حقيقة انتشار الإسلام بالسيف (1)

منذ 2013-09-19

لقد انتشرت في غابر الأزمان هذه الكلمة الصلعاء، وحاول الشانئون وصم الإسلام بهذه المذمة، على طريقة "لا تعدم الحسناء ذامًا". وقد انبرى علماء الإسلام، وأرباب الكلم للمنافحة عن الإسلام؛ حفاظًا على صورته البيضاء والرد على هذه الشبهة التي ما زال يلوكُها الأصاغر وأتباع كل ناعق


لقد انتشرت في غابر الأزمان هذه الكلمة الصلعاء، وحاول الشانئون وصم الإسلام بهذه المذمة، على طريقة "لا تعدم الحسناء ذامًا". وقد انبرى علماء الإسلام، وأرباب الكلم للمنافحة عن الإسلام؛ حفاظًا على صورته البيضاء والرد على هذه الشبهة التي ما زال يلوكُها الأصاغر وأتباع كل ناعق. ومن هؤلاء الأماجد العامري "أبو الحسن محمد بن أبي ذر يوسف النيسابوري (ت 381هـ). وهو أحد أعلام مدرسة الكندي الفلسفية" يُقَسِّم العامري الحروب -بصفة عامة- إلى ثلاثة أنواع:

الجهاد: وهو الحرب التي يضطر إلى خَوْضها المرء؛ دفاعًا عن العقيدة والمقدسات.
الفتنة: وهي الحرب الناتجة عن التعصب الجنسي أو الوطني.
• التصعلك: وهي حَرْبٌ لانتهاب الأموال واغتصاب الأملاك.

والنوع الأول من الحرب يتّسِم بالعدل؛ أما النوعان الآخران فيتسمان بالهمجية والتصعلك وعدم العدل، وهو ما تتسم به الحروب الاستعمارية اليوم.

ثم يذكر العامري أن حروب الرسول صلى الله عليه وسلم كانت من النوع الأول؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام أزهد الناس في المال والمتاع، وأبعدهم عن العنف وسفك الدماء، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة؛ لذا فقد لَجَأ إلى الحرب مُضّطرًا، حين لم يصلح مع الأعداء إلا الحرب، و"أيس من ارعوائهم، وأيقن أنّ الوعظ لا ينجع فيهم". فكان فعله صلى الله عليه وسلم كطبيب اضّطر لقطع عضو من أعضاء المريض؛ خشية توغُّل الداء العُضَال فيه "فأوقع في مغازيه بعدد من القتلى، تَدرُّجًا إلى استنفاد الجمهور من الهلاك والردى" (انظر: الإعلام بمناقب الإسلام. ص: [156-157]. تحقيق د. أحمد عبد الحميد غراب. ط 1387هـ / 1967م. دار الكتاب العربي - القاهرة).

وقد أشار العامري إلى نقطة مهمة؛ وهي الوظيفة السياسية للجهاد، فالعُدْوان لا يُرَدّ بالسلام والمودة، وإنما يُرَدُّ بقوة السِّلاح؛ لذا كان لابُدّ من الاستعداد المُسلّح للدفاع عن العقائد والحرمات ضد أي اعتداء "فأساس العالم إذن لا يحتمل تركه" (انظر: الإعلام بمناقب الإسلام. ص: [147]).

وشبهة انتشار الإسلام بالسيف وإراقة الدماء التي دَأَبَ على ذِكْرها البعض من الجُهّال بحسن نية، وربما ذكرها الكثير بسوء نية وطويّة لا قيمة لها، وقد انتشرت على الألسنة بصورة فَجَّة.

وردُّ هذه الشبهة من ثلاثة مُنْطلقات:

1- من أخلاق الإسلام.
2- الإسلام في ساحة الحرب.
3- الإسلام بعد الانتصار.

من أخلاق الإسلام:

لقد قرَّر الإسلام ابتداءً قواعد أساسية بنى عليها أركانه وقواعده، ومن هذه الأركان الأساسية فيه، ما يلي:

أ - الإسلام والسلام: اعتبر الإسلام السلام مبدأً رئيسًيا من مبادئه، بل هو جزء من كيان المسلمين، وعقيدة من عقائدهم؛ فلفظ الإسلام مشتق من السلام. وقد وصف القرآن نبي الإسلام عليه السلام: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وقد أكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية إفشاء السلام فقال: «لا تدخلون الجنَّةَ حتى تُؤمِنُوا، ولا تُؤمِنُوا حتى تَحَابُّوا، أّوَ لا أَدُلُّكُم على شىءٍ إِذَا فَعَلْتُموهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنُكُمْ» (رواه مسلم: صحيحه. كتاب الإيمان. باب: بيان أنَّه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون، وأنَّ محبة المؤمنين من الإيمان، وأنَّ إفشاء السّلام سبب لحُصُولها، ص: [53]. رقم: [54]. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).

"وهذا الحديث فيه الحضّ على إفشاء السلام على مَنْ عَرَفَ، و مَنْ لم يعرف، والسلام أول درجات البرّ، وأول خِصَال التآلف، ومفتاح استجلاب المودَّة. وفي إفشائه أُلفة بين المسلمين، وإلقاء الأمن والطمأنينة بينهم" (القاضي عياض: إكمال المُعْلِم بفوائد مسلم. ج 1، ص: [304-305]).

"ولا شكَّ أنّ إفشاء السلام يعمل عمل السحر في النفوس، وعمل الطب في الأجسام، ويرفع الوَحْشَة بين المتباعدين المتنافرين" (د. موسى شاهين لاشين: فتح المنعم "شرح صحيح مسلم". ج 1، ص: [201]. ط 1. 1423هـ / 2002م. دار الشروق القاهرة).

ب- الإسلام والرحمة: بني الإسلام على التراحم، والأمثلة على ذلك كثيرة من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإِذَا ذَبَحْتُم فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَليُحِدَّ أَحَدكُم شَفْرَتَهُ؛ فَليُرِحْ ذَبِيحَتَهُ» (مسلم: صحيحه. كتاب الصيد والذبائح. باب: الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة. ص: [809-810]. رقم: [1955]). ودين هذا حاله مع الحيوان، هل يكون قاسيًا مع الإنسان؟!

ج- الإسلام وحرية الاعتقاد: لم يُكرَه الإسلام أحدًا على اعتناقه، قال تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَي} [البقرة من الآية:256].

الإسلام في ساحة الحرب:

أمر الله تعالى بالجهاد بالأنفس والأموال، وأوجب على عباده أن ينفروا إليه، وحرَّم عليهم التثاقل عنه؛ قال تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:41]. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِى الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} [التوبة:38].

وقد رغَّبَ الإسلام في الجهاد؛ ويتضح هذا من قوله صلى الله عليه وسلم: «لَغَدْوَةٌ فِى سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» (البخاري: الجامع الصحيح. كتاب الجهاد والسير. باب: الغدوة والرَّوْحة في سبيل الله. ص: [540]. رقم: [2792]. وأيضًا: مسلم: صحيحه. كتاب الإمارة. باب: فضل الغدوة والرَّوْحة في سبيل الله، ص: [784]. رقم: [1880]. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه).

وهو فرض كفاية لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً} [التوبة من الآية:122]. أما إذا استنفر الإمام المسلمين للجهاد، أو دَاهَمَ العدوُّ بلاد المسلمين، فيصبح الجهاد فرض عين؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة:39]. وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وِنِيَّةٌ، وإذا اسْتُنفِرْتُم فانْفِروا» (البخاري: الجامع الصحيح. كتاب الجهاد والسير. باب: فضل الجهاد والسير. ص: [538]. رقم: [2783]. وأيضًا: مسلم: صحيحه. كتاب الحج. باب: تحريم مكة وصيدها، ص: [535]. رقم: [1353]. من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، واللفظ للبخاري).



والباحث يجد أن الحرب في الإسلام شُرِعت في حالتين:

حالة الدفاع عن النفس والعرض والمال، قال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]. وفي الحديث: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أهْلِهِ، أَوْ دُونَ دَمِهِ، أو دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» (رواه أبو داود في سننه. كتاب: السنة. باب: في قتال اللصوص. ص: [865]. رقم: [4772]. وأيضًا: الترمذي في سننه. كتاب الدِّيات عن رسول الله صلى الله عليه السلام. باب: ما جاء فيمن قُتِلَ دون ماله فهو شهيد. ص: [335]. رقم: [1421]. وهو صحيح من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، مع تغيُّر في الألفاظ والترتيب عند الترمذي). وهذا نسميه جهاد الدفع، وهي أن يُدَاهِمَ العدو أرضنا فلا نتركه.

