الفريق الوطني!

منذ 2014-07-03

وقد تعمدتُ نقل هذا المقال عن هذا الرجل الرياضي، والذي لا يُتَّهم في اختصاصه وميوله الرياضية، ومن باب وشهد شاهد من أهلها ورغم أن حفيظ درَّاجي ينفعل شديد الانفعال ويتأثر بالغ التَّأثُّر، عندما يعلق، وخاصة على فريق بلاده الجزائري، ومع ذلك أنعم الله عليه بهذه الصحوة، والتي نرجو لها أمورًا؛ منها:

يقول المعلق الجزائري حفيظ درَّاجي في موقع الشروق الرياضي:
جعلنا من المنتخب "غولا" قد يأكل كل شيء، المتتبع لردود الفعل التي أعقبت تعثر المنتخب الجزائري أمام بلجيكا في خرجته الأولى في المونديال، والأرواح التي سقطت حزنا على الهزيمة، والنفوس التي بكت من شدة الحسرة وانهارت معنوياتها، وكل التحاليل والتعاليق الناقمة على الجزائر ومنتخبها وطاقمها ولاعبيها يدرك مدى خطورة تعاطي الكثير من الجزائريين مع لعبة كرة القدم ومنتخب بلادهم الذي تحول في ظرف وجيز إلى ظاهرة اجتماعية بالغة الخطورة تستوجب الوقوف عندها وإعادتها إلى حجمها الحقيقي ونطاقها الرياضي والترفيهي وإلا كانت العواقب وخيمة على أبنائنا ومجتمعنا..
عندما يموت المناصرون بسكتة قلبية من شدة الفرحة بالتأهل، أو الحزن بسبب إقصاء المنتخب، ويبكي الصغار والكبار بمجرد خسارة المنتخب أمام أحد أحسن المنتخبات في العالم، وقد تنهار المعنويات ويعم اليأس والحزنُ النفوسَ بسبب خروجنا من الدور الأول، أو قد يصل بهم الفرح بالفوز والتأهل الى الدور الثاني درجة جنون العظمة.. حينذاك يَفرضُ الموضوع نفسه ويصبح التعلُّق بالمنتخب مشكلة عويصة تستوقفنا كلنا لكي نعيد النظر في التعاطي مع نتائج المنتخب، ونبحث عن بدائل أخرى؛ فكرية وثقافية وحضارية نجتهد ونتألق فيها ونعبر من خلالها عن تعلقنا بوطننا..
إسبانيا بطلة العالم خرجت في الدور الأول وبنتائج هزيلة وغير متوقعه، وإنجلترا معقل كرة القدم مسها الإقصاء، وقبلهما غادرت الكاميرون واستراليا، دون نسيان خسارة البرتغال برباعية أمام ألمانيا، وقد تخرج من المنافسة مثلما ستخرج نصف المنتخبات المشاركة في المونديال بعد أسبوع من الآن، لكن رغم هذه الهزات الكروية التي زلزلت ثبات بعض المنتخبات لن تتوقف الأرض عن الدوران وستستمر الحياة بحلاوتها ومرها، لتبقى كرة القدم في مكانها الطبيعي مجرد لعبة نستمتع بها، وما تفرزه مبارياتها عوض إستغلالها للتغطية على إخفاقاتنا المتكررة في الكرة وفي مجالات أخرى أهم من جلد منفوخ وأهم من المنتخب، لكن الغريب أن لا أحد يتألم لغير الكرة أو يبكي دونها أو يموت بسببها!!
اليوم سنواجه كوريا الجنوبية في المباراة الثانية وقد نفوز أو نخسر، ولكن فوزنا لا يعني بأن المدرب كفء، ولا المنتخب قوي ومنظومتنا الرياضية سليمة، ولا يعني بأن الجزائر بلغت درجة عالية من الرقي والتقدم!! كما أن خسارتنا لا تعني بأن كل شيء رديء وسيء في المنتخب، وخسارة المنتخب أيضا لا تعني خسارة وإخفاق الجزائر كلها، لأن الاهتمام بالوطن كل لا يتجزأ، فأرواح أبنائنا ونفوسهم أغلى من أن تتألم وتتحسر بسبب خسارة في كأس العالم..
الحياة في الجزائر متوقفة هذا الأيام والكل يترقب التعثر أو التأهل ليبيع الوهم في حال النجاح أو لتسويق لليأس في حالة التعثر دون وعي بخطورة الإفراط في استغلال الكرة ونتائج المنتخب الذي جعلنا منه غولا قد يأتي على ما تبقَّى من أشياء جميلة في هذا الوطن تستحق أن نعتني بها ونستثمر فيها لبناء جيل يحب وطنه دائما وليس ظرفيا، وفي كل المجالات وليس في مباريات المنتخب فقط، وإذا لم يعد بمقدورنا أن نترك أثرًا جميلا في القلوب والنفوس فلا نتجنَّى على أنفسنا وعلى أبنائنا وقبل ذلك على وطننا بزرع الألم واليأس الذي من المؤكد أن يكون حصادهما فسادا بل دمارا.. انتهى كلامه.
-------------
قال أبو محمد بن عبد الله مُعلِّقًا: وقد تعمدتُ نقل هذا المقال عن هذا الرجل الرياضي، والذي لا يُتَّهم في اختصاصه وميوله الرياضية، ومن باب وشهد شاهد من أهلها ورغم أن حفيظ درَّاجي ينفعل شديد الانفعال ويتأثر بالغ التَّأثُّر، عندما يعلق، وخاصة على فريق بلاده الجزائري، ومع ذلك أنعم الله عليه بهذه الصحوة، والتي نرجو لها أمورًا؛ منها:

1- الديمومة: أن تدوم، فلا تكون وليدة ظرف أو تَضادٍّ، سرعان ما تزول بزوال عوارضها.

2- العمومية: أن تعم، فلا يكفي أن يفكر بهذا الشكل فئة قليلة، أو نخبة ضئيلة، وإنما هذا مجال تُدعى فيه الشعوب إلى كمال التوحيد الذي لا يبقي للتعلق بغير الله مغرز إبرة؛ فإن من التعلق ما يضاد كمال التوحيد، ومنه ما يضاد أصله، ومنه ما يضاد توحيد النبي-صلى الله عليه وسلم- بالاتباع، فالمرجو أن تعمَّ هذه الصحوةُ عموم الشعوب والجماهير؛ ليضعوا الكرة موضعها، وألا يعطوها فوق حجمها، بل وفوق محتواها وهو كما تعلمون: هواء!

والعمومية التي تتمتع بها هذه الظاهرة الآن هي أنها عامة في العالم، والعربي خاصة، فلكل قطر فريقه الوطني! فنرجو أن تعم الصحوة فيها كما عمَّت الغفلة، ويعم التصحيح كما عمَّ الغلط.

3- القَبول: أن تُقبَل ولا تحارب: لأن الرياضة أصبحت أفيون الشعوب، وخاصة كرة القدم، ورغم سفول نسبتها إلى أسفل شيء في الإنسان، أعني الأقدام، إلا أنه ولانقلاب الموازين؛ صارت الأرجل إلى الأعلى مقاما!! ورؤوس أهل العلم والفكر إلى الأسفل مقامًا!! وفرصة بعض الحكام أن يقذفوا بالشعوب في مستنقع الأفيون هذا، حتى يقضوا مآربهم مطمئنين، وفي غفلة أو سكرة من الشعوب.

بل صار اللاعبون الأحرار كالعبيد يباعون ويُشْتَرَون، وتشبيههم بالعبيد أن فوائد جهودهم لفرقهم ولدول تلك الفرق، حتى وإن أخذ اللاعب مقابل جهده!

فهاهنا دعوة لعودة الناس إلى الحرية بعد أن ولدتهم أمهاتهم أحرارً، كما قال عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟!

4- التطبيق الواقعي: أن يُعمل لها بجدية، فلا تموت فكرتها وتذهب أدراج الرياح أو تكون تصريحا في هواء الهوائيات، وإنما تتحول هذه الصحوة إلى برامج توعية وسلوكات اعتدال في هذه الرياضة، وخاصة أن أصل الرياضة شيء مباح.

5- كما نرجو لها أن تقف على حدود ومعالم الرياضة الناجحة والفاشلة أو الفاسدة، وحدود التناول من هذا الحشيش، إذا لم يكن من قبيل: ما أسكر كثيره فقليله حرام، كما في الحديث، لأن الرياضة مباحة الأصل، والقوة مطلوبة الأصل، لكن اكتنفها ما يفسدها.

6- الأسلمة: وأقصد بها أسلمتها بألا تخالف الإسلام لا في أصوله ولا في فروعه، بألا تكون مَعْقِدَ الولاء والبراء بين المسلمين، فكم من تَلاعُنٍ وتخاصُمٍ وفتنٍ تقوم بين المسلمين بسبب هذه "النَّفوخة"، لا أقول بين قطرين، بل بين المدينتين من القطر الواحد! أما بين الشعوب القُطْرية، فأقربها (ملحمة أو معركة) أم درمان في السودان بين مصر والجزائر، حيث أشعلها الساسة بين الأشقاء، وأعدوا لها العدة، وعَدُّوا لها عدًّا، وغذَّاتها الجماهير المُخدَّرة بهذا الأفيون!
أضف إلى ذلك ما يتبعها أو يصاحبها من مخالفات شرعية عديدة وشنيعة؛ من الكبائر والصغائر، ليس هذا مجال الحديث عنها.

وقد قلت لبعض المتحمسين والمُتعلِّقين، والذين يظنون أن الملتزمين والمشايخ ضد الرياضة، أو أنهم ليسوا وطنيين، فقلت لهم: لو لا ما في واقع هذه الرياضة من كثرة المفاسد، لقلنا نتمنى فوز بلجيكا على روسيا، لأن أصلهم أهل كتاب، وأصل الروس ملاحدة، على حد قوله تعالى:{غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم: 2- 5]، على أحد التفاسير للآية.
ولاحتسبنا في تفرُّجَنَا وتشجيعنا الأجر والثواب، ولكانت متابعتنا كملتزمين للرياضة وتشجيع من يستحق التشجيع أجرًا وعبادة، ولكان أفضل مما تفعلونه غفلة أو عصبية أو حمية أو جاهلية.. ولكن الواقع ليس كذلك، وفي ديننا نعتزل حتى الصلاة إذا اعترى أداءها محظور، كأن تجد أناسًا يصلون صلاة مفروضة في مقبرة أو حمَّام، أو في مسجد مبني على قبر؛ فنعتزل هذه الصلاة؛ وهي الصلاة، فما بالك بما دونها مما لا يقاس بها؟! فلو كانت رياضتكم صلاة فقد أحطْتُموها بما يمنعنَا من مشاركتكم فيها، ويدعونا لدعوتكم إلى تصحيح وضعيتكم ووضعيتها.
إننا لا نريد أن نعب من الأفيون حتى الثَّمالة... بل حتى الموت بالسكتة القلبية؛ لأجل  هواء في شباك!!!
فضلا عن أن نشجع فريق أصل بلده من المسلمين السُّنة؛ كالجزائر والبوسنة والهرسك....
ولو كان كذلك لقلنا المسلمين ضد الكفار، ولا نحب للكفار أن يفرحوا على حساب المسلمين حتى في نَفُّوخَةِ الهواء هذه..
يا جماعة الرياضة! لو أنَّ قِطًّا من قطط المسلمين-أكرم الله المسلمين-، اهترش مع قِطٍّ روسيٍّ أو ألماني أو بلجيكيٍّ على فأر، لتمنَّينا أن يفوز بهذا الفأر قطُّ المسلمين، ولو استطعنا تنفير صائدة الفأر هذا نحو قط المسلمين لفعلنا، ولو كان بالدعاء لدعونا.. هذا حتى تعلموا أن وطنية الإسلاميين وطلبة العلم والمشايخ والملتحين، وحتى المنتقبات والمتحجبات وساكنات البيوت، أكثر وطنية وحبًّا لأوطانهم ممن سواهم، ما لم تتعارض مع شريعة الله سبحانه! ولا يُشترط أن أتفرَّج لأكون رياضيا أو وطنيًّا، ولكن يكفيني سلامةُ متعتقدي، وصحةُ تفكيري، وصدقُ أمنيتي، واستقامةُ لساني، وحسنُ خلقي..
ولكننا ملء قلوبنا وأفواهنا نردد قول النبي-صلى الله عليه وسلم- :«ما أطيبكِ من بلدة وأَحَبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومَكِ أخرجوني منكِ ما سكنت غيرك»([1]) وفي رواية:«ولو لا أن قومك أخرجوني منك ما خرجْت»([2])، يقول هذا في أحب البقاع إلى الله، فما بالكم بما دونه؟!
وأكرر أن هذا الكلام مُوَجَّهُ لمن وقعوا في الدوَّامة، وذهبت عقولهم بهذا الأفيون، وإلا فإن الأمة في حال؛ كان ينبغي أن يُنسيها أنفسها من هول ما تعاني، فهي بين فكَّي الرَّحى، وفي قبضة الكمَّاشة، فأنَّى لها أن تفعل هذه، لو كانت الأمة هي الأمة، فهي في وضع كما قال الشافعي رحمه الله: وضمَّة القبر تُنسي ليلة العرس!
لقّد سُئِل الشيخ محمد قطب رحمه الله عن الغناء؛ أحلا أم حرام؟!
فقال: هَبْ أن الغناء حلال! فهل للأمة وقت تغني فيه! وهو جواب تربوي لا فقهي.
وعلى منواله نقول: هب أن هذه الرياضة بدوراتها حلال لا يخالطه محظور؛ فهل حال الأمة يسمح لها بهذ التي سمونها الأعراس الرياضية العالمية، وعلى الإسلام قد قامت الحرب العالمية، فالمسلمون بين أسير وكسير وفقير، وشهيد وشريد وطريد؟!
-------------
[1] أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي (-279هـ/892م) الجامع الكبير، تحقيق عبد القادر عرفان حسونة، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1416هـ/ 1996م، أبواب المناقب، باب في فضل مكة(142)، حديث (3926)، 6، 208.
[2]- المصدر نفسه، حديث (3925)، 6، 208.

 

أبو محمد بن عبد الله

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 1
  • 0
  • 1,650

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً