{وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}

منذ 2014-03-28

الإعلام زيَّن للناس الباطل، وسحر أعينهم وقلَّما نعثر على إعلام نظيف.

بسم الله الرحمن الرحيم

مع تداخلات العصر، وسيطرة الإعلام على عقول معظم المجتمعات، وتغلب أباطرة الإعلام على عقول معظم سكان الأرض، بتوجيههم إلى ما يُحقِّق مصالحهم ولو خالف الدين وصريح العقل، ولو بارزوا الله تعالى الذي يُملي لهم وهو قادر على أخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر، وإنما أبقاهم اختبارًا لغيرهم كما يختبر العباد بعدوه إبليس -عليه لعائن الله المتتالية- وكفانا الله شرِّه وشرِّ أعوانه هو حسبنا ونعم الوكيل.

الإعلام زيَّن للناس الباطل، وسحر أعينهم وقلَّما نعثر على إعلام نظيف. 

{قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيم} [الأعراف:116].

قال ابن كثير رحمه الله:

"هذه مبارزة من السحرة لموسى، عليه السلام، في قولهم: {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} [الأعراف:115] أي: قبلك. كما قال في الآية الأخرى: {وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه من الآية:65] فقال لهم موسى، عليه السلام: {أَلْقَوْا} أي: أنتم أولًا قبلي. والحكمة في هذا -والله أعلم- ليرى الناس صنيعهم ويتأمَّلوه، فإذا فرغ من بهرجهم ومحالهم، جاءهم الحق الواضح الجلي بعد تطلب له والانتظار منهم لمجيئه، فيكون أوقع في النفوس. وكذا كان.

ولهذا قال تعالى: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُن النَّاس وَاسْتَرْهَبُوهُمْ} أي: خيلوا إلى الأبصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج، ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال، كما قال تعالى: {قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيّهُمْ يُخَيّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنّهَا تَسْعَىَ . فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مّوسَىَ . قُلْنَا لاَ تَخَفْ إِنّكَ أَنتَ الأعْلَىَ}  [طه:66-69]. 

قال سفيان بن عيينة: حدَّثنا أبو سعيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: ألقوا حِبالًا غِلاظًا وخشبًا طِوالًا. قال: فأقبلت يُخيِّل إليه من سحرهم أنها تسعى. 

وقال محمد بن إسحاق: صفَّ خمسة عشر ألف ساحر، مع كل ساحر حِباله وعِصيَّه، وخرج موسى، عليه السلام، معه أخوه يتكئ على عصاه، حتى أتى الجمع، وفرعون في مجلسه مع أشراف أهل مملكته، ثم قال السحرة: {يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى . قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ} [طه من الآيتين:65-66]، فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون، ثم أبصار الناس بعد، ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من الحبال والعِصي فإذا حيات كأمثال الجبال، قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضًا" أ هـ من (تفسير ابن كثير).

لا شك أن أجهزة الإعلام تقوم اليوم بنفس الدور، ويُحرِّكها أباطرة الإعلام العالميين يقودهم الصهاينة لإدارة مصالح اللاعبين الكبار وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل. 

في ظل هذا السحر المستمر؛ نرى كثيرًا من الناس وبسبب سريان سُمِّ السحر في عقولهم وأبدانهم، يتطوعون بمعاونة الظالمين وتشويه أهل الديانة والمصلحين، ويبذلون الجهد في نشر أفكار هي في الأصل تضاد مصالحهم ومصالح أوطانهم، ويُردِّدون ما يقال بلا أدنى وعي أو مجرد مهلة للتفكير. 

قال تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسّكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود:113]. 

قال القرطبي: "فيه أربع مسائل:

الأولى:

قوله تعالى: {وَلَا تَرْكَنُوا} الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، قال قتادة: معناه لا تودوهم ولا تطيعوهم. ابن جريج: لا تميلوا إليهم. قال أبو العالية: لا ترضوا أعمالهم؛ وكله متقارب. وقال ابن زيد: الركون هنا الإدهان وذلك ألا ينكر عليهم كفرهم. 

الثانية:

قرأ الجمهور: تركنوا بفتح الكاف؛ قال أبو عمرو: هي لغة أهل الحجاز. وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة وغيرهما: {تَرْكُنُوا} بضم الكاف؛ قال الفراء: وهي لغة تميم وقيس. وجوَّز قوم ركن يركن، مثل منع يمنع. 

الثالثة:

قوله تعالى: {إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} قيل: أهل الشرك. وقيل: عامة فيهم وفي العصاة، على نحو قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ۚ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:68]. وقد تقدَّم.

وهذا هو الصحيح في معنى الآية؛ وأنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة؛ وقد قال حكيم:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي

فإن كانت الصحبة عن ضرورة وتقية فقد مضى القول فيها في "آل عمران" و"المائدة". وصحبة الظالم على التقية مستثناة من النهي بحال الاضطرار. والله أعلم. 

الرابعة:

قوله تعالى: {فَتَمَسّكُمْ النَّار}؛ أي: تحرِقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم". 

قال ابن كثير رحمه الله: "وقوله: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: لا تدهنوا. وقال العوفي، عن ابن عباس: هو الركون إلى الشرك".

وقال أبو العالية: "لا ترضوا أعمالهم". 

وقال ابن جريج، عن ابن عباس رضي الله عنهما: "ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن، أي: لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بباقي صنيعهم، {فَتَمَسّكُمْ النَّار وَمَا لَكُمْ مِنْ دُون اللَّه مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} أي: ليس لكم من دونه من وليٍ يُنقِذكم، ولا ناصر يُخلِّصكم من عذابه" ا هـ من (تفسير القرطبي). 

عاقبة معونة الظالمين والمستبدين:

قال تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ . وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص:40-42].

قال ابن كثر رحمه الله:

"قال هاهنا: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ}؛ أي: أغرقناهم في البحر في صبيحة واحدة، فلم يبق منهم أحد {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ . وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي: لمن سلك وراءهم وأخذ بطريقتهم، في تكذيب الرسل وتعطيل الصانع، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ} أي: فاجتمع عليهم خزي الدنيا موصولًا بذل الآخرة، كما قال تعالى: {أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد من الآية:13].

وقوله: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي: وشرع الله لعنتهم ولعنة ملكهم فرعون على ألسنة المؤمنين من عباده المتبعين رسله، وكما أنهم في الدنيا ملعونون على ألسنة الأنبياء وأتباعهم كذلك، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ}. قال قتادة: وهذه الآية كقوله تعالى: {وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَة وَيَوْم الْقِيَامَة بِئْسَ الرِّفْد الْمَرْفُود} [هود:99]. 

والله المستعان... 


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 14,856

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً