المسلم في بلاد الغربة - (5) الفرق بين الكفر والإسلام

منذ 2014-08-16

كنت قد تكلمت في الحلقة السابقة عن بعض الأحكام التي تتعلق بالهجرة، من حيث الأمن والأمان وتفصيل ذلك، صُدمت وتفاجئت بتعليق من أحد الأخوة، التبس عليه الحق بالباطل في أمور هي معلومة من الدين بالضرورة، وقد وردت بصريح القرآن، فقلت في نفسي لعل هذه من آثار التواجد في بلاد الغربة والتأثر بهم، وهذا يدل على خطورة الأمر إلا من عصمه الله تعالى بالحصانة الإيمانية، من التقوى والعلم النافع والعقيدة السليمة والمنهج السديد.

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، والصلاة والسلام على من لا نبي من بعده، وعلى آله وصحبه وجنده، وبعد:

كنت قد تكلمت في الحلقة السابقة عن بعض الأحكام التي تتعلق بالهجرة، من حيث الأمن والأمان وتفصيل ذلك، صُدمت وتفاجئت بتعليق من أحد الأخوة، التبس عليه الحق بالباطل في أمور هي معلومة من الدين بالضرورة، وقد وردت بصريح القرآن، فقلت في نفسي لعل هذه من آثار التواجد في بلاد الغربة والتأثر بهم، وهذا يدل على خطورة الأمر إلا من عصمه الله تعالى بالحصانة الإيمانية، من التقوى والعلم النافع والعقيدة السليمة والمنهج السديد.

ما جاء في التعليق عبارة عن خلط كبير وتلبيس واضح، بما يخص مصطلح الكافر والمسلم، وما يندرج تحت اصطلاح الكافر من تسميات وأقسام، والتي منها الملحد والمشرك الوثني والمجوسي واليهودي والنصراني اللذين هم أهل الكتاب، وغيرهم من الأديان والملل الكافرة، فلابد من الوقوف مع هذه الحقائق، وإزالة اللبس بعلم ودليل وبرهان، بعيدًا عن أي تأثر أو تعاطف أو ميل، إما بسبب الجهل أو الهوى أو الشبهة والشهوة.

أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء والمرسلين إلى أقوامهم خاصة، قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، وأرسل نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إلى الناس كافة، ليخرجهم من الظلمات إلى النور، ويهديهم إلى صراط مستقيم، قال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [سبأ:28]، أي: إلا إلى جميع الخلق من المكلفين (تفسير ابن كثير)، أي: جميعاً، إنسهم وجِنّهم، عَربيهم وعجميهم، أحمرهم وأسودهم (تفسير ابن عجيبة).

والإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من الأمم السابقة واللاحقة، قال شيخ الإسلام: "وَكَانَ دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ: الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا غَيْرَهُ لَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَلَا مِنَ الْآخِرِينَ،وَهُوَ دِينُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَتْبَاعِهِمْ" (الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح [1/13]).

ومن معاني الإسلام في اللغة: الإذعان والانقياد، والدخول في السلم، أو في دين الإسلام. وفي الشرع فمعناه منفردًا: الدخول في دين الإسلام أو دين الإسلام نفسه. والدخول في دين الإسلام هو استسلام العبد لله عز وجل باتباع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشهادة باللسان، وتصديق بالقلب، والعمل بالجوارح. ومعناه إذا ورد مقترناً بالإيمان هو: أعمال الجوارح الظاهرة، من القول والعمل كالشهادتين والصلاة وسائر أركان الإسلام (الموسوعة الفقهية [4/259]).

الإيمان برسل الله جميعًا، دون تفريق، هو شرط الإيمان، وعدم الإيمان بواحد منهم هو كفر بهم جميعًا، إذ الإيمان لا يتجزأ، فعندما يكفر بواحد من رسل الله يكون قد كذب الله الذي أرسله ولأن جميع الرسل عليهم السلام جاؤوا بكلمة التوحيد، فإن الله سبحانه يقول عمن يكذب بواحد منهم إنهم يكذبون الرسل -مع أنهم لم يرسل إليهم إلا رسولًا واحدًا، ليوحي التعبير بأن تكذيب الرسول الواحد هو بمثابة تكذيب الرسل كلهم، لأنهم كلهم يقولون ذات الشيء بلا تغيير- فمن كذب واحدا منهم فقد كذبهم جميعاً (الإسلام وعلاقته بالشرائع الأخرى ص22).

وذلك هو شأن اليهود والنصارى، الذين كذبوا رسل الله إلى خلقه بوحيه، حيث فرقوا بين الله ورسله في الإيمان، فآمنوا ببعض الأنبياء وكفروا ببعض، بمجرد التشهي والعادة وما ألفوا عليه أباءهم، لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل إلى ذلك الدليل. بل بمجرد الهوى والعصبية، فاليهود -عليهم لعائن الله-: آمنوا بالأنبياء إلا عيسى ومحمدًا، عليهما الصلاة والسلام، والسامرة منهم: لا يؤمنون بنبي بعد يوشع خليفة موسى بن عمران. والنصارى الضالون: آمنوا بعيسى وبالأنبياء من قبله، وكفروا بخاتمهم وأشرفهم محمد عليه الصلاة والسلام ومن كلا الفريقين أو الطائفتين من آمن بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام ولكن على أنه نبي للعرب خاصة، وليست رسالة عامة للبشر كافة، ولا لبني إسرائيل -بزعمهم- ونحو هذا من تفرقاتهم التي كانت تعنتًا وزورًا وضلالة، واتخذوا بين أضعاف ذلك طريقًا إلى الضلالة التي أحدثوها، والبدعة التي ابتدعوها، يدعون الناس إليه، فكفروا عندئذ بالله ورسله على ما يؤدي إليه مذهبهم وتقتضيه آراؤهم وتحكماتهم وإن لم يصرحوا بأنهم يؤمنون بالله ويكفرون برسله، بل حصل كفرهم بطريق الالتزام ( الإسلام وعلاقته بالشرائع الأخرى ص23-24).

والكفر شرعًا: هو إنكار ما علم ضرورة أنه من دين محمد صلى الله عليه وسلم، كإنكار وجود الصانع، ونبوته عليه الصلاة والسلام، وحرمة الزنى ونحوه (المنصور في القواعد للزركشي [3/84]).

والكافر هو المقابل للمسلم، والكفار ثلاثة أقسام: قسم أهل كتاب، وهم اليهود والنصارى بفرقهم المختلفة، وقسم لهم شبهة كتاب وهم المجوس، وقسم لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب وهم من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان (ينظر الموسوعة الفقهية [7/140]).

فالله سبحانه وتعالى خلق الخلق وجعل منهم الكافر والمؤمن، فمن آمن ففي الجنة خالدًا فيها، ومن كفر ففي النار خالدا فيها، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن:2]، أي فبعضكم كافر به تعالى وبعضكم مؤمن به عز وجل (تفسير الآلوسي).

يقول عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده؛ لا يسمع بي رجل من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، ثم لم يؤمن بي؛ إلا كان من أهل النار» (السلسلة الصحيحة حديث رقم 157)، قال الشيخ الألباني تعليقًا على هذا الحديث: "والحديث صريح في أن من سمع بالنبي عليه الصلاة والسلام وما أرسل به، بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه، ثم لم يؤمن به عليه الصلاة والسلام، أن مصيره إلى النار، لا فرق في ذلك بين يهودي أو نصراني أو مجوسي أو لا ديني.
فكل من بلغته الدعوة (صاحب كتاب) يجب عليه الإيمان به، ويحرم عليه البقاء على ما هو عليه، سواء كان على ملة بدلت، أو على ملة لم تبدل، ومن سمع برسالة محمد عليه الصلاة والسلام وبمعجزاته ثم أصر على كفره، ومات على ذلك فهو من الكافرين المخلدين في النار" (فتح المنعم شرح صحيح مسلم [1/489]).

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ» أَيْ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي زَمَنِي وَبَعْدِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَكُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِي طَاعَتِهِ. وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيَّ تَنْبِيهًا عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَهُمْ كِتَابٌ فَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَهُمْ مَعَ أَنَّ لَهُمْ كِتَابًا فَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَوْلَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ (شرح النووي على مسلم).

 فهذا حكم الله عز وجل، لا مجال للعاطفة أو الآراء أو التحليل وفلسفة الموضوع، فالحكم الشرعي شيء، وما يحصل من استقبال بعض الكفار للمسلمين ورعايتهم وإنقاذهم من الظلم الذي وقع عليهم في بلدانهم الإسلامية شيء آخر، فليُنتبه للخلط بين الأمرين، ففعلهم هذا يشكرون عليه لأنه من لا يشكر الناس لا يشكر الله، لكن هذا لا يغير من حقيقة الحكم الشرعي الذي ارتضاه الله لهم بعدله، وارتضوه هم لأنفسهم كذلك.

والآيات في بيان حكم كفر أهل الكتاب الذين سمعوا بالنبي عليه الصلاة والسلام أو بدين الإسلام ولم يؤمنوا كثيرة جدًا، منها قوله سبحانه: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ} [آل عمران:70]، وقوله سبحانه: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98]، وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6].

أما تعدد أقسام الكفار وتسمياتهم، من أهل كتاب ومجوس ومشركين وملحدين وغيرهم، فهذا من باب تسمية الأشياء بمسمياتها، وهذا من عدل الإسلام والإنصاف، حيث فرق الله سبحانه بين أصناف الكفار مع أنهم في كفرهم ملة واحدة، فقال سبحانه: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة:82]، فهذا بحسب عداوتهم للمسلمين وكيدهم ومكرهم.

ولا يعني جواز نكاح الكتابية وإباحة طعاهم؛ أنهم أصبحوا بذلك مسلمين!! فهذا خلط كبير وخبط عجيب، وعندما تزوج النبي عليه الصلاة والسلام مارية القبطية أو صفية بنت حيي اليهودية، هذا متعلق أصلاً بجواز زواج الكتابية، ثم أسلمتا بعد ذلك فاختلف الحكم، وقد ذكر الله سبحانه بنفس السورة التي أباح بها طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم نص على كفرهم فتأمل، ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار أهل الكتاب مسلمون بمجرد جواز وإباحة بعض الأحكام، فهذا شيء وأصل الحكم بكفرهم شيء آخر فلينتبه لذلك.

ولا يمكن هنا أن نقول أن النبي عليه الصلاة والسلام يحرم شيئًا ويخالفه حاشا وكلا، كما يثار في بعض الشبه وكما ذكر الأخ المذكور في تعليقه، فالخلل في فهمنا وجهلنا بحقيقة هذا الدين وأحكامه العظيمة، فقد نص الله سبحانه صراحة بكفر كل من لم يؤمن بالإسلام وبدعوة النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف لنا مخالفة تلك النصوص الصريحة والتعلق بشبه وأوهام لا تسمن ولا تغني من جوع!! ويقال للمعترض: إذا لم يكن أهل الكتاب كفارًا فماذا تسميهم؟!! فإذا أجاب: بأنهم مسلمون فقد خالف نصاً صريحاً من القرآن وهذه طامة كبرى والله، وإذا قال بأنهم ليسوا مسلمين فأين يضعهم ولا يوجد إلا صنفان (مسلم أو كافر)!!

يقول سبحانه وتعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19]، إخبار من الله تعالى بأنه لا دين عنده يقبله من أحد سوى الإسلام، وهو اتباع الرسل فيما بعثهم الله به في كل حين، حتى ختموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي سد جميع الطرق إليه إلا من جهة محمد صلى الله عليه وسلم، فمن لقي الله بعد بعثته محمدًا صلى الله عليه وسلم بدِين على غير شريعته، فليس بمتقبل ... وقال في هذه الآية مخبرًا بانحصار الدين المتقبل عنده في الإسلام (تفسير ابن كثير).

وهنالك تسميات أخرى للكفار، قد تشترك وتختلف مع بعضها البعض بحسب الأحكام، منها مصطلح أهل الذمة: "الْمُعَاهَدُونَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يُقِيمُ فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ . وَيُقِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْل الْجِزْيَةِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِ الإِْسْلاَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ" (الموسوعة الفقهية [7/141]).

والمستأمن -بكسر المين الثانية-: "مَنْ يَدْخُل إِقْلِيمَ غَيْرِهِ بِأَمَانٍ مُسْلِمًا كَانَ أَمْ حَرْبِيًّا" (الموسوعة الفقهية [37/168]).

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْمِنِ وَالذِّمِّيِّ: "أَنَّ الأَْمَانَ لِلْمُسْتَأْمِنِ مُؤَقَّتٌ وَلِلذِّمِّيِّ مُؤَبَّدٌ" (الموسوعة الفقهية [37/168]).

والْحَرْبِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْحَرْبِ، وَهِيَ الْمُقَاتَلَةُ وَالْمُنَازَلَةُ، وَدَارُ الْحَرْبِ: بِلاَدُ الأَْعْدَاءِ، وَأَهْلُهَا: حَرْبِيٌّ وَحَرْبِيُّونَ (الموسوعة الفقهية [37/168]).

ولابد هنا من التذكير بالفرق بين إطلاق الحكم بالكفر على غير المسلمين، وأحكام التعامل معهم والمعيشة وما شابه ذلك، فلكل شيء أحكام خاصة به فلا ينبغي الخلط بذلك، ولمزيد من اليقين والتفصيل نذكر بعض فتاوى كبار العلماء فيما ذكرناه، فالقضية ليست مسألة فقهية خلافية، بل هي عقيدة معلومة من الدين بالضرورة ولا يمكن لأي مسلم جهلها:

في سؤال اللجنة الدائمة لهيئة كبار العلماء نصه: "هل يجوز أن تدعو النصراني كافرًا؟".
الجواب: نعم، يجوز أن نسمي اليهودي والنصراني ونصفهما ونحكم عليهما بالكفر؛ لتسمية الله إياهما بذلك وحكمه عليهما به (من الفتوى رقم 4319).

وفي سؤال آخر: ما حكم الإسلام في اليهود والنصارى مثلاً ممن وصلتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وعلموا بها لكنهم لم يتبعوه واتبعوا دينهم؟
الجواب: يعتبرون كفارًا ويعاملون معاملة الكفار في أحكام الدنيا والآخرة، ولا ينفعهم تمسكهم بدينهم مع كفرهم بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (فتاوى اللجنة الدائمة [3/298]).

قال ابن حزم: "واتفقوا على تسمية اليهود والنصارى كفاراً" ( كتاب مراتب الإجماع ص139).

قال القاضي عياض: "ولهذا نكفر من لم يكفر من دان بغير ملة المسلمين من الملل، أو وقف فيهم، أو شك، أو صحح مذهبهم، وإن أظهر مع ذلك الإسلام، واعتقده، واعتقد إبطال كل مذهب سواه: فهو كافر بإظهار ما أظهره من خلاف ذلك" (الشفا بتعريف حقوق المصطفى ص286).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ثبت في الكتاب، والسنَّة، والإجماع: أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به: فهو كافر، لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد؛ لظهور أدلة الرسالة، وأعلام النبوة" (مجموع الفتاوى [12/496]).

وقال أيضًا: "فإن اليهود والنصارى كفار كفراً معلوماً بالاضطرار من دين الإسلام" (مجموع الفتاوى [35/201]).

وجاء في كشاف القناع:
"من لم يكفر من دان أي تدين بغير الإسلام، كالنصارى واليهود، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم: فهو كافر، لأنه مكذب لقوله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]" كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي [5/146]).

قال ابن عثيمين: "فمَّن أنكر كفر اليهود والنصارى الذين لم يؤمنوا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وكذبوه: فقد كذَّب الله عز وجل، وتكذيب الله: كفر، ومن شك في كفرهم: فلا شك في كفره هو... وقال أيضًا: إن كل مَن زعم أن في الأرض ديناً يقبله الله سوى دين الإسلام: فإنه كافر، لا شك في كفره" (جزء من جواب لسؤال  نصه: "عما زعمه أحد الوعاظ في مسجد من مساجد أوروبا من أنه لا يجوز تكفير اليهود والنصارى؟"، نقلاً من موقع الإسلام سؤال وجواب).

وعندما سئل الشيخ ابن باز: "ما حكم مَن لم يكفِّر اليهود والنصارى؟"
أجاب: "هو مثلهم، مَن لم يكفر الكفار: فهو مثلهم، الإيمان بالله هو تكفير من كفر به، ولهذا جاء في الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من وحَّد الله وكفر بما يعبد من دون الله ، حرم ماله ودمه وحسابه على الله»، ويقول جل وعلا: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

فلا بد من الإيمان بالله، وتوحيده والإخلاص له، والإيمان بإيمان المؤمنين، ولا بد من تكفير الكافرين، الذين بلغتهم الشريعة ولم يؤمنوا، كاليهود، والنصارى، والمجوس، والشيوعيين، وغيرهم، ممن يوجد اليوم، وقبل اليوم، ممن بلغتهم رسالة الله ولم يؤمنوا، فهم من أهل النار كفار، نسأل الله العافية" (فتاوى الشيخ ابن باز [28/46-47]. نقلاً من موقع الإسلام سؤال وجواب).

فالأمر أيها الأخوة خطير جداً، ويمس عقيدة المسلم بشكل مباشر، فلا يجوز الشك في كفر اليهودي أو النصراني أو كل من يدين بغير ملة الإسلام، لأن من شك بذلك فقد خالف وعارض وناقض صريح القرآن، لكن هذا لا يعني الاعتداء عليهم بغير حق، أو سرقتهم أو استحلال أموالهم وغشهم والغلظة في التعامل معهم من غير ضوابط، فالحكم شيء والتعامل شيء آخر يقدر بحسب الصنف المقابل من الكفار، فالكافر المحارب يختلف تعامله مع الذمي وكذلك المستأمِن، وأهل الكتاب يختلفون عن الوثنيين والملحدين وغيرهم، ولعلنا نفرد في ذلك حلقات تباعاً بإذنه تعالى إذا كان في العمر بقية.

نسأل الله أن يعيذنا من مضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله الثبات على عقيدة التوحيد وسلامة المنهج والسلوك القويم، ونعوذ بالله من الخذلان.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمين.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 2
  • 0
  • 20,917
المقال السابق
(4) الهجرة بين طلب الإيمان والأمان
المقال التالي
(6) فضل الإسلام على سائر الأديان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً