سلوكيات تخالف آيات (2)

منذ 2014-05-24

كما أن العبد يتقرب إلى الله بالصلاة مثلاً فإن عليه أن يستشعر تقربه إلى ربه في إعانة محتاج، وإكرام ضيف، وابتسامة وطلاقة وجه وحسن كلام فهذا وغيره كثير هي أبواب لأجر كبير.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1]، {(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70،71].

أما بعد: معشر الكرام:
كان حديثنا الجمعة الماضية عن سلوكيات تخالف هداية آيات، والأخلاق والسلوك داخلة في جملة الأوامر الشرعية، التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فكما أن العبد يتقرب إلى الله بالصلاة مثلاً فإن عليه أن يستشعر تقربه إلى ربه في إعانة محتاج، وإكرام ضيف، وابتسامة وطلاقة وجه وحسن كلام فهذا وغيره كثير هي أبواب لأجر كبير.

وسيكون حديثنا اليوم عن سلوكيات تخالف هداية آيات، فتعالوا نمر على بعض الصور من واقعنا.
يقول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، وغير خاف على أحد من المسلمين منزلة الصدق وعظم ذنب الكذب، وأنه من الكبائر، والكذب كما عرفه العلماء هو الإخبار بخلاف الواقع، فتعالوا إلى بعض صور الكذب المنتشرة اليوم، أليس الكذب في المزاح اليوم صار وكأنه شيئًا عاديًا عند بعض المسلمين.

وفي الحديث: «أنا زعيمٌ ببيتٍ في رَبَضِ الجنَّةِ لمن ترك المراءَ وإن كان مُحِقًّا، وببيتٍ في وسطِ الجنةِ لمن ترك الكذبَ وإن كان مازحًا» (أخرجه أبو داوود، وحسنه الألباني)، أليس في واقعنا كثير من الموظفين اليوم يكتب عند توقيع حضور الدوام وقتًا غير الذي حضر فيه؟! يكتب بعضهم وقتًا قبل حضوره بربع ساعة أو نصف ساعة، وبعض الناس يظن أن الكتابة لا يشترط لها الصدق، والكتابة كالكلام باللسان، ولو أن زوجًا طلق زوجته بالكتابة لوقع الطلاق..

وأظن أنك حين تكتب الوقت الذي حضرت فيه فعلاً سيعترض عليك -واعتراضه ليس حقًا- ولكن لو بكرت خمس دقائق أو نحوها لصدقت واندفع عنك الإحراج مع غيرك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ}، النكت التي تختلق من صور الكذب المنتشرة اليوم وفي الحديث الذي رواه أبو داوود والترمذي: «ويلٌ للذي يحدِّثُ بالحديثِ ليُضحكَ به القومَ فيكذبُ ويلٌ له ويلٌ له» (حسنه الألباني، وصححه الشيخ ابن باز).

بعضهم يتغيب عن العمل أو الدراسة ثم يأتي بتقرير طبي يفيد بأنه كان مريضًا! ولم يكن كذلك وهذا من الكذب، يخشى من خصم ريالات لا تحل له، أو ليست النار أولى بأن يخشاها؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} أوليس النبي عليه الصلاة والسلام حذرنا من الكذب فقال: «وإيَّاكم والكذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ» (كما في صحيح مسلم).

بعضهم يسأله فضولي عن أمر يحب كتمانه، فيقول: "لا أدري" مع أنه يدري، وليس ملومًا على كتمان أمره، ولكنه ملوم على الكذب والواجب أن يبحث عن إجابة لهذا الفضولي يسلم فيها من الكذب، كأن يجيب عن أمر آخر، أو يبادر السؤال بسؤال، أو يصرف الحديث إلى موضوع آخر، أو يسكت ولا يجيب، أو غير ذلك من المخارج المباحة..

 

فلو أن شخصًا سُأل بكم اشتريت السلعة الفلانية؟
هو أمام خيارات عدة لو أراد كتمان شراءه فمن الممكن أن يقول مثلاً: بالرزق المقسوم، أو يسأل السائل عن حال فلان المريض، أو يقول بأكثر من كذا، أو يسكت وغير ذلك من الأساليب التي يسلّم فيها نفسه من الكذب، ولو أنه لم يخطر بباله جواب وأخبر بالصدق لكان خيرًا له من الكذب الذي يهدي إلى الفجور..

{قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [المائدة:119]، اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين في نياتهم وأقوالهم وأفعالهم، واستغفروا الله إنه كان غفارًا.

الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن من السلوكيات المخالفة لهدي القرآن السخرية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ..} [الحجرات:11]. يتداول كثير من الناس النكت وفيها سخرية، قد تكون السخرية من جنسية أو قبيلة أو مدينة تلمز بصفة سيئة كـ(بخل، أو كسل، أو غباء) أو غير ذلك، والتوجيه الرباني {لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ}.

أيها الفضلاء:
التواضع خلق كريم ، ووسط بين خلُقين مذمومين كما يقول ابن القيم، وسط بين الكبر وبين المهانة وفي التنزيل (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) [الحجر:88]، وفي آية أخرى قال في وصفِ مدح {..يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ..} [المائدة:54] وهذا ذل رحمة وعطف وشفقة وليس المراد به ذل الهوان كما قال الله {..أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ..} [الفتح:29].

حين يأتي بعضهم ويصافح من في المجلس أو دائرة العمل ويترك عامل النظافة، أو السائق أليس هذا تعاليًا وكبرًا؟! يخطئ بعضهم والخطأ من طبيعة البشر، ولكن المشكلة حين يراوغ المخطئ يمنة ويسرة عن الاعتراف بخطئه والاعتذار عنه وكأنه معصوم عن الخطأ وقد قال سبحانه: {..إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} [النحل:23].

لماذا بعض الناس لا ينادي العامل باسمه مع أنه يعرف اسمه؟ وربما يلجأ إلى مناداته بألفاظ فيها قلة أدب! ألا يخشى هذا يوم توضع موازين القسط ويوزن فيها مثقال حبة الخردل {..وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ..} [الحجر:88].
أيها المربون: هل تعلم أبناؤنا وطلابنا التواضع منا؟! هل يرون التواضع فينا سلوكًا معهم ومع غيرهم؟! إن أفعالنا وسلوكنا أعظم أثرًا عليهم من أقوالنا، ولو كثرت والله المستعان.

هذه بعض الظواهر السلوكية المخالفة للقرآن، ولكن السؤال المهم: ما سبب ضعف تطبيق القرآن واقعًا وسلوكًا؟! أو بسبب هجر تلاوته أو قلتها؟! أو بسبب ضعف تدبره؟! أم هو بسبب ضعف الإيمان أم هو بسبب اجتماعها، رزقني الله وإياكم عفوه وعونه.. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت..

 

حسام بن عبد العزيز الجبرين

  • 1
  • 0
  • 1,898

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً