سلوكيات تخالف آيات (1)
وصف الله كتابه بأنه نور وهدى، ورحمة وشفاء، وروح وبيان، وموعظة وفرقان، وأثر القرآن غير مقتصر على حياة القلب فقط، بل تمتد آثاره إلى أخلاقنا وسلوكنا، وشؤون حياتنا، فعائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن".
الحمد لله جعل كتابه هدى ونورًا وسعادة وسرورًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد إخوة الإيمان، فأوصي نفسي وإياكم بملازمة التقوى والاستكثار من خصالها؛ عسى أن نكون من ورثة جنة النعيم، فقد قال الحق سبحانه: {..تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [مريم:63].
معشر الكرام: من أجل القربات المعرفة لدى الصغير والكبير، والمتعلم والجاهل قراءة القرآن الكريم؛ إذ في الحرف عشر حسنات والله يضعف لمن يشاء، ولا شك في عظمة هذه العبادة، ولكن القرآن الكريم لم ينزّل ليقرأ فقط، بل نزل ليعمل به ويقرأ، ففي قول الله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ..} [البقرة:121]، قال ابن مسعود: "والذي نفسي بيده، إن حق تلاوته أن يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقرأه كما أنزله الله، ولا يحرف الكلم عن مواضعه، ولا يتأوَّل منه شيئًا على غير تأويله".
عباد الله: وصف الله كتابه بأنه نور وهدى، ورحمة وشفاء، وروح وبيان، وموعظة وفرقان، وأثر القرآن غير مقتصر على حياة القلب فقط، بل تمتد آثاره إلى أخلاقنا وسلوكنا، وشؤون حياتنا، فعائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن".
معشر الكرام: تعالوا بنا نقف على بعض السلوكيات من واقعنا المخالفة لهدى القرآن.
إنك تجد من يزعجك بالأنوار العالية في الطرق السريعة خصوصًا، وكم آذى بذلك من شخص وربما دعا عليه بعضهم وهو مسافر، والله يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:58]، وبعضهم يؤذيك بتجاوزه من الكتف الأيسر مبعثرًا الحصى الذي يكسر الزجاج أحيانًا، تجد بعضهم في الأماكن المزدحمة كـ(بعض الأسواق والمطاعم)، وربما الجوامع يغلق على غيره، وربما تأخر فآذى المحجوز؛ لأنه لا يريد أن يمشي بعض الأمتار.
إخوة الإيمان، صلاة الجماعة عظيمة القدر، ونجد أن النبي عليه الصلاة والسلام مع عظيم اهتمامه بصلاة الجماعة، ألا أنه أيضًا نهى ذا الرائحة الكريهة أن يحضر المسجد، فقال: «مَن أكَل ثومًا أو بصلًا فليعتَزِلْنا»، أو قال: «فلعتَزِلْ مسجدَنا، وليقعُدْ في بيتِه»" (أخرجه الشيخان)، ونجد بعض المسلمين يأكل الثوم والبصل نيئًا، ويأتي المسجد فيؤذي جيرانه المصلين، والله يقول: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.
وبعض المصلين يكون مبتلًى بالتدخين، فيأتي أحيانًا بعضهم تفوح منه رائحة الدخان الكريهة، ولو أنه أطفأها قبل وقت كافٍ، وتَمضمض واستنشق، واستنثَر، لزالت الرائحة، والواجب على المسلم أصلًا ترْك الدخان بالكلية، وقد يؤذيك بعضهم برائحة كريهة مُقززة، بسبب إهماله لتنظيف جسده أو ثيابه؛ {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}، بعضهم يجهر بقراءته في الصلاة السرية، فيُشوش على غيره، وقد يكون الأمر كذلك خارج الصلاة.
بعض الناس يغلظ في الممازحات، ويسيء الأدب بحجة المُزاح، وفي التنزيل: {وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} [الإسراء:53]، فالشيطان يجد طريقًا مع الكلمة السيئة، ولو كانت مزاحًا، وكم تبيَّن لبعض الممازحين أن غيرهم كان يتأذى ويتضايق، ولكنه يسكت عنه.
نفعني الله وإياكم بالكتاب والسنة، وبما فيهما من الآي والحكمة، واستغفروا الله إنه كان غفَّارًا.
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه.
أما بعدُ: فما أحسن حالنا إذا اهتدينا بالقرآن، وعمِلنا بما فيه في إصلاح قلوبنا وسلوكنا.
معشر الكرام، واستكمالًا لما سبق من السلوكيات المخالفة لبعض الآيات، تجدون في البوفيهات المفتوحة من يراكم الأطعمة في صحنه، وفي النهاية لا يأكل إلا بعضها، والغالب أن الباقي سيُرمى وللأسف، والله سبحانه يقول: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وفائدة البوفيه الرئيسة إكرام الضيف بما يشتهي، وأن يأخذ كل شخص حاجته، فهو أبصر بنفسه، وإن أنهيت طعامك واشتهيت المزيد، فارجع ما تريد، بل إنك ستجده ساخنًا، وهذا ألذُّ لك.
أحيانًا يترك بعضهم الإضاءة مفتوحة وقتًا طويلًا، بلا فائدة بحجة أنها قليلة الصرف، والله يقول: {وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا . إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء:26-27].
قد يتساهل بعض الموظفين في تشغيل أجهزة تكييف لا حاجة لها، والله يقول: {..وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31]، وكم أتمنى أن تلزم الجهات المختصة من يريد بناء جامع أن يعزل جزءًا منه لصلوات الفروض، فمن المحزن أن تشتغل أجهزة تكييف كثيرة لعدد قليل في صلوات الفروض، وليت وزارة الشؤون الإسلامية تسعى في عزل ما يمكن عزله لصلوات الفروض، ففي المملكة ألوف الجوامع.
تجدون في الطريق أحيانًا سيارة تقف حَذْو سيارة أخرى، فيضيق الطرق على الناس، مع أن الطريق حق عام للجميع، وفي التنزيل: {..وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} [الشعراء:183]، تجد من يأتي إشارة المرور، وعند ما يجد المسار الأوسط والأيسر مزدحمًا يأخذ المسار الأيمن؛ رجاء أن تفتح الإشارة، فيصلها ولم تفتح بعدُ، فيقف مغلقًا المسار الأيمن حاجزًا السيارات خلفه {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}.
قد يقف أشخاص ينتظرون انتهاء مَن سبقهم في مطعم أو صيدلية أو تهنئة زواج، فيأتي من يتخطى عليهم، ولا أدري أهو قلة نباهة، أو هو عدم اهتمام بالآخرين، أم بماذا يفسر؟! ولو كان للإنسان حاجة أو على عجل من أمره، فإن من الواجب والأدب استئذان من سبقه، فهم أحق! أحيانًا تقف بسيارتك في تقاطع منتظرًا سيارة قادمة، فتفاجأ بانعطافها قبل وصولها إليك مهملاً الإشارة المنبهة، وكان المفترض أن يستخدم إشارة سيارته؛ لكي تسير أنت ولا تقف بلا فائدة.
هذه بعض الظواهر السلوكية المخالفة للقرآن، ولكن ها هنا تساؤل مهم: ما سبب ضَعف تطبيق القرآن واقعًا وسلوكًا؟! أو بسبب هجر قراءته أو قلتها؟! أو بسبب ضَعف تدبُّره؟! أم هو بسبب ضَعف الإيمان أم هو بسبب اجتماعها؟
رزقني الله وإياكم عفوه وعونه.
حسام بن عبد العزيز الجبرين
- التصنيف:
- المصدر: