حقوق الأخوة - إياكم وسوء الظن

منذ 2015-05-04

لأنك جعلت تصرفه محمولاً على أسوء التصرفات، أسوء المحامل لا على أحسنها، وقد قال النبي «إياكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذبُ الحديث» (صحيح البخاري: 5243).

الحق الرابع:

من الحقوق أن تُجنِّب أخاك سوء الظن به، لأن سوء الظن به مخالف لما تقتضيه الأخوة، مقتضى الأخوة أن يكون الأخ لأخيه فيه الصدق والصلاح والطاعة، هذا الأصل في المسلم، الأصل في المسلم أنه مطيع لله جل وعلا، فإذا كان من إخوانك الخاصة، فإنه يكون ثم حقان؛ حق عام له، وحق خاص بأن تجنبه سوء الظن، وأن تحترس أنت من سوء الظن، والله جل وعلا نهى عن الظن، فقال سبحانه {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12].

ال العلماء على قوله جل وعلا أن الظن منه ما هو مذموم ومنه ما هو محمود، فما كان من الظن محموداً، هو ما كان من قبيل الأمارات والقرائن التي هي عند القضاة، وعند أهل الإصلاح، وأهل الخير، الذي يريد النصيحة أو يريد إقامة القرائن والدلائل عند القاضي، فالقاضي يقيم الحجة ويطلب البيّنة، وكثير منها قائم في مقام الظنون، لكن هنا يجب أن يأخذ بها، فالاجتناب لكثير من الظن؛ وهذا الظن هو أن تظن بأخيك سوءاً، أن تظن بأخيك شراً، وقد قال عليه الصلاة والسلام «إياكم والظن» فهذا عام، ظنٌّ من جهة الأقوال، ونهي عن الظن من جهة الأفعال، «فإن الظن أكذب الحديث»  هذا نصه عليه الصلاة والسلام، الظن هو أكذب ما يكون في قلبك، فإن الظن أكذب الحديث إذا حدثتك نفسك من داخلك بظنون، فاعلم أن هذا هو أكذب الحديث، إذن حق أخيك عليك ألا تظن به إلا خيراً، وأن تجتنب معه الظن السيئ كما أمرك الله جل وعلا بذلك بقوله {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}[الحجرات:12] فالظن السيئ إثم على صاحبه، يأثم به لأنه خالف الأصل، وقد روى الإمام أحمد في الزهد ورواه غيره أن عمر رضي الله عنه قال ناصحا: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً". لاحظ أنه نهى عن الظن السيئ في الأقوال، ما دام أن الكلام يحتمل الصواب، يحتمل الخير فلا تظنن السوء بأخيك، لأن الأصل أنه إنما يقول الصواب، لا يقول الباطل، فإذا كان الكلام يحتمل الصواب فوجِّه إلى الصواب، فيسلم أخوك من النقد ويسلم من الظن السيئ، وتسلم أنت من الإثم، وأيضا يسلم من التأثر؛ تسلم ويسلم هو من أن يتأثر به ويقتدى به، لهذا قال عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد المعروف قال: "المؤمن يطلب المعاذير". يلتمس المعذرة؛ لأن الأحوال كثيرة، والشيطان يأتي للمسلم فيحدّد الحالة، يُحدِّد معنى الكلمة بشيء واحد حتى يوقع العداوة والبغضاء {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91]؛ الشيطان يحدد لك أن تفسير هذه الحالة هو كذا فقط، أن تفسير هذه المقالة هو كذا فقط، حتى تكون ظانّاً ظناً سيئاً فتأثم، وحتى يكون بينك وبين أخيك النفرة وعدم الائتلاف.

وهناك أصل من الأصول في فهم الكلام وهو أن لكل كلام دِلالة؛ ودلالة الكلام عند الأصوليين متنوعة، ومن دلالاته ما يسمى بالدِّلالة الحملية، يعني دلالة السياق على الكلام، هناك كلام إذا أُخذ بمفرده دلَّ على شيء، ولكن إذا أخذ بسياقه؛ يعني سباقه ولحاقه بما قبله وبما بعده أوضح المراد، فإذا الكلام صادر من مؤمن، صادر ممن بينك وبينه أخوة، سمعت منه كلمة فلا يأتي الشيطان وينفخ فيك أن تحمل هذه الكلمة على المحمل السوء، بل احملها على المحمل الخير يكن في قلبك إقامة المودة مع إخوانك، وأيضا لا يدخل الشيطان بينك وبين إخوانك، فرعاية الدلالة الحملية؛ دلالة الكلام هذه مهمة، وهي التي يعتمدها أهل العلم في فهم الكلام، وكذلك يعتمدها الصالحون في فهم كلام الناس، لأن الناس إنما يُفهم كلامهم على ما يدل عليه الكلام بكله لا بلفظة منه فقط، فإن الألفاظ قد تخون المتكلم، لكن إذا عُلم مقصده في كل الكلام فإنه يُعذَر.

وقد بينا أن من كلام الناس -يعني في الدرس الماضي- وهو من باب أولى، من كلام الناس ما هو متشابه يشتبه على الناظر فيه، يشتبه على السامع له، فإذا نظر إلى هذا الكلام نظر طالب للمعذرة، طالب لحمل الكلام على أحسن محامله، فإنه يستريح ويُريح، ويبقى هذا الحق ويكون قد أدّى هذا الحق لأخيه، إذن من فسر كلام أخيه تفسيراً مغالطاً؛ زاد فيه، حمله على أسوأ المحامل، فإنه لم يؤدِّ حقه، كذلك في باب الأفعال، تصرّف أمامه بتصرف معين، تكلم هذا بكلمة، فإذا الآخر التفت إلى من بجنبه ونظر إليه نظرة، فأتاه الشيطان فقال: هذا