تفسير سورة القيامة (2)
لأن هذه السورة من مقاصدها الحديث عن ما يكون من الإنسان يوم القيامة من الفرار ومن إلقاء المعاذير؛ {يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلَّا لَا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ . يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ . بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:10-15]، هنا الذي يكون عنده لَوْم معاذير وصاحب النفس اللوامة، وما من أحد إلا ويلوم نفسه إلا المتمحض للشر، فلهذا أقسم جل وعلا هنا بالنفس اللوامة تعليمًا لشأن هذه النفس التي تلوم صاحبها.
{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1-2]، القسم بيوم القيامة لأن الله جل وعلا له أن يقسم بما شاء من خلقه؛ يقسم بالشمس بالقمر بالضحى، ويقسم بما شاء من الأشياء، وأما الخلق لا يجوز لهم أن يقسموا إلا بالله جل وعلا وبصفاته وأسمائه سبحانه وتعالى. {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} يعني وأقسم بالنفس اللوامة.
لم هنا صدر هذه السورة بالقسم بيوم القيامة وبعده بالقسم بالنفس اللوامة؟
لأن هذه السورة من مقاصدها الحديث عن ما يكون من الإنسان يوم القيامة من الفرار ومن إلقاء المعاذير؛ {يَقُولُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ . كَلَّا لَا وَزَرَ . إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ . يُنَبَّأُ الْإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ . بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ . وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:10-15]، هنا الذي يكون عنده لَوْم معاذير وصاحب النفس اللوامة، وما من أحد إلا ويلوم نفسه إلا المتمحض للشر، فلهذا أقسم جل وعلا هنا بالنفس اللوامة تعليمًا لشأن هذه النفس التي تلوم صاحبها.
لكن هذا اللوم إذا كان في الدنيا فالشأن وإذا كان في الآخرة فشأن آخر؛ إذا كان في الدنيا، فإنه إذا لام نفسه فإنه سيصحح سيبادر بالتوبة فيبادر بالإنابة. وأما إذا كان اللوم يوم القيامة يلوم نفسه، فحينئذ لا ينفع اللوم، وكما قال سبحانه {وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص من الآية:3]، ما فيه؛ يعني ذاك اليوم تلوم نفسك أولا تلوم، لا ينفع نفس إذ ذاك لومها، ولا ينفع نفس إذ ذاك معذرتها، إلا من أتى الله جل وعلا بقلب سليم.
السورة اشتملت على أشياء كثيرة، وربما يضيق المقام عن ذكر تفسيرها بكاملها؛ لكن يوم القيامة -اليوم الآخر- الإيمان به من أركان الإيمان، واليوم الآخر أقام الله جل وعلا البرهان عليه في الكتاب في مواضع كثيرة، وهو لاشك سائر وكائن لا محالة، والبرهان عليه كثير في القرآن:
- برهان عقلي.
- وبرهان نقلي يعني بالنص.
- وأيضًا هناك برهان اضطراري فإنه لابد منه.
كما قال جل وعلا في هذا البرهان الأخير {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، فوجود الفئات المختلفة المطيع والعاصي، وجود الكافر والمؤمن، يتحكم معه عند ذي العقل إذا آمن بربوبية الله جل وعلا أن الرب لن يساوي بين هؤلاء؛ بل لابد أن يجعل هذا على حال وذاك على حال، ومن المنظور في الدنيا أن الدنيا أعدت للكافر، وأما المؤمن ربما لم يأخذ حقه ونصيبه من النعيم في هذه الدنيا، فتقرر بأنه لابد وأن يكون المطيع للرب الذي خلق هذا الملكوت أنه سيحظى في نعيم الله جل وعلا، وهذا النعيم لابد أن يكون له معاد.
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وحاصل على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض
- التصنيف:
- المصدر: