تدبر - [173] سورة الإسراء (8)

منذ 2014-07-14

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.. قاعدة أخرى في سورة الإسراء تضيء بالعدل وتسمو بالإنصاف وتتألق بالحكمة المفتقدة بين كثير من الناس مع بعضهم البعض..

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}..

قاعدة أخرى في سورة الإسراء تضيء بالعدل وتسمو بالإنصاف وتتألق بالحكمة المفتقدة بين كثير من الناس مع بعضهم البعض..

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}..

ذلكم المبدأ المنطقي البسيط الذي هو على الرغم من بساطته ووضوحه وبدهيته صار يغيب عن أذهان كثير من الناس اليوم فيعتمدون خطاب الجمع والتعميم ويختارون ثقافة السلة الواحدة..

وهي ثقافة مريحة بلا شك لكنها راحة الاستسهال واطمئنان التنطع والكسل..

فلماذا ينفق الظالم شيئًا من وقته وفكره في التفصيل والإنصاف بينما هو يستطيع أن يلقي الجميع في سلة واحدة و(يخلص)؟!

ذكرته بأنه: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام من الآية:164]، وأن {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر من الآية:32]، وأن {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة من الآية:286]، و«إن أعظمَ الناسِ فريةً الشاعرُ يَهجو القبيلةَ بأسرِها» (صحيح الجامع: [1066])، وسائر تلك الأدلة القرآنية والنبوية الناصعة التي تبرق بنور الإنصاف والعدل، فإن تذكيرك هذا سيصطدم بحواجز مصمتة وضعها على عينيه مروجو تلك الثقافة..

ثقافة السلة الواحدة والتعميم المقيت ومبدأ السيئة تعم والعقوبة على المشاع..

ولو أتعب أولئك المستسهلون ذلك العضو الذي وُضع في جماجمهم وأمروه بالتفكير هنيهة في مآل تلك الطريقة لحقروا أنفسهم ولربما لم يتمالكوا أنفسهم من الضحك على سطحية رؤيتهم وسماجة مبدأهم ثم لا يلبث ضحكهم إلا وينقلب إلى بكاء حين يكتشفون مدى الظلم والغبن الذي دفعهم إليه شنئان قوم..

حين يتفكرون للحظات كيف يحاسب كل أسمر على خطيئة من يشاركه لونه وكيف يعاقب كل أشقر على جريمة ارتكبها شبيهه ولماذا يُلام سمين على كل ذنب اقترفه سمين مثله لمجرد أنه يشبهه..

مشهد هزلي هو لكنه للأسف يحدث يوميًا..!

مجرد أن تسمع أو تقرأ لإنسان يتكلم مهاجمًا مخالفه بصيغة الجمع قائلًا: "أنتم فعلتم وسويتم"! تعلم حينئذ أنك بصدد أحد أبناء تلك الثقافة..

ثقافة التعميم المريح ومبدأ امتداد العقوبة..

ذلك المبدأ الذي حذَّر منه يوسف عليه السلام بكل وضوح حين عرض عليه إخوته أن يأخذ أحدهم بدلًا من أخيهم بنيامين فقال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ} [يوسف:79]..

وأيضًا قالها ذو القرنين حين استنجد به أقوام ليعاقب ظالميهم فقال: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} [الكهف:87]، فقط من ظلم..

هذا هو الأصل والقاعدة الشرعية الواضحة التي عاتب الله لأجلها نبيا من أنبيائه آوى إلى ظل شجرةٍ، فلدَغَتْه نملةٌ، فأمَر بجهازِه فأُخرِج من تحتِها، ثم أمَر بقرية النمل فأُحرِقت بالنارِ..

هنا صدرت المعاتبة الربانية ونزل الوحي الإلهي يلوم ذلك النبي على تلك العقوبة الشاملة قائلًا: «أحرقت أمة من الأمم تسبح الله» ثم ختمت المعاتبة بتلك الجملة الملخصة لتلك القاعدة: «فهلَّا نملة واحدة»..!

أما كان يكفيك أن تعاقب تلك النملة التي آذتك بدلًا من أن تُعمم عقوبتك على سائر جنسها وتزر الوازرة وزر الأخرى؟!

حتى على مستوى النمل!

وفي كل الأعراف البشرية السوية والطبيعية -باستثناء الحقب الفاشية والأمم القائمة على التطهير العرقي والإبادة الطائفية- فإن رفض ذلك المبدأ هو الأصل..

المنصفون في كل زمان ومكان لا يجرمنهم شنئان ولا يستخفنهم بهتان ولا يُعمِّمون طغيان؛ بل يفصلون ويُميِّزون ويفرقون بل الصالح والطالح والمحسن والمسيئ ويرفعون دومًا ذلك الشعار القرآني الجليل: {لَيْسُوا سَوَاءً}..

ولو افترضنا جدلًا وقوع الخطأ من أي مخلوق غير معصوم فلتكن المحاسبة من نصيب مقترفه ولتكن العقوبة للنملة الشاردة لا لقريتها..

{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 7,906
المقال السابق
[172] سورة الإسراء (7)
المقال التالي
[174] سورة الإسراء (9)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً