التوجيه والتعليم والإنساني

منذ 2013-10-25

التربية هي تفاعل بين المعايير التربوية المراد تعليمها للطفل، وبين الطفل نفسه باحتياجاته وشخصيته ومشاعره. ولهذا؛ فإن التوجيه الإنساني يهتم بعلاقة المربي بالمتربي، ويضع لها أسسًا يضمن حسن التواصل بينهما؛ لإنجاح العملية التربوية، ولضمان قدرة المربِّي على تحقيق أهداف التربية معه.

 

بينّا في المقال السابق، أن غرس القيم يحتاج لتوفر شروط معينة، حتى تتم عملية غرس القيم في جو ملائم، وبجودة عالية، ووضحنا أن هذه الشروط الأساسية، هي:
الشرط الأول: توفير البيئة الداعمة.


الشرط الثاني: استخدام التوجيه والتعليم الإنساني.

وقد تحدثنا تفصيلًا عن الشرط الأول: أهميته، وفوائده، ونحن في هذا المقال على موعد مع الشرط الثاني، وهو:

التوجيه والتعليم الإنساني:

الشرط الثاني من شروط غرس القيم هو استخدام التوجيه والتعليم الإنساني،"ونعني به التعامل مع الطفل باعتباره إنسانًا مكونًا من جوارح ومشاعر وأحساسيس، مركبَّة مع بعضها البعض في مزيج متناسق".

والسرُّ في التأكيد على هذه النقطة، أنه في كثير من الأحيان يتبادر إلى الذهن أن التربية هي مجموعة من قواعد الصواب والخطأ، تعلَّم إلى الأبناء والأطفال بلا مراعاة لجوانبهم النفسية ومشاعرهم، وهذا المنظور الضيق لاشك أنه قلَّل من جدوى العملية التربوية إلى حدٍّ كبير؛ فنشأ التوجيه والتعليم الإنساني ليعتني بالجوانب المشاعرية والشخصية في توجيه سلوك الأطفال.

إن الأطفال ليسوا أماكن لتخزين المعلومات وحسب، إنهم بشر لهم مشاعر وصفات شخصية وحاجات، ويتأثرون بالضغط الأسري والمدرسي وضغط الرفقاء، وكل ذلك لابد وأن يهتم به المربي ويراعيه خلال العملية التربوية.

فالتربية هي تفاعل بين المعايير التربوية المراد تعليمها للطفل، وبين الطفل نفسه باحتياجاته وشخصيته ومشاعره.

ولهذا؛ فإن التوجيه الإنساني يهتم بعلاقة المربي بالمتربي، ويضع لها أسسًا يضمن حسن التواصل بينهما؛ لإنجاح العملية التربوية، ولضمان قدرة المربِّي على تحقيق أهداف التربية معه.

والتربية القيمية من أهم المواضيع التي تتطلب هذا النوع من التواصل؛ لأن غرس القيم لا يأتي بالقوة، بل يحتاج إلى احتكاك متفاعل بين المربِّي والمتربي، يسمح بغرس القيم والمثل العليا.

أسس التوجيه الإنساني:

وحتى نحسن عملية التوجيه الإنساني في التربية، لابد من التعرف على أهم أسس هذا التوجيه، فتتضح لنا المعايير التي يبنى عليها هذا الأسلوب التربوي الفعال:

أولًا: لسلوك الإنسان دوافع لا واعية:

"فالتوجيه الإنساني ليس معنيًّا بالسلوكيات الظاهرية فقط، بل يعتبر أن لكل سلوك دوافعه الداخلية، التي تؤثِّر على الإنسان، وتدفعه للتصرف بشكل معين كنوع من التعبير عن هذه الدوافع، وفي أحيان كثيرة لا يكون الإنسان على وعي بهذه الدوافع.

وبما أن التوجيه الإنساني سيعضد من العلاقة بين المربِّي والمتربي، وسيجعل المربِّي أكثر قدرة على تحقيق أهداف العملية التربوية؛ فإنه سيضع هذا الأساس على سُلم الأولويات، وسيحاول من خلاله أن يتفهم طبيعة السلوكيات والدوافع التي وراءها، ثم يحاول باستخدام الأساليب التربوية المختلفة تعديل هذه السلوكيات من خلال تغيير هذه الدوافع.

ويتضح هذا الأمر جليًّا في بعض المواقف؛ مثلما يحدث من الطفل الأول بعد قدوم طفل جديد للأسرة، ويستحوذ على الاهتمام من الأبوين؛ فيبدأ الطفل الأول في القيام ببعض التصرفات، والتي لم يعتد عليها الأبوان من قبل، وقد يحاول إيذاء المولود الجديد؛ لينال اهتمام الوالدين مرة أخرى.

فإذا تعامل الأبوان مع هذه التصرفات بمعزل عن الدافع اللاواعي لدى طفلهما الأول، والذي يدفعه لمثل هذه الأمور؛ فسيخطئان بالتأكيد في وصف الحالة، ومن ثَم التعامل معها، أما إذا أدركا حاجة طفلهما للشعور بالاهتمام، وأن هذه الحاجة هي الدافع الذي يحثُّه على مثل هذه التصرفات؛ فسيحسنا التعامل معه، ويعطياه المزيد من الاهتمام؛ مما يخفف من حدة هذه الأفعال" (كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق).

ثانيًا: أن للإنسان احتياجات مختلفة:

النفس البشرية لها احتياجات، ولاشك أن هذه الاحتياجات لو لم تسد، فإن هذا سيؤثر بشكل سلبي على العملية التربوية والاستفادة منها، إن الإنسان بصفة عامة والطفل على الأخص لا يستجيب للعملية التربوية ما لم تُسَد احتياجاته الأساسية، وقد يكون العائق في أحيان كثيرة عن التحلي بمكارم الأخلاق وجود حاجة لم تُسَد يحاول الطفل أن يسدها بالسلوكيات غير السوية.

ونضرب لذلك مثالًا، فقد نجد أن طفلًا ما يحتاج إلى تقدير الذات وهذه حاجة أساسية، ولكنه يظن أن هذا التقدير لن يكتسب إلا من خلال تعديه على زملائه وسبِّهم، وفهي هذه الحالة لن تفح وسائل العقاب في تعديل السلوك، لأن الأمر يتعلق باحتياج أساسي غير مشبع.

"ويأتي التوجيه الإنساني ليتفهم هذه الاحتياجات؛ فبدلًا من استخدام أسلوب العصا والجزرة، فإنه يجنح إلى اتخاذ وسائل من شأنها إشباع هذه الاحتياجات غير المُشبَعَة، وكنتيجة لذلك يتغير السلوك المراد.

والناظر إلى العملية التربوية؛ يرى ضحالة في تفهم هذه النقطة، ويجنح المربون إلى التعامل بسطحية شديدة مع المتربين، وينزلقون إلى أفكار الخير والشر، والجيد والسيء، وينعتون الأطفال بأشياء من هذه الصفات.

ومن أهم من كتبوا في التوجيه الإنساني هو عالم النفس إبراهام ماسلو، حيث قسَّم الاحتياجات الإنسانية إلى احتياجات نقص واحتياجات نمو.

وشدَّد على أهمية أن تسعى العملية التربوية إلى إشباع احتياجات النقص؛ حتى يصل الإنسان إلى احتياجات النمو.

وهذا التقسيم له أهمية خاصة في مسألة التربية القيمية، فغرس القيم الذي يدوم طوال العمر في جميع المواقف والحالات يحتاج إلى أنفس مستكملة لاحتياجاتها الأولية، ودخلت في مرحلة احتياجات النمو، فقد نبذل مجهودات مطولة في سبيل غرس السلوكيات القيمية، ثم تضيع هذه الجهود هباء؛ نظرًا لأن هناك احتياجًا دفينًا لدى الطفل ينبغي أن يُشبَع أولًا" (كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق).

"إن للطفل خلال نموه الكثير من الحاجات التي يحتاج لإشباعها، وحيث الأسرة الوسط التربوي الأول الذي ينشأ فيه؛ فهي معنية بإشباع تلك الحاجات، والتي تأتي في جوانب متعددة؛ فمنها: الحاجات الجسمية، والحاجات العقلية، والحاجات الخلقية، وغيرها من الحاجات التي تؤهله لاكتساب القيم؛ كالحاجة للأمن، والتقبُّل الاجتماعي، والحاجة للحب، والحاجة للعطف، والحاجة إلى الشعور بالنجاح، والحاجة لتعلم السلوك، وغير ذلك من الحاجات.

وحينما تتحقق تلك الحاجات للطفل؛ فإنه يكتسب الشخصية المتوازنة التي تساعده في الاكتساب القيمي السليم للسلوك الصحيح، وهنا يبرز دور الأسرة لإشباع تلك الحاجات، لينشأ الطفل ذو شخصية متوازنة متكاملة؛ مما يساعده على النمو الاجتماعي والخُلُقي السليم" (تنمية القيم الأخلاقية لدى طلاب المرحلة المتوسطة من وجهة نظر معلِّمي التربية الإسلامية بمحافظة القنفذة، علي بن مسعود بن أحمد العيسى).

ثالثًا: اتركوا لهم مساحات للاختيار:

من السهل جدًا أن تقوم العملية التربوية على التلقين، وتتخذ منهج: افعل، ولا تفعل، وهذا الصواب، وهذا الخطأ.. وينتهي الأمر عند ذلك، وبهذا تكون العملية التربوية فقيرة للغاية.

"فالعملية التربوية لا ينبغي أن تكون عملية تلقينية لمجموعة من قواعد الصواب والخطأ، بل ينبغي أن تحتوي على فرص لأن يتعلم المتربون أن يختاروا، كمثل أن يختاروا نوع النشاط الرياضي الذي سيؤدونه في نهاية الأسبوع، أو يختاروا نوعية الطعام التي يريدون.

وفي التربية القيمية نستطيع أن نعطي المتربين الفرصة لكي يختاروا بين التطبيقات المختلفة للسلوكيات القيمية التي يريدون الالتزام بها، فقد يختار أحدهم مجال الاهتمام بتعليم الأُميين، وقد يختار آخر الاهتمام بمصالح الفقراء، وقد يختار ثالث الاهتمام بالمرضى" (كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق).

رابعًا: العلاقة المميزة:

ونقصد بها العلاقة المميزة بين المربي والمتربي، إن العلاقة المميزة بينهما هي الضمانة الحقيقية لاستفادة كبرى، واستجابة سريعة من المتربي.

"وقد ثبت من الدراسات النفسية، أن هذه العلاقة يجب أن تكون في إطارHELPFUL EDUCATOR؛ أي مربِّي مساعد، بحيث يحتفظ بكل سمات المربِّي، وفي نفس الوقت يستطيع تقديم الدعم والمساعدة المناسبة عندما يحتاج المتربي لهذه المساعدة. أما أن تتحول العلاقة التربوية إلى علاقة صداقة؛ فهذا يُفقِد العملية التربوية معناها، ويسلب من المربِّي جزءًا كبيرًا من تأثيره على الطفل" (كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق).

خامسًا: التعبير عن المشاعر:

رائع أن يشعر الإنسان بقدرته على التعبير والإفصاح عن مشاعره، حينها يشعر المتربي بقدرته على التعبير عن نفسه، مع وافر الاحترام والتقدير للمربي.

وهنا شعور بالإنسانية يغمر المتربي حينما تتاح له الفرصة كي يعبر عن مشاعره، وهذا يساهم إيجابًا في بناء الفرد؛ حيث يخلصه من مشاكل الصراع الداخلية، فالفرد يشعر أنه كتله من القيم والاعتقادات والأفكار والمشارع، يجب أن يحرص على التوفيق بينها؛ لتظل دائمًا كتلته الداخلية دافعة له نحو أهدافه وطموحاته.

تدريب عملي:

- "اسأل أطفالك أو تلاميذك أن يقوموا بالتفكير في كيفية تقديم مساعدة لزملائهم، ثم قم بإدارة نقاش بينهم حول هذا الموضوع لاستعراض آرائهم المختلفة.

- لا ينبغي للمربِّي أن يتدخل في هذا النقاش، إلا إذا بدأ ينحرف عن مساره أو حدث لغط تصعب معه المناقشة.

- فإذا تم الاتفاق على موضوع بحدِّ ذاته؛ قم بحثِّهم على مناقشة كيفية تأديته وتوقيت ذلك، وما هي معايير نجاحه؟ ومن سيقوم بالمسئوليات المختلفة؟

- ثم قُم بحثِّهم على إعداد خطة واضحة للتنفيذ" (كيف تغرس القيم في طفلك، د. محمد صديق).

 

عمر السبع

 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 3
  • -1
  • 8,984

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً