رمضان وتدبر القرآن

منذ 2014-07-03

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102]، وقال:  { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1]، وقال أيضًا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:71].

ثم أما بعد:

أيها الموحدون إنه قد أشرق علينا في هذا اليوم شهر من أعظم الشهور يمنا وبركة، وأعمها منفعة وفائدة، وأرفعها منزلة ومكانة، فهذا الشهر الذي أجله الله، وعظمه رسول الله، وقدسه المسلمون، إنه شهر رمضان، هذا الشهر الذي اختصه الله دون سائر الشهور، بخصال الخير والمعروف، فهو شهر التوبة والأوبة، وشهر التربية الروحية وتزكية النفس، شهر رمضان هو شهر التزود ليوم الميعاد. وكما هو معروف لدينا أنه في هذا الشهر الكريم الوعظ والإرشاد، وفيه يكثر التحدث عن فضل هذا الشهر وبركاته، وعن فضل صيامه وقيامه، وعن مضاعفة الأجور فيه للعاملين، ومن الأمور التي يكثر الحديث فيها والحث عليها هي تلاوة القرآن، ومدعمًا هذا بآيات الله وأحاديث رسول الله، ونقول من أقوال الصحابة والتابعين، وغيرهم من العلماء كثير، وكانت غفلة الناس هي الدافع الأساسي لهذا الحث، ويكرر كثيرًا ويعاد مزيدًا، ولا شك يا عباد الله ولا ريب، في فضل تلاوة القرآن وكثرة أجورها، فالقرآن بركة، كيف لا وهو الكتاب المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو تنزيل الله ومعجزته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.


وباختصار فإن كلام الله سبحانه وتعالى، لا يدانيه كلام وحديثه لا يشابهه حديث، قال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، وكما وضح لنا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أن قراءة القرآن، يطيب بها المخبر والمظهر، فيكون المؤمن القارئ للقرآن، طيب الباطن والظاهر، إن خبرت باطنه وجدته صافيًا نقيًا، وإن شاهدت سلوكه، وجدته حسنًا طيبًا.

وقد أخبر الرسول يا رحمكم الله بما أعده الله لقارئ القرآن، من أجر كبير وثواب عظيم، وذلك بما رواه عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرم، وميم حرف».

وهناك كثير من الأحاديث تدل على ذلك، وهناك أيضًا كثير من الآيات والأحاديث تبين أهمية تعلم القرآن وتعليمه، وأدب تلاوته واستماعه، وكيفية قراءته، إلا أن هناك يا عباد الله صنف من الناس وقعوا في إشكالية، جعلت الله سبحانه وتعالى، أن يعيب على هذا الصنف من الناس مع قراءتهم لكتابه، وما ذلك إلا لأنهم قرؤوا القرآن بدون تدبر، وهو موضوعنا لهذا اليوم، فحديثنا عن تدبر القرآن وخصوصًا في هذا الشهر، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] فعلى الرغم من أنهم يقرءون ويسمعون، إلا أن الله عاب عليهم بهذه القراءة، أتدرون لماذا؟ لأن الله أراد منهم أن يستشعروا هذه العظمة، وذلك الإجلال حين قراءته، لا حين التحدث عن فضائله.

وهذا لا يكون إلا بالتدبر، لهذا عاب عليهم وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، لم يكن التدبر في القديم درسًا يسمع، ولا كتابًا يقرأ، بقدر ما كان شعورًا ينبض في قلوبهم.

لهذا يا عباد الله فإن المتدبر للقرآن، في قلبه حاجة ماسة لغاية، لا يجدها إلا في القرآن، إن أهل القرآن هم الذين وجدوا في القرآن، شفاء قلوبهم، ودواء نفوسهم، ومنهل عقولهم، وهذا التدبر يا رحمكم الله، لا يكون إلا بمعرفة ألفاظه وما يراد بها، وتأمل ما تدل عليه آياته، وبهذا يعتبر العقل بحججه، ويتحرك القلب ببشائرة، ويخاف العبد من زواجره، والتدبر لا يكون إلا بالخضوع لأوامره، واليقين بأخباره، وبمعرفة معاني الكلام ومرادها.

ولهذا لا بد أن يكون هذا القرآن، باللسان ذكرًا، وبالقلب تدبرًا، وبالعقل تفكرًا، وبالجوارح عملًا، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] إن الأمة بحاجة ماسة لفهم القرآن، لصلاح قلوب أفرادها، وبالقرآن على الحق والدين يكون ثباتها.

أيها الأخوة الكرام، إن الله سبحانه عندما عاب على ذلك الصنف، وعاتبهم في عدم خشوع قلوبهم بالتأثر بكلامه، حذرهم من التمادي في هجر تدبر القرآن، لأن هذا التمادي يؤدي إلى قسوة القلوب، قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16].

عباد الله قد أخبر ابن مسعود رضي الله عنه، كما ورد في صحيح مسلم عن الحالة التي ينتفع فيها القلب بالقرآن فيقول: "إن أقوامًا يقرؤون القرآن، لا يتجاوز حناجرهم، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع" ومصداق ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124-125].

فالتدبر حال سماع القرآن وتلاوته، يزيد القلب نورًا وإيمانًا، قال جندب بن عبد الله رضي الله عنه: "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن قتيان فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانًا".