فتح أبواب الدعوة إلى الله، فيقاتل المسلم مَنْ يَصدّ الناس عن معرفة الإسلام ويعذبهم، وهذا يُسمَّى جهاد الطلب، ودليل هذا الجهاد قوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:8-9]. وسبب القتال واضح جَلِيٌّ وهو القتال في الدين، والإخراج من الديار، والمعاونة على الإخراج.

وقد تضمنت الآيات الكريمة السابقة ما يلي:

الأمر بقتال الذين يبادرون بالعدوان -حتى في الأشهر الحرم- بكفِّ عدوانهم، وتربية لمن يفتن المسلمين، والدفاع عن النفس، لا لحظوظ النفس وشهواتها، وحب سفكّ الدماء (أ. أحمد مصطفى المراغي: تفسيره. ج2. ص: [88]. ط 1. 1365هـ / 1946م. مكتبة البابي الحلبي - القاهرة).

"أما الذين لا يبادرون بالاعتداء، فلا يجوز قتالهم ابتداءً؛ لأن الله تعالى نهى عن الاعتداء. الحرب لها غاية تنتهي إليها، وهي منع فتنة المؤمنين وترك إيذائهم" (أ. أحمد مصطفى المراغي: تفسيره. ج28. ص: [69-70]).

"جواز صلة الذين لم يعادوا المؤمنين ولم يقاتلوهم" (القرطبي: الجامع لأحام القرآن؛ المجلد التاسع. ج18. ص: [40]).

"تبادل البرّ والصلات مع المشركين إذا لم يكن ذلك ناتجًا عن مَيْل قلبي له، مع ضمان حرية الدعوة للإسلام، وتحقيق منهج الله في الأرض، وإعلاء كلمة الله" (د. عبد العزيز الربيعة: صور من سماحة الإسلام. ص: [86]).

وتتضح سماحة الإسلام مع أعدائه من قوله تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال:61-62].

وقد تضمنت الآيتان السابقتان ما يلي:

الإجابة إلى الصلح مع المشركين إن طلبوا ذلك؛ شريطة أن يكون فيه مصلحة للمسلمين (محمد بن عبد الله -ابن العربي المالكي-؛ ت543هـ): أحكام القرآن. ج2. ص: [426-427]. تحقيق الشيخ محمد عبد القادر عطا. ط3، 1424هـ / 2003م. دار الكتب العلمية - بيروت).

"الميل إلى الصلح والمسالمة، حتى لو أظهروا إرادة الصلح، وأبطنوا الخيانة، فإن الله تعالى يتولى الحماية والحفظ" (القرطبي: الجامع لأحكام القرآن. المجلد الرابع. ج8. ص: [28]).

"وهذا يؤكد أنّ الجهاد بالقتال لم يهدف قطعًا ويقينًا إلى إكراه أحد على الإسلام؛ وإنما كان مَعْنِيًّا بإزالة حكم الطواغيت والظلمة في الأرض، وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جَوْر الحكام إلى عدل الإسلام، ولتأمين الحرية الدينية للناس، ولرفع العقبات أمام الدعوة والدعاة لتنفيذ حرية العقيدة والتدين، وإزالة الظلم والطغيان؛ حتى يتمكن الناس من التفكير في العقيدة، واختيار الدين الحق، والإيمان الصحيح، أو البقاء على دينهم مع الالتزام بدفع ضريبة الجزية في الدنيا، وتحمّل المسئولية الدينية أمام الله تعالى في الآخرة" (د. محمد الزحيلي: الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية "أبعادها وضوابطها". ص: [20]. الدورة التاسعة عشرة لعام 1428هـ / 2008م. مجمع الفقه الإسلامي - الشارقة).

وللحديث صلة إن شاء الله.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

ياسر منير

( باحث بالدكتوراه )"مقارنة أديان " - جامعة القاهرة

  • 5
  • 0
  • 11,664

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً