قراءة مغايرة في أضحية الجزار الأمريكي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

بينما المسلمون مشغولون بذبح أضحياتهم فوجئ الجميع بإذاعة مراسم إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، ومهما يقال عن الحكومة العراقية وعن المحكمة التي أصدرت في حقه حكمه الإعدام فإن الجميع يعلم علم اليقين أن الحكم أصدره الجزار الأمريكي، وإن كان قد نفذه من خلال حلفائه ووكلائه، ومهما يدعي من تلقائية في اختيار توقيت التنفيذ، وغفلة من المنفذين من تزامن هذا مع عيد الأضحى المبارك، فإن الجميع يعلم أن التوقيت قد اختير بعناية على طريقة هدية رمضان وغيرها مما اعتاد الجزار الأمريكي إرساله إلى المسلمين.

وإذا كان إعدام صدام رسالة مقصودة تحتمل عدة احتمالات في من المستهدف من ورائها، فإن اختيار التوقيت يدل على أن الرسالة موجهة إلى الأمة الإسلامية ككل، وهي استكمال لرسالة "من ليس معنا فهو علينا" وهذه الرسالة العملية تقول "ومن كان علينا فهذا مصيره وجزاؤه يقتل بيدي أعدائه"، ولذلك فمن مصلحة الجزار الأمريكي أن تتصارع الطوائف في كل مكان، وأن تحصل قناعة لدى الجميع "أن النصر من عند أمريكا" وأن أمريكا هي الحكم في كل الخلافات السياسية والعرقية والدينية، حتى فيما يتعلق منها بالدين الإسلامي الحنيف وأنها رغم عدائها لدين الله جملة وتفصيلا إلا أنها لا تمانع في أن تكون حكما بين طوائفه.

فالصورة المثلى عند أمريكا أن تكون هي أم الدنيا، وأن تكون كل طوائف الدنيا كالإخوة الأعداء، يختلفون في كل شيء إلا في ولائهم لأمريكا ودورانهم في فلكها، وهي لا تخفي أنها ستكون الأم الجائرة التي تميل تجاه من يتملقها من أبنائها، وأن من يرضى إذا رضيت ويغضب إذا غضبت سيكون هو الابن المدلل لديها، ومن رضي بها ولكنه لم يسابق إلى رضاها فسيكون الابن المنبوذ، وأما من لم يرض بها أما وحاكما وشرطيا فالموت له، ولا بأس أن يأتي ذلك في صورة محاكمات تمثيلية أو حقيقية، لاسيما إن كان ابنا سابقا لها، فكل أبنائها كأمهم قد رضعوا من لبانها الآسن، فعندهم من سجلات الإجرام ما يستحقون معه الإعدام مرات لا مرة واحدة.

ولهذا فإن أمريكا ترعى الصراع الشيعي الشيعي، والصراع الشيعي الكردي على الكعكة العراقية، وقد تحابى طرف على حساب الآخر مع الحفاظ على الإبقاء على الجميع في الحلبة بينما أطلقت يد الجميع على أهل السنة الذين لا يرون أن أمريكا يمكن أن تتحول يوما ما إلى ولى أمر على بلاد المسلمين.

وفي ذات الوقت انقلبت أمريكا على صدام الذي كان في يوم من الأيام رجلها، ولكنها أرادت أن تعطي بقتله رسالة واضحة لكل من تسول له نفسه عدم الاعتراف بالشرعية الأمريكية، ووجد حلفاؤها الشيعة فيه ممثلا للسنة، رغم معرفتهم بأنه بعثي علماني، إلا أن الشيعة من أحمق الناس، وأكثرهم عصيبة، ولذلك فهم مع موالاتهم لليهود والنصارى إلا أنهم يكرهون كل من انتسب إلى السنة وإن كان انتسابا بالبطاقة.

وعلى الرغم من السجل الأسود لصدام حسين إلا أنه في سنواته الأخيرة ومنذ وقع في قبضة الأمريكان وهو يمثل حالة نادرة من الصمود والتحدي، رغمت أمامها أنف الجزار الأمريكي، وحرص أن يظهر دائما والمصحف في يده، ولولا أننا لم نسمع منه إعلان التوبة صراحة من ماضيه، لكان لنا معه شأن آخر. ولكن سيبقى صموده درسا لكل أحد، أن الدنيا أحقر مما يتصورون بكثير، فهذا الرجل الذي اعتاد السلطة والجاه والسلطان، وجد لذة أخرى في الصمود والتحدي، ولو كان ذلك مجرد إظهار للجلد، فكيف بمن يفعل ذلك وهو يرجو ثواب الآخرة {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} (النساء:104).

أيها الجزار الأمريكي :

رسالتك قد وصلت، وإليك الجواب:

- {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173).

ولست أبالي حين أقتل مسلما           على أي جنب كان في الله مصرعي

وذاك في ذات الإله وإن يشـأ            يبارك على أوصال شــــــلو ممزع

- أسر ملك من ملوك الروم قبلك أحد أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عبد الله بن حذافة - رضي الله عنه - وحاول إذلاله كما تحاول أنت إذلال أسراك، فقدم له خمرا ولحم خنزير. فقال عبد الله بن حذافة له: قد علمت أنه يحل لي، ولكن لم أكن لأشمتك في صحابة محمد - صلى الله عليه وسلم - فعرض عليه أن يتنصر ويزوجه ابنته ويشركه في ملكه فأبى، فأمر به أن يرمي في الزيت المغلي. فبكى عبد الله بن حذافة - رضي الله عنه - فطمع فيه الوغد فأمر برده إليه وسأله ما يبكيك قال: عبد الله بن حذافة صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم - "أبكي لأن لي نفس واحدة، ووددت لو أن لي مائة نفس فأفعل بها ذلك في سبيل الله".

- {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (التوبة:52).

أيها الجزار الأمريكي:

تحتاج إلى مزيد من الدروس الخصوصية على يد الجزار البريطاني، الذي دارت عليه دورة الزمان فصار تابعا لك بعد أن كان متبوعا.

ولكن راجعه واسأله عن المسلمين حينما يستثارون؟ ولمن الكرام حينما يشعرون بالاهانة المتعمدة.

أيها الجزار الأمريكي قد تكون عقدة فيتنام هي المسيطرة على تفكيرك، ولكن المسلمين ليس لديهم عقدة ولن تكون عندهم عقدة.

وليس يقتل منا سيدا أبـــدا           إلا افتلينا غلامـا سيدا فينا

هذا إذا قتلتم أسيادنا فكيف           إذا قتلتم رجالكم السابقين؟

أيها الجزار الأمريكي:

إن عار صدام بالعمالة لكم عار لا يخفف من شدته إلا أنه مات بأيديكم، ولعله لو استطاع أن يتكلم اليوم لتمثل بتلك الأبيات التي رددها أبو عبد الله الصغير الذي حالف الصليبين على أعمامه في الأندلس، رجاء أن يثبتوا له ملكه فطردوه. حتى الصليبين بالأمس كانوا أحسن حالا من الجزار الأمريكي طردوه ولم يقتلوه. فكانت منه هذه الأبيات:

هل خانني السيف؟ لا بل خنت عهده                  تبا لسيف بــــــــــه قطعت أرحامي

ندمت عما جنت نفسي وما اجترحت                  يداي مــــــــن محــــــن شتى وآثام

أسلمت قودي لأعدائي فما انتهضــوا                 إلا لتدمـــــــــــير أمجادي وإسلامي

حالفت ضد أبي أهل الصليب وقــــد                  حاربت قومي على جهلي وأعمامي

وكنت عبدا لأطماع تسخـــــــــــرني                  ولا أبالي بمــــــــــن داسته أقدامي

حتى غدوت ووجـه الأرض يلفظني                   بغضا وتســــــــود كالغربان أيامي