فمن قرأ بخشوع وخضوع، فبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب، قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:23]، تلين أي ترق قلوبهم وتسكن، فالقرآن ربيع القلوب، كما أن الغيث ربيع الأرض.

ولقد أثنى الله في كتابه على من تدبر القرآن، وهذه الآيات نفسها تحمل في طياتها صورًا وأحوالًا، لتدبر القرآن والتأثر به، ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2]، قال القرطبي رحمه الله: "فكانت حالهم -يعني رسول الله وأصحابه- عند المواعظ: الفهم عن الله، والبكاء من الله، ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة، عند سماع ذكر الله، وتلاوة كتابه، فقال: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:83]، فهذا هو وصف حالهم، وحكاية مقالهم، وقال القرطبي في قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]" حث على تأمل مواعظ القرآن، وتبين أنه لا عذر في ترك تدبر القرآن، فإنه لو خوطب بهذا القرآن، الجبال مع تركيب العقل فيها، لانقادت لمواعظه، ولرأيتها على صلابتها ورزانتها، خاشعة متصدعة متشققة من خشية الله.

وأنتم أيها المقهورون بإعجازه، لا ترغبون في وعده ولا ترهبون من وعيده لقد ذم الله سبحانه وتعالى من هجر تدبر القرآن، ولم يتفقه الآيات، ولم يتدبر القول في صيغ مختلفة، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]. قال ابن كثير رحمه الله: "وترك تدبره من هجرانه"، لقد مثل الله حال اليهود مع التوراة أقبح تمثيا فقال: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5]. وقال الطرطوشي رحمه الله: "فدخل في عموم هذا من يحفظ القرآن من أهل ملتنا ولا يفهمه ولا يعمل به".


عباد الله، إن الله أراد لهذه الأمة، أن تقرأ وتعمل، بل تكفل لمن قرأ وعمل بما قرأ، أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ودليل ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123-126].

إن هناك كثير من الأمور تترتب على تدبر القرآن، فإذا وجدت فقد تم حصولها، وإذا فقدت امتنع حصولها أو قل وجودها، ومن هذه الأمور:

1- عظم أجر التلاوة: قال ابن الجوزي رحمه الله: "والصحيح بل الصواب ما عليه معظم السلف، وهو الترتيل والتدبر مع قلة القراءة، أفضل من السرعة مع كثرتها".

2- حصول بركة القرآن وانتفاع القلب به، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن أصغى إلى كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعقله، وتدبر بقلبه، وجد فيه الفهم والحلاوة والهدى، وشفاء القلوب، والبركة والمنفعة، ما لا يجده في شيء من الكلام لا منظومة ولا منثورة".

لهذا أيها الأخوة من هجر التدبر فقد حرم نفسه خيرات كثيرة. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...


الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على الدرب المستقيم من بعدهم إلى يوم الدين.

أما بعد:

إن أمر التدبر ليس صعبًا، ولكن هناك أمور تحول بين المرء وتدبر القرآن، بل تمنعه من تدبر القرآن، وتحرمه من كثير الخير، ومنها أمراض القلوب والإصرار على الذنوب.

فهذا يا عباد الله من أعظم ما يصد عن اتعاظ القلب وانشراح الصدر لمواعظ القرآن وحكمه وأحكامه، وفي هذا يقول تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146].

وإن من أعظم المعاصي التي تصد القلب عن التدبر، تعلقه بشهوات الدنيا، ومن صور ذلك، النظر إلى الحرام، وسماع الحرام، كالأغاني والتلذذ بكلماتها، ويقول لنا ابن القيم في نونيته عن أثر سماع الأغاني على القلب والإيمان: والله إن سماعهم في القلب والإيمان مثل السم في الأبدان فالقلب بيت الرب جل جلاله حبًا وإخلاصًا مع الإحسان فإذا تعلق بالسماع أماله عبدًا لكل فلانة وفلان حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان كما أن هناك أنواع لهجران القرآن، أعظمها هجران العمل بالقرآن، ومنها هجران تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه.

قال الحسن البصري رحمه الله: نزل القرآن ليتدبر ويعمل به، فاتخذوا تلاه عملًا، وتدبر آياته: اتباعه والعمل بعلمه، أما والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، حتى أن أحدهم ليقول: لقد قرأت القرآن كله، فما أسقط منه حرفا، وقد والله أسقطه كله، ما يرى له القرآن في خلق ولا عمل، ومن أحب أن يعلم ما هو فليعرض نفسه على القرآن، وأن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار. فيا أبناء الإسلام عليكم بالقرآن، باللسان ذكرًا، وبالقلب تدبرًا، وبالعقل تفكرًا، وبالجوارح عملًا.

وتل بفهم كتاب الله فيه أتت كل العلوم تدبر تر العجبا أكرر.


وأختم بقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ‌ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، صدق الله العظيم، وبلغ رسوله الكريم، ونحن على ذلك من الشاهدين.

اللهم اجعلنا من القائمين بالقسط، واسلكنا في حزبك المعلمين، ومن جندك القائلين، فإياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اجعلنا من الذين يحفظون حروفه ويقيمون حدوده، أسأل الله القدير أن ينفعنا بالقرآن، وأن يجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا، إنه هو السميع مجيب الدعوات.

اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا، اللهم علمنا من القرآن ما يرفع به جهلنا، اللهم اجعلنا ممن يسمعون فيعملون، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

محمد فقهاء

  • 8
  • 0
  • 23,071

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً