علاقة الدين بتقدُّم الأمم وتخلُّفها
أُقدِّم بين يدي القارئ مبحثاً مختصراً في الأسباب المحتملة لتخلُّف أمة ما تدعي اتباع دين ما. ونضرب أيضاً أمثلة للتوضيح...
أُقدِّم بين يدي القارئ مبحثاً مختصراً في الأسباب المحتملة لتخلُّف أمة ما تدعي اتباع دين ما. ونضرب أيضاً أمثلة للتوضيح.
قبل أن نخوض في الأسباب أود أن أطرح بعض التعريفات الأساسية التي سنستخدمها في مبحثنا هذا.
تعريفات لا غنى عنها:
الدين:
الدين هو نظام ما يسير عليه مجموعة من البشر ينظم لهم كل حياتهم روحياً ومادياً.
التقدُّم:
هو حالة يكون فيها الناس سعداء في حياتهم العاجلة والآجلة معاً.
التخلُّف:
هو حالة يكون فيها الناس تعساء في حياتهم الآخرة على الأقل.
الأسباب المحتملة لتخلُّف أمة ما تدعي التدين:
أولاً: عدم صلاحية الدين ونعني بعدم الصلاحية هنا إما عدم إلهية الدين أو تحريف دين إلهي سواءاً كان التحريف تحريف النص أم التفسير أم كليهما.
مثال: أوروبا قبل ثورتها على الكنيسة وتحرُّرِها من قبضتها التي هيمنت على كل شيء حتى قوانين الفيزياء فقد حرفتها عن أصلها التي وضعها الله تعالى.
ثانياً: عدم اتباع دين إلهي صحيح النص صحيح التفسير اتباعاً صحيحا عملاً وقولاً وشعوراً.
مثال: جزء من الأمة "الإسلامية" اليوم.
ثالثاً: اتباع دين إلهي صحيح النص مُحرَّف أو مُشوَّه التفسير.
مثال: جزء آخر من الأمة "الإسلامية" اليوم.
موقف العقل السليم من تخلُّف أُمّته التي تدعي التدين:
أ- مراجعة دين أمته هل هو دين إلهي أم وضعي (كيفية هذه المراجعة خارج عن نطاق المقال حيث أنه يحتاج لمقال منفصل - انظر مقال القرآن كلام الله المنزَّل)، فإن كان وضعياً فقد علم السبب وعليه أن يتجه لدين الله وليس لدين البشر.
ب- أما إن كان إلهياً فليبحث في نزاهة هذا الدين عن التحريف نصاً أو فهماً وعليه أن يثق بأنه سيجد أحد التحريفين على الأقل.
ج- فإن وجد تحريفاً نصياً لا يمكن أن ينقح ويفصل فيه الغث عن الثمين فقد عَلِمَ سبب التخلُّف وليعلم أن هذا الدين ليس بدين الله الأخير، لأن الله تعالى لن يترك خلقه بدون دليل سليم من التحريف يستدلون به في حياتهم وعليه أن يتجه لدين الله وليس لدين البشر.
د- وإن وجد تحريفاً نصياً يمكن أن يُنقِّح ويُفصِّل فيه الغث عن الثمين ويعود لأصله بدون تحريف فليفعل ذلك ليصلح شأن أُمّته ويدفعها للتقدُّم.
هـ- وإن وجد الدين سليماً نصاً فليبحث عن فهم الناس له فلا بد من خلل فيه.
و- فإن وجد الناس يفهمونه فهماً سقيماً مُشوَّهاً فقد علم سبب تخلُّفِهم وعليه أن يُصلِح من فهمهم.
ز- وإن وجدهم يفهمونه فهماً صحيحاً فليبحث عن تطبيق الناس له وشعورهم به فلا بد أن بهما خلل فليدعو الناس لتطبيق دينهم واستشعاره حتى يتقدَّموا.
موقف العقل الإسلامي السليم من تخلُّف الأمة الإسلامية الآن:
الباحث المنصف المجرَّد عن الزيغ يعلم علم اليقين أن القرآن مُنزَّهٌ عن التحريف وأنه الإصدار الأخير لرسالة الله للعالمين ويعلم أيضاً أن السنة النبوية محفوظة إجمالاً حيث قيد الله تعالى لحفظها علماءاً أفذاذاً استخدموا بل ابتكروا أساليب ومناهج علمية غاية في الرقي كي يُنقُّوا نصوص السنة من أي تحريف فيها بالزيادة أو النقصان.
إذن؛ فالعيب أبداً ليس في نصوص الدين الإسلامي. ويجد العقل السليم نفسه أمام إحدى هذين الاحتمالين أو كليهما.
الأول: تشويه معاني النصوص وعدم استخلاص المراد الصحيح منها والحل هاهنا هو إصلاح فهم الناس لنصوص الإسلام.
الثاني: عدم العمل بالإسلام والحل ها هنا دعوة الناس إلى العمل والجد حتى نفيق من سباتنا.
موقف أوروبا من الدين في بداية نهضتها في العلوم التجريبية:
واضح من التاريخ أن أوروبا بشكلٍ عام دمجت تصرُّفات الكنيسة بالدين ولم تبذل مجهوداً في فصل الغث عن الثمين في الدين أو البحث عن دين الله الأخير غير المحرَّف (الإسلام) فتركت الدين بالكلية فكان الناتج تقدُّم في العلوم التجريبية وهذا التقدُّم في هذا الصنف من العلوم فقط لم ينقذها من التخلُّف وذلك حسب تعريف التخلُّف المذكور أعلاه.
موقف الأمم الغير متدينة من التقدم والتخلف:
حسب تعريف التقدُّم السابق فإن هذه الأمم فقدت سعادة الآخرة على الأقل، فهي أمم متخلفة.
والله أعلم.
- التصنيف: