كل معروف صدقة

منذ 2014-06-24

إن فعل المعروف ولم تكن له نية التقرب حين الشروع بالعمل، فنرجو أن يأجره الله على ذلك.

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الله قد حث نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر أمته بالمعروف، وأن يكون ذلك سجية وخلقًا له ولهم؛ فقال الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]؛ قال ابن سعدي في قوله: {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}: "أي بكل قول حسن، وفعل جميل، وخلق كامل؛ للقريب والبعيد، فاجعل ما يأتي إلى الناس منك، إما تعليم علم، أو حث على خير، من صلة رحم، أو بِرِّ والدين، أو إصلاح بين الناس، أو نصيحة نافعة، أو رأي مصيب، أو معاونة على بر وتقوى، أو زجر عن قبيح، أو إرشاد إلى تحصيل مصلحة دينية أو دنيوية" [1].

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن: «كل معروف صدقة» كما في البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفسر ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل سُلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس يعدل بين الاثنين صدقة، ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة».

فهذه الأنواع التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة منها ما نفعه متعد؛ كالإصلاح، وإعانة الرجل على دابته بحمله عليها لرفع متاعه عليها، والكلمة الطيبة، ويدخل فيها السلام، وتشميت العاطس، وإزالة الأذى عن الطريق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودفن النخاعة في المسجد، وإعانة ذي الحاجة الملهوف، وإسماع الأصم، وتبصير المنقوص بصره، وهداية الأعمى أو غيره الطريق، وجاء في بعض رواية أبي ذر: (وبيانك عن الأرتم صدقة) يعني من لا يطيق الكلام إما لآفة في لسانه أو لعجمة في لغته، فبين عنه ما يحتاج إلى بيانه، ومنه ما هو قاصر النفع كالتسبيح والتكبير والتحميد والتهليل، والمشي إلى الصلاة، وصلاة ركعتي الضحى [2].


ومن أنواع الصدقة: كف الأذى عن الناس باليد واللسان؛ فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: «الإيمان بالله والجهاد في سبيله» قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: «أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا» قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: «تعين صانعًا أو تصنع لأخرق» قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: «تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك».

ومن أنواع الصدقات: أداء الحقوق إلى أهلها؛ ففي صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «للمسلم على المسلم ست»، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته تسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: وذكر منها: «وإبرار القسم، ونصر المظلوم»، وفي رواية لمسلم: «وإرشاد الضال» بدل إبرار القسم. وغير ذلك من الحقوق التي يجب على المسلم أن يؤديها لأخيه المسلم.


ومن أنواع الصدقة: المشي لأداء حقوق الناس الواجبة على الإنسان لهم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من مشى بحق أخيه إليه ليقضيه فله بكل خطوة صدقة"، ومنها: إنظار المعسر؛ فعن بريدة مرفوعًا: "من أنظر معسرًا فله كل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثله صدقة" [3].

ومنها: الإحسان إلى البهائم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن سقيها قال: «في كل كبد رطبة أجر» وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن بغيًا سقت كلبًا يلهث من العطش فغفر له [4].


وحينما يصنع المسلم المعروف حري به أن يخلص لله في ذلك؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله دلني على عمل إذا عمل به العبد دخل به الجنة؟ قال: «يؤمن بالله»، قال: قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملًا، قال: «يرضخ مما رزقه الله»، قلت: فإن كان معدمًا لا شيء له، قال: «يقول قولًا معروفًا بلسانه» قلت: فإن كان عييًا لا يبلغ عنه لسانه، قال: «فيعين مغلوبًا» قلت: فإن كان ضعيفًا لا قدرة له، قال: «فليصنع لأخرق» قلت: فإن كان أخرق؟ فالتفت إليّ فقال: «ما تريد أن تدع في صاحبك شيئًا من الخير! فليدع الناس من أذاه» قلت: يا رسول الله إن هذا كله ليسير، قال: «والذي نفسي بيده ما من عبد يعمل بخصلة منها يريد ما عند الله إلا أخذت بيده يوم القيامة فأدخلته الجنة» [5].

 

وإن فعل المعروف ولم تكن له نية التقرب حين الشروع بالعمل، فنرجو أن يأجره الله على ذلك، فقد سئل الحسن عن الرجل يسأله آخر حاجة وهو يبغضه فيعطيه حياء، هل له فيه أجر؟ فقال: "إن ذلك لمن المعروف وإن في المعروف لأجرًا".

وسئل ابن سيرين: عن الرجل يتبع الجنازة لا يتبعها حسبة يتبعها حياء من أهلها أَلَهُ في ذلك أجر؟ فقال: "أجر واحد، بل له أجران، أجر الصلاة على أخيه، وأجر لصلته الحي" [6].

فعلى المسلم والمسلمة أن يبادر في فعل المعروف، وأن لا يتواني ولا يتأخر؛ قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فقد يشكر الشاكر بأضعاف جحود الكافر"، وقال المارودي رحمه الله: "فينبغي لمن يقدر على إسداء المعروف أن يعجله حذار فواته، ويبادر به خيفة عجزه، وليعلم أنه من فرص زمانه وغنائم إمكانه، ولا يهمله ثقة بالقدرة عليه، فكم من واثق بالقدرة فاتت فأعقبت ندمًا، ومعول على مكانة زالت فأورثت خجلًا".

وقال العباس رضي الله عنه: "لا يتم المعروف إلا بثلاث خصال: تعجيله، وتصغيره، وستره، فإذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته أتممته" [7].

والله المستعان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم..

 

____________________________

[1]- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، [صـ313].

[2]- جامع العلوم والحكم، [صـ247]. الناشر: دار المعرفة – بيروت. الطبعة الأولى [1408هـ].

[3]- في المسند وسنن ابن ماجه.

[4]- راجع: جامع العلوم والحكم، [صـ249].

[5]- أخرجه ابن حبان في صحيحه. والحاكم في المستدرك وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، وقال الألباني: حسن لغيره، كما في صحيح الترغيب والترهيب [2318].

[6]- انظر: جامع العلوم والحكم [248] الناشر: دار المعرفة – بيروت. الطبعة الأولى [1408هـ].

[7]- راجع: الجامع لأحكام القرآن القرطبي [5/363].

المصدر: موقع إمام المسجد
  • 21
  • 0
  • 19,277

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً