إخوانكم خولكم

منذ 2008-02-11

وعادة ما يطلب النّاس من الخادم أداء حقوقهم، لكن هل سأل أحدنا نفسه: ما حق خادمه عليه؟ ذكراً كان أو أنثى؟


بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أمّا بعد:

فإنّ نعم الله سبحانه علينا لا يحصيها أحد، ومن تلك النعم أنّه لا يكاد يخلو بيت من بيوتنا من خادم أو خادمة. والخادم هو من يعمل في قضاء حوائج البيت اليومية نظير أجر يتقاضاه، وهو عادة ما يعيش في كنف أهل البيت الذين يخدمهم. وهذا من تسخير الله بعض عباده لبعض: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32].

وعادة ما يطلب النّاس من الخادم أداء حقوقهم، لكن هل سأل أحدنا نفسه: ما حق خادمه عليه؟ ذكراً كان أو أنثى؟

إنّ خير من يقتدى به في هذا الباب - وفي غيره من مجالات الدنيا والدين - هو صاحب الخلق العظيم عبدالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

وفي زماننا توجد بيوت - ولله الحمد - يعامل فيها الخدم معاملة حسنة، ولكن في الجانب الآخر يوجد من يظلم الخادم ولا يؤدي حقوقه كاملة، ولذلك لا بد من التذكير بسوء عاقبة الظلم والتحذير من بخس الحقوق. وإنّما قصدنا الخادم في هذه الرسالة لتكرار التعامل معه بشكل يومي، وسنوجز هنا بعض هديه صلى الله عليه وسلم في معاملة الخادم وما يتيسر من أدلة الكتاب والسنة وسيرة السلف الصالح في هذا الباب، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

حسن معاملته

وهذا باب كبير من أبواب البر، فإنّ فيه تربية للنفس على التواضع. وقد كان سيد البشر صلى الله عليه وسلم خير النّاس في معاملة الخادم. يقول خادمه أنس رضي الله عنه: «فخدمته في السفر والحضر ما قال لي لشيء صنعته لم صنعت هذا هكذا، ولا لشيءٍ لم أصنعه لِمَ لم تصنع هذا هكذا» [رواه البخاري].

تعليمه أمور دينه

ومن حسن معاملة الخادم المسلم أن يعلمه مخدومه الضروري من أمور دينه بادئاً بتوحيد الله عز وجل فهو أهم المهمات وأوجب الواجبات ثم مايهمه من أمور دينه كالصلاه والصيام، وينهاه عن البدع، فإنّ كثيرا من الذين يفدون للخدمة يأتون من بيئاتهم ببعض البدع الدينية، خاصة من يفد من بيئات تتفشى فيها هذه الأمور. ولا شك أنّ سيد المنزل راع والخادم يعتبر من رعيته لذلك فهو مسئول يوم القيامة عن إنكار ما يراه منه من منكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» [متفق عليه]. وممّا يغفله كثير من النّاس أن يعلم خادمه أن يُخرج عن نفسه زكاة فطره عند انقضاء رمضان أو على الأقل أخذ توكيل منه ليخرجها عنه مخدومه. وإن كان الخادم غير مسلم فدعوته إلى الإسلام فيها خير عظيم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم» [متفق عليه].

العفو عنه

من منّا لا يخطئ؟ ومن منّا إذا أخطأ لا يحب أن يغفر له ويعفى عنه؟ فكذلك الخادم.
قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم؟ فصمت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال: يا رسول الله! كم أعفو عن الخادم ؟ فقال : كل يوم سبعين مرة» [رواه الترمذي].

حقه من الراتب

فلا يجوز بخس الخادم راتبه ولا تأخيره عنه فإنّ ذلك حق له وأمانة لدى مخدومه. يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء: 58]، فهضم حقه مخالفة ومعصية لربّ السماوات والأرض. وليحذر الإنسان أن يكون خصمه الله يوم القيامة إن لم يوف الأجير أجره، فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره».

الإنفاق على الخادم

والإنفاق على الخادم أو الخادمة صدقة للمنفق أجرها عندالله تبارك وتعالى، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الإنفاق على الخادم لأنّه قريب ويرجى أن تكون هذه الصدقة ذات أثر طيب في نفسه تجاه مخدومه، فإنّه ما جاء من بلده وتغرب إلاّ ليكسب رزقا حلالا يعيل به نفسه وغيره. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصدقة، فقال رجل : عندي دينار. قال: أنفقه على نفسك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على زوجتك. قال: عندي آخر. قال: أنفقه على خادمك، ثم أنت أبصر» [رواه البخاري].

لا يكلف فوق طاقته

ومن حقوق الخادم كذلك أن لا يكلف من الأعمال ما هو فوق طاقته أو خارج مسؤلياته اتفاقاً أو عرفاً. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للمملوك طعامه وكسوته، ولا يكلف من العمل إلاّ ما يطيق» [رواه مسلم]. فإذا كان العبد المملوك لا يكلف إلاّ ما يطيق فالخادم الحر أولى. فإن كان هناك من عمل لابد منه فليعنه مخدومه فيحمل عنه ما هو فوق طاقته. عن أبي ذر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» [متفق عليه].

عدم إهانته أو ضربه

ومن حسن معاملة الخادم عدم إهانته أو ضربه. روى عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية، ولا تضربوا المسلمين» [رواه أحمد].وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمد يده على أحد إلاّ في جهاد، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلاّ أن يجاهد في سبيل الله» [رواه مسلم].
وقد كان صلى الله عليه وسلم يوصي بذلك، فعن أبي أمامة رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أقبل ومعه غلامان فوهب أحدهما لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال: «لا تضربه؛ فإنّي نهيت عن ضرب أهل الصلاة، وإنّي رأيته يصلي منذ أقبلنا» [رواه البخاري]. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالرفق بالخادم لشفقته عليهما، فعلى الخادم لتحسن معاملته، وعلى أصحابه كي لا يحتملوا إثماً. فعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: «كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً: اعلم أبا مسعود! لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت : يا رسول الله ! هو حرٌ لوجه الله. فقال: أما لو لم تفعل، للفحتك النار، أو لمستك النار» [رواه مسلم]. والله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن أشد المنكر أن بعض النّاس يتعمد ضرب الخادم على الوجه وفي ذلك ما فيه من الإهانة، وهو بذلك يخالف أمر نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال: «لا يَسِمَن أحدٌ الوجه ولا يضربنه» [رواه البخاري].

أكل الخادم من أكل أهل البيت

إنّ كون الخادم أقل منزلة اجتماعية من مخدومه لا يستوجب أن يكون طعامه أقل مستوى منه، بل إنّ هذه منازل قدرها الله تعالى على العباد في هذه الحياة الدنيا. لذلك حث النبي صلى الله عليه وسلم على إشباع هذه الحاجة لدى الخادم، فعن أبي ذر رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنّ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» [متفق عليه].
قال الحافظ ابن حجر: "أي: العبيد والخدم فإذا كان الخادم (طباخ) يطبخ لأهل البيت فعليهم أن يسمحوا له أن يأكل من طبخه، فإنّه قد شم رائحة هذا الأكل ورآه فتاقت نفسه إليه". فقد سئل جابر رضي الله عنه عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة والحر فقال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه فإن كره أحدٌ أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده» [رواه أحمد]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يُجلسه معه فليناوله لُقمة أو لُقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنّه ولي علاجه» [متفق عليه]. ثم إنّ إطعام الخادم صدقةٌ، كإطعام النفس والزوجة والولد. فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أنّه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة» [رواه أحمد].

لا يخلو رجل بخادمة

ومن حسن معاملة المرأة الخادمة أن لا ينظر إليها مخدومها ولا يخلو بها فإنّها أجنبية عنه أجيرة عنده، وهي أمانة في عنقه. وهذا داخل في عموم الأمر بغض البصر والنهي عن الخلوة بالأجنبية. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجلٌ بامرأة إلاّ مع ذي محرم» [رواه البخاري]. وعلى الرجل كذلك أن يعلم أبناءه هذا الخلق إذا بلغوا سن التمييز.

لا تخلو المرأة بخادمها ولا تتكشف له

بالنسبة للمرأة فلا يجوز لها أن تخلو بخادمها ولا أن يرى منها ما يحرم النظر إليه، فهو أجنبي عنها أجير عندها، وحكمه في النظر والخلوة حكم الأجنبي كما في الحديث السابق. وإن كانت المرأة الخادمة أفضل من الرجل لأنّ علاقة الخادم عادة تكون في أكثر الأوقات مع سيدة المنزل. ومن المنكر الشائع ركوب المرأة السيارة مع السائق متعطرة متبرجة، فإنّ ذلك مخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وإنّ مراعاة عدم ارتكاب هذا الذنب فيه صيانة للخادم (السائق) عن الإثم وحفظ لدينه ونفسه عن الفتنة.

الختم على الخادم

وقد كان من هدي السلف أن يعينوا الخدم على أنفسهم فلا يتركون أموالهم هملاً، فقد يشجع ذلك الخادم على السرقة وخيانة الأمانة. فإذا حفظ أهل البيت أموالهم وحليهم عن أن تصل إليها أيدي الخدم فإنّ ذلك من صالح الخدم من ناحيتين:
الأولى: أنّهم يصانون من ذنب السرقة.
والثانية: أنّه إذا فقد شيء منها لا يظن بهم ظن السوء.
عن أبي العالية (تابعي) قال: "كنا نؤمر أن نختم على الخادم، ونكيل، ونعدها، كراهية أن يتعودوا خلق سوء، أو يظن أحدنا ظن سوء". [رواه البخاري].
قال الجيلاني: "لأن قلوبنا بالختم والكيل والعد تطمئن بالحفظ، وينحسم طمع العبيد والخدم فلا يجترئون على السرقة والخيانة، فهم يصانون عن ذنب، ونحن نصان عن سوء الظن بهم".
وقد كان أبو هريرة رضي الله عنه يعد قطعات اللحم لما كان خادمه يجيء من السوق، فلما جلس للطعام كان يأمر خادمه بالجلوس معه، فسئل مرة: أنّك تعد قطعات اللحم إذا جاء بها الخادم ثم لا تدعه حتى يأكل معك! فقال: "ذلك أنقى للصدر، فلا يذهب الوهم إلى أنه أخذ منه شيئا".
وعن سلمان رضي الله عنه قال: "إني لأعد العُراق على خادمي مخافة الظن"، أي مخافة أن أسيء الظن به. والعُراق هو العظم الذي أُكِل لحمه. [رواه البخاري].

الدعاء للخادم، لا الدعاء عليه!

قد نهانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عن أن ندعو على أنفسنا أو ما رزقنا الله من الولد والخدم والمال فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم» [رواه أبو داود].

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لخادمه أنس، يقول أنس رضي الله عنه: «فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلاّ دعا لي به، قال: اللّهم ارزقه مالا وولدا وبارك له فيه» [متفق عليه]. وقد سقي صلى الله عليه وسلم مرة فدعا لمن سقاه فقال: «اللهم أطعم من أطعمني وأسق من أسقاني» [رواه مسلم].
قال النووي رحمه الله: "فيه الدعاء للمحسن والخادم".

فمن منّا بلغ في حسن معاملته لخادمه أن يدعو له إذا أتاه بطعامه وشرابه؟!


خاتــمـــــــة:

أخيراً تذكر أنّ الجزاء من جنس العمل! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لا يرحم النّاس لا يرحمه الله» [متفق عليه]. وإنّك إذا عدلت وأقسطت كان لك جزاء عظيم عند الله تعالى، فهذا وعد الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «إنّ المقسطين عند الله، على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا» [رواه مسلم]. وتذكر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به» [رواه مسلم]. هذا ماتيسر جمعه في باب معاملة الخدم في شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيراً إلاّ دلنا عليه ولا شراً إلاّ حذرنا منه، فصلاة الله وسلامه عليه، والحمد لله رب العالمين.





المصدر: سلسلة العلامتين
  • 3
  • 0
  • 19,401

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً