لا تحزن - ما هي السعادة (2)

منذ 2014-05-25

إن سلامة المسلمِ بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر؛ لأنَّ الدين هو الذي يبقى معك حتى تستقرَّ في جناتِ النعيمِ، وأما الملكُ والمنصبُ فإنَّهُ زائلٌ لا محالة {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.

إنَّ أكبر مُصلِحٍ في العالمِ رسولُ الهدى محمدٌ صلى الله عليه وسلم، عاش فقيراً، يتلوَّى من الجوعِ، لا يجدُ دقْلَ التمرِ يسدُّ جوعه، ومع ذلك عاش في نعيمٍ لا يعلمُه إلا اللهُ، وفي انشراحٍ وارتياحٍ، وانبساطٍ واغتباطٍ، وفي هدوءٍ وسكينةٍ {وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ}، {وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً}، {اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}.

في الحديثِ الصحيحِ: «البِرُّ حُسْنُ الخُلُقِ، والإثم ما حاك في صدرِك وكرهْت أن يطلع عليه الناسُ».
إنَّ البرَّ راحةٌ للضميرِ، وسكونٌ للنفسِ، حتى قال بعضُهم:

البرُّ أبقى وإنْ طال الزَّمانُ به *** والإثمُ أقبحُ ما أوعيت منْ زادِ

وفي الحديث: «البرُّ طُمأنينةٌ، والإثم ريبةٌ». إنَّ المحسن صراحةً يبقى في هدوءٍ وسكينةٍ، وإنَّ المريب يتوجَّسُ من الأحداثِ والخطراتِ ومن الحركاتِ والسَّكناتِ {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}. والسببُ أنه أساء فحسْبُ، فإنَّ المسيء لابدَّ أنْ يقلق وأنْ يرتبِك وأنْ يضطرب، وأنْ يتوجَّس خِيفةً.

إذا ساءِ فِعْلُ المرءِ ساءتْ ظنونُهُ *** وصدَّق ما يعتادُهُ مِنْ تَوَهُّمِ 

والحلُّ لمنْ أراد السعادة، أنْ يُحْسن دائماً، وأنْ يتجنَّب الإساءة، ليكون في أمنٍ {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.

أقبل راكبٌ يحثُّ السير، يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ، يريدُ سعد بن أبي وقَّاصٍ، وقدْ ضرب سعدٌ خيمتهُ في كبِدِ الصحراءِ، بعيداً عنِ الضجيجِ، بعيداً عنِ اهتماماتِ الدَّهْماءِ، منفرداً بنفسِهِ وأهلِهِ في خيمتِهِ، معهُ قطيعٌ من الغنمِ، فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه عُمَرُ، فقال ابنُه له: يا أبتاهُ، الناسُ يتنازعون الملك وأنت ترعى غنمك. قال: أعوذُ باللهِ منْ شرِّك، إني أولى بالخلافةِ منِّي بهذا الرداءِ الذي عليَّ، ولكن سمعتُ الرسول صلى الله عليه وسلم يقولُ: «إنَّ الله يحبُّ العبد الغنيَّ التَّقيَّ الخفيَّ».

إن سلامة المسلمِ بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر؛ لأنَّ الدين هو الذي يبقى معك حتى تستقرَّ في جناتِ النعيمِ، وأما الملكُ والمنصبُ فإنَّهُ زائلٌ لا محالة {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ}.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 3
  • 0
  • 2,424
المقال السابق
ما هي السعادة (1)
المقال التالي
إليهِ يصعدُ الكلِمُ الطَّيَّبُ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً