجاهدين الباذلين

منذ 2006-07-17

 

منذ أن توالت أنباء استشهاد قادة الجهاد في أصقاع الأرض، في فلسطين المباركة، والعراق الثائرة، والشيشان الصامدة، وأفغانسان الصابرة... وغيرها من بلاد الإسلام؛ ويتعارك في ضميري صوتان: الأول يَحُضُّني أن أَسْطُر كلاماً في نَعْي تلك الثلة المجاهدة التي صدقت ما عاهدت الله عليه، حتى يكونَ سلوى لِمَنْ يَنْتَظِر. وصوت آخر يأبى عليّ أن أكتب كلاماً في نَعْي أولئكم المجاهدين، ويزجرني قائلاً: نعيُهم خيانةٌ لما بذلوا أرواحهم من أجله، وفرحةٌ نُدخِلُها على قلوب الأعداء، ومع أن الصوت الثاني فَوَّتَ علي فرصةَ أن أبث أحزاني وجروحي وهيامي بالمجاهدين الأبطال إلا أنني وجدته أكثر وجاهة من غيره.

فاعذروني أيها الأحبة إن خَلَتْ عباراتي عن سرد كل أسماء المجاهدين، أو تحاشت الإلحام بخبر موتهم وغيابهم، واعذروني إن قَصُرت عباراتي عن بيان لوعتي وحزني على فراقهم وذهابهم، فالخَطْب الذي نحن فيه لم يَعُدْ يسمح لأي غيور على أمة الإسلام أن يضيع وقته في البكاء والنوح، إنما هي أوقات الجد والعمل في كل ميدان وجِهة، بل هو وقت الجهاد بكل صوره، وخاصة جهاد النفس وبذل الروح والدم.

كلماتي لن أوجهها لأموات؛ فقد أفضوا إلى ما قدموا وعند الله جزاؤهم، بل أوجهها لمن حيَّ عن بينة، ولمن كانت يَعُدُّ أنفاسه ينتظر الوعد الحق إما النصر أو الشهادة.. أوجهها لمن ثَبَتَتْ عينُه وهي دَامِعَةٌ لا تدري أين تَنظر، أو كيف يُفكر أو كيف يعمل ويبذل؟ اضطرب بعد تلاحق الضربات، فَشَرَدَ عقلُه في فراغ الحيرة والقلق.. أوجهها للآباء والأمهات والأبناء، للشيوخ والعجائز، للشباب والفتيات، للصبية الصغار، والرضع في المهود.. وأوجهها للمسلمين في كل حدب وصوب، للمدخنين منهم والسكارى، للزناة منهم والفجرة، ومن قبلهم للمؤمنين القانتين الصائمين والركع السجود، ومن قبلهم جميعاً أوجه كلماتي لعلماء أمتي ودعاتها وخطبائها ووعاظها في كل مكان..

هذا واقعكم أيها المسلمون... هذا واقعكم وإن صرفتم أعينكم عنه، أو تعاميتم عن حقائقه، أو تحاشيتم مُذَاكَرَتَه، لن تستطيعوا الفرار منه، إنه يلاحقكم في ضمائركم، ووجدانكم!


بلادكم محتلة.. أعراضكم مستباحة.. أموالكم مُنتَهَبة.. شريعتكم منحّاة.. علماؤكم يُضطهدون.. مجاهدوكم يُصطَلمون.. مقدَّساتكم تُنتَهَك جهاراً..

إن بعضنا قد تصرفه شهواته عن التفكير في هذا الواقع، وبعضنا يُقر به ولكنه يلتمس لنفسه المعاذير في استمرار التفكير فيه، وبعضنا يفكر ولكنه يعجز عن الوصول إلى الحل الناجع، وبعضنا يعرف الحل ولكنه يفر منه بالحجج الواهنة.


لكن مع مرور الأيام، وتلاحق الأحداث أصبح الفرار من هذا الواقع بمثابة الفرار من حقيقة الموت التي ستطال كل إنسان، وإن تحصن في بروج مشيدة، فالموت ما منه مفر ومهرب.

إن استشهاد المجاهدين في ساحات الوغى، ومواجهتم للدول العظمى ذات السلاح النووي والعتاد العسكري الواسع بأفرادهم القليلة وأسلحتهم الهزيلة قد أضاء لنا لمعة في فضاء تفكيرنا وأَرَقِنا، ووجهنا نحو الحل الناجع دون أن ندري، بل وضعنا أمام الحقائق الكبرى واضحة كشمس النهار.

ما معنى أن يقود رئيس ورزاء إسرائيل بنفسه حملة شاملة ضارية ضد مجاهدي حماس ومن معها من فصائل الجهاد الصامدة؟ ما معنى أن تعلن أمريكا وبريطانيا بشغف وجذل استشهاد البطل الزرقاوي؟ وتتلوها روسيا بفرحة مجنونة نبأ استشهاد الهُمام شامل باسييف؟

إن هؤلاء المجاهدين بموتهم أَحْيَوْا مَوَاتَ ملايين القلوب الغافلة، أضاءوا آلاف الدروب المظلمة، إن الشعراء يصفون موت الأبطال أنه كانطفاء المصباح، ولكنني أقول: بل موتهم إيقاد لآلاف المصابيح، بل كل واحد منهم يموت كأنه شمس تسطع في سماء أهل الإيمان.

يا كتائب الإيمان في كل مكان...
يا جحافل الحق المحتشدة...
يا ألوية النصر المستعدة...
يا ليوث الوغى في كل أكمة...
ها هو وقت سطوعكم، لا تتواروا وراء الأفق الأحمر، لا تتجبوا من خلف السحب والغيوم الداكنة..
اسطعوا في سماء الدنيا بموتكم... اجهروا بحقائق الحق الخالد باستشهادكم...

يا أيها الشباب والفتيان في كل مرتع...
يا شباب الإسلام...
يا شباب محمد...
يا أحفاد خالد والمثنى ...
يا ورثة الزحف السلفي الخالد في غابر الزمان...
هلموا إلى مَوْتَةِ الأبطال... احْتَشِدوا في صَفِّ الصَّرْعَى الشرفاء... احجزوا مواقعكم في قائمة الأموات الخالدين...

يا أيها الأمهات المسلمات...
يا أرحام الطهر والنقاء...
ضُخِّي لنا المجاهدين الباذلين...
صُبِّي على هذه الدنيا المزيد من الشهداء... المزيد من الأحرار والشرفاء...
يا أيتها المهود الساكنة، تحركي نحو أمجاد الأبد...
ترعرعي في ذرى التضحية والخلود...

يا أيتها الأسر المسلمة...
ادفعوا فلذات أكبادكم ليموتوا في سبيل حياة أمتكم...
اشتروا الجنة بزينة الحياة الدنيا...
نشِّئوا ذويكم ليموتوا على ما مات عليه الأبطال...

إن تضحيات الكثيرين من الباذلين بأنفسهم وأموالهم وجهودهم في هذه الأمة لتقف شامخة تستعلي في شَمم على بخل الناس وضنهم بالأنفس والأموال والثمرات، وفوق هؤلاء الباذلين يقف الأبطال الشهداء الذي يضحون بأرواحهم ليعترف كل الباذلين والمضحين بأموالهم وأوقاتهم وجهودهم أنهم من أضن الناس وأبخلهم.

فيا للعجب! يموتون وتحيا بموتهم قلوب، يذْوون وتُبْعَث بغيبتهم نفوس، إنهم يقتلون أولئك الأبطال لإخماد جذوة الجهاد في بلاد الإسلام فإذا بها تمور وتضطرم شرراً، إنهم يذبحون أبطالنا ليخيفونا فتجزع قلوبنا، فإذا بنا نفيق ونصحو ونرى أن الحرب ما فتئت في بدايتها ومهدها.

أجل! إنها نقطة الحسم يا أمتي الخالدة... قوليها لأمريكا وروسيا وغيرها من عساكر الطغيان، إن الحرب ما زالت في بدايتها، وجحافل الإيمان وكتائب الحق بعدُ لم تخرج من ثُكناتها.

لم نرْمِ لكم بكل فلذاتنا.. لم ندفع إليكم بكل أبطالنا.. لقد كان الزرقاوي وباسييف أنموذجاً صغيراً لما سترونه في مستقبلكم القريب..


لقد دُمرت أبنيتكم الشاهقة وهلك حرثكم ونسلكم دون أن تبذلوا شيئا في ميدان الحرب، وظننتم أنها فرصتكم لتحقيق المزيد من الأرباح والمكاسب، فاستثمرتم أموالكم في حروب وهمية مع المسلمين، فخرج لكم من وراء الأكمة ما هو أشق عليكم وأرهب لكم ممن دمر أبنيتكم.

ذهبت أموالكم حسرات، قتلنا أبناءكم وخيرة شبابكم، مرّغنا أنوفكم وكبرياءكم في أوحال حروبكم الوهمية، دخلتم في شَرَكِكُم، فأحطنا بكم فلن تخرجوا منه إلا أن نأذن لكم.

فلا تظنوا أنكم ستفلتون من قبضتنا أو تنجون من مصيركم الذي أعددناه لكم، فإن بيننا وبينكم سلاح الوقت، أما حملة السلاح فلا يحصيهم إلا الله، فارتقبوا إنا مرتقبون.


لم تكن تلك كلماتي؛ لقد كانت عبارات خالدة وُجدت مكتوبة بدماء الأبطال في سماء الحقيقة! يقرأها كل من كانت له عين إنسان من حيث هو إنسان، يبصر شعاعها كل من أيقن بصدق القضية وعدالة المعركة.

إن الذي يقرأ كتاب هذه الأمة الأمّية، ويَسرد تاريخها منذ القدم وحتى اليوم، لن يتردد لحظة في الجزم بأن هذه الأمة قد بدأت مسيرتها وزحفها الثابت، لن يثنيها موت قائد، ولن يعطلها تأخر فريق منها أو ثلة، فهي ماضية في طريق عزتها لا محالة، أثناء المسيرة قد تُنكب في بعض أفرادها، قد تحزن لفراق بعض حُدَاتِهَا ولكنها ستظل تمضي وتسير... تسير نحو القمة... نحو الخلود... إلى جنة الرضوان...
اللهم اجعلنا من أهلها.

  • 2
  • 1
  • 11,427
  • أبو قتادة

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبني قول الحق و عدم الخوف في الله لومة لائم في زمن اختلطت فيه الأوراق و أصبح الحق باطلا و الباطل حقا... جزاك الله خيرا شيخنا العزيز وبارك الله في علمك... كما أشكر القائمين على الموقع.. نفع الله بكم الأمة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً