عِصابةُ غزة

منذ 2014-08-14

إنه لمن حق غزة أن نردد فيها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزة بدر «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»(مسلم). وإننا نقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الجهاد في غزة فلا تُعبد في الأرض على دروب العزة والإباء. فقد تقام الصلوات، وقد يُحجُّ بيت الله، وقد يصام رمضان... لكنه أنَّى للمسلمين أن يعيشوا في عزة الإيمان، وفي حرية وإباء، كيف يعيشون خارج الحصار، كما يعيش الخانعون وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا... اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل المقاومة في غزة، فيبقى أهل الفساد من أهل المفاوضات العبثية، الذي يشترون بالقضية المقدَّسة كرسيَّا بلا حكم، ودولة بلا أرض، ورئاسةً بلا شعب!

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
من لي بعصابة غزة؛ دارًا تعلمنا العزة!
يا لها من عصابة لو كان لها أمثال في بقاع الأرض! حيث حلَّ مستدمر في شبر من أراضي المسلمين، بل فوق أرض رب العالمين..

إنه لمن حق غزة أن نردد فيها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزة بدر «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض، فما زال يهتف بربه، مادًّا يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك»(مسلم؛ صحيح مسلم، برقم:[1763]).
لو أن غير رسول الله صلى الله عليه وسلم قالها؛ لقيل كيف يقال هذا؟!
كيف يُعلَّق دينَ الله عز وجل للعالمين بفئة قليلة من البشر، ضعيفة مستضعفة؟!

كيف يقطع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بانقطاع عبادة الله تعالى بهلاك هذه العصابة المقاتلة على دينه يوم بدر الفرقان؟ وهو الذي أنزل عليه من ربه سبحانه:{وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:38]، وأيضًا: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ}[الأانعام:89].
لكنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}[النجم:3].

«إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض»: لقد جاء في توجيه هذه الفقرة عبارات عديدة، بعضها أبعد النجعة حتى اعتبرها زلة عالم، وأَقْبِحْ به مِن توجيه في حقِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إنه صلى الله عليه وسلم بما علَّمه ربُّه يَجري على السنن لا الخوارق، لأنه يريد أن يُورِّثنا عِلم المناهج، كما يُورِّثنا علم المناسك..

إنه يعلمنا أن نصرة هذا الدين تتم بالأسباب لا بالخوارق والمعجزات، لأنه دين باق إلى قيام الساعة، وأن معركته مع الباطل طويلة ومحتدمة، ومتنوعة الوسائل والأسلحة.

وأن الأسباب ركن في الدعوة والجهاد، وأنها لا تنافي التوكل، ولذلك قالها النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد وألحَّ على ربه في الدعاء، حتى أخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول له: "كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك".

ويُعلّمنا أنه لا بد من بشر يحملون هذا الدين ويقاتلون عليه، ويكونون ستارا لقدر الله تعالى في العالمين، يستعملهم في طاعته، ويحقق بهم سنة الدافع بين المختصمين..

إنه يعلمنا أن عصابة المؤمنين ضرورية لنصرة هذا الدين، ومن ثمَّ يُعلي شأنها وينوِّه بفضلها، ويُجزل لها العطاء الحسن في الآخرة.. إنهم عصابة المجاهدين والشهداء..

ويُعلّمنا أن من أقوى الأسباب وجود فئة صالحة وعصابة مؤمنة تتخذ من هذا الدين منهاج حياة، ومن الجهاد سبيلًا، ومن نصرته عبادة تتقرب إليه بها كما تتقرب إليه بالصلاة والصيام، بل أكثر؛ حتى قال الله تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[التوبة:19-20].

لقد سمى الله تعالى يوم بدر بيوم الفرقان، وهذا الفرقان سطَّرته العصابة المؤمنة التي يكون يدعو ببقائها ويستعيذ من هلاكها، سطرته هذه العصابة بسيوفها، ووقعته بدمائها، فصار فرقانًا بين الحق والباطل إلى قيام الساعة..

وفرقانًا بين موازين القِوى، وأن الناصر الله سبحانه، والغَلَبة للفئة المؤمنة حين تبذل ما في وسعها من الأسباب وتعد ما استطاعت من قوة، ثم تلقي بقلوبها عند ربها الناصر المعين، وتفوض إليه أمرها، وتنقطع إليه وحده في رجاء النصر واستمداد العون...

وكانت فرقانًا بين عهدين في تاريخ الحركة الإسلامية: عهد الصبر والمصابرة والتجمع والانتظار. وعهد القوة والحركة والمبادأة والمبادرة والاندفاع والهجوم...

بين الحق الذي يؤيده الله وينصره على قلة في العَدَدِ والعُدَد، وبين الباطل الذي يخذله الله ويدحره ويُرغم أنوف أهله وأشياعه وأعوانه ومتآمريه في الوحل، رغم أنه المدجج بالسلاح، وكثير العَدد ومتنوع العُدد!

كل هذا الفرقان أجراه الله تعالى على أيدي فئة قليلة مؤمنة، كان العَالم- كما هو اليوم- بين متربصٍ ينتظر سقوط الجَمل لِيَكثًر جزَّاروه، وبين متربص ينظر الواقف من الخصمين ليكون معه!

وإننا نقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الجهاد في غزة فلا تُعبد في الأرض على دروب العزة والإباء. فقد تقام الصلوات، وقد يُحجُّ بيت الله، وقد يصام رمضان... لكنه أنَّى للمسلمين أن يعيشوا في عزة الإيمان، وفي حرية وإباء، كيف يعيشون خارج الحصار، لا كما يعيش الخانعون وهم يحسبون أنهم يحسنون صُنعًا...

اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل غزة المجاهدة، فإن بني صهيون سيواصلون زحفهم، وسيلتهمون مزيدًا من أراضي المسلمين، وسيغتصبون مزيدًا من أرض وعِرض المسلمين!

اللهم إن أهل غزة سدٌّ بإذنك منيع، يقطع الطريق على بني صهيون أن يحققوا بغيتهم التي رسموها على خرائطهم...

و "إن اختيار الله للعصبة المؤمنة، لتكون أداة القدر الإلهي في إقرار دين الله في الأرض، وتمكين سلطانه في حياة البشر، وتحكيم منهجه في أوضاعهم وأنظمتهم، وتنفيذ شريعته في أقضيتهم وأحوالهم، وتحقيق الصلاح والخير والطهارة والنماء في الأرض بذلك المنهج وبهذه الشريعة.. إن هذا الاختيار للنهوض بهذا الأمر هو مجرد فضل الله ومنته. فمن شاء أن يرفض هذا الفضل وأن يحرم نفسه هذه المنة.. فهو وذاك. والله غنى عنه- وعن العالمين. والله يختار من عباده من يعلم أنه أهل لذلك الفضل العظيم."[سيد قطب: الظلال:2/ 917].

اللهم إننا نعتقد جازمين أنّ لك ملك السماوات والأرض، وان لك جنودًا لا تُحصى عدًّا، وأن لك من العباد غيرنا وغير أهل غزة... ولكننا ياربنا نعمل بما أمرتنا به من ظاهر الأسباب لا بمغيَّبات المعجزات...

اللهم ما يزالون يطمعون في أوكار خيبر وبني قينقاع.. اللهم إن تهلك عصابة غزة فإن بني عربان باعوا القضية بأبخس الأثمان كما فعلوا في سيناء والجولان...

اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل المقاومة في غزة، فيبقى أهل الفساد من أهل المفاوضات العبثية، الذي يشترون بالقضية المقدَّسة كرسيَّا بلا حكم، ودولة بلا أرض، ورئاسةً بلا شعب!

اللهم إنك فعَّال لما تريد، وإن من إرادتك أن تدفع الناس بالناس، كما قلت وصدقتَ مِن قائلٍ: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}[الحج:40].

اللهم إنك تسمع وترى خذلان بني عربان لأهلهم ولأوطانهم، بل ولدينهم، اللهم إنك تسمع وترى ألا أحد يقف في وجه بني صهيون إلا أهل غزة، ومَن لا حول لهم ولا طول خارجها، اللهم فإن تهلك هذه العصابة الغزِّيَّة فلا تُعبد بسنة الدفع هذه؛ فيما نرى، والغيب لا يعلمه إلا أنت سبحانك.

اللهم إنهم بمقلاع الطفل داود، وأحجاره الصغيرة، قَتَل داوودُ جالوتَ من جنود النَّتِن ياهو، اللهم ما صواريخ القسَّام إلا أحجارًا في مقلاع طفلٍ بالنسبة لمزمجرات وطائرات أحدث سلاح على وجه الأرض، اللهم فببركتك التي أنزلت عليها، هزمتهم بإذن الله، فلك الحمد والمنة: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:251].

اللهم احفظ هذه العصابة الخيِّرة، التي نحسبها كما زعمنا من أنها إن تهلك، فلا نرى في الأفق الآن من يقوم مقامها، ولا من يقاوم مقاومتها لعصبه بني صهيون، ومن تعصَّب معهم من بني جلدتنا ولساننا!

ومن عجيب الأمر أن (عصابة) ذُكرت في الحدث بالمدح والثناء: اللهم إن تهلك هذه العصابة... أما (عُصبة) فما ذُكِرت في القرآن إلا بالذم أو مع جماعة تفعل الشر:

عُصبة المنافقين وضعاف الإيمان: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:11]، وكفى به شرًّا ما جاءوا به من الإفك الطاعن في شرف أشرف بيت على وجه الأرض وفي تاريخها.

وفي قصة إخوة يوسف عليه الصلاة والسلام حين تآمروا على أخيهم: {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}[يوسف:8]. وقالوا:{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ}[يوسف:14]، وما كان من عصبتهم إلا أن ألقوا بأخيهم في الجب، لولا أنَ الله سلَّم لكانوا قد قتلوا نبيًّا بن نبي بن نبي عليهم جميعا الصلاة والسلام، ووصفوا أباهم بأنه في الضلال المبين!

ومن مصادفات الأمور أن أكذوبة الأمم المتحدة التي هي أصلا وريثة ما يُسمى "عصبة الأمم" والتي ظاهرها أنها أُنشئت لتحقيق السلام العالمي، لكن على أركان الكفر وأنقاض الإسلام، وهدم ولائه وبرائه، وعلى بيع قضية فلسطين والاستسلام لها، فهي عصبة شر لا عصابة خير، وقد قيل: العصابة ما اجتمعوا على الخير، والعُصبة ما اجتمعوا على الشر! وهي التي أسكنت بني صهيون فلسطين. فاللهم انصرنا عصابتنا على عصبتهم.

وأعرف أن بعضًا من المسلمين يقول: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لأنه لم يكن عصابة غيرها على وجه الأرض، ومع النبي صلى الله عليه وسلم، فلوا هلكوا هلك حَمَلَةُ الدعوة وحُماة الدين جميعًا دفعة واحدة، فلم يبق من يقوم مقامهم، ومن يعبده الله بدلهم!!

وهذا المعنى غير صحيح، فإن بالمدينة أقوامًا لم يشهدوا بدرًا، وإن في مكة من يكتم إيمانه لم يشهد بدرًا، وإن في الحبشة صحابة أخيار، ومع كلِّ هؤلاء يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض».

فإن هلك المجاهدون فهل سينتصر القاعدون؟!

إذا هلكت عصابة المجاهدين المقاومين فهل ستغني عنا عصابة المفاوضين؟!
إذا هلك من امتشق سلاحه ووضع روحه على راحته وألقى بها في مهاوي الرَّدى... فهل يقيم الدينَ بعدهم من ترك جهاد يهود، ورضي بالزرع والتجارة، واتَّبع أذناب البقر ورعاة البقر من أمريكا ونحوها؟!
إذا هلك المقاومون فهل يقيم الدين المستسلمون المنبطحون؟!

على هذا النحو نفهم الحديث، وعلى هذا المحمل نحمله، وعلى مثل هذه العصابة ننزله، وإن كان مثلها في سوريّا عصابة إن تهلك جاس في الديار مجوس الفرس وحزب اللات، ولكننا اليوم في غزة.

فاللهم احفظ عصائب الحق فوق كل أرض وتحت كل سماء، اللهم انصرهم وانصر بهم دينك.

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 2
  • 0
  • 3,406

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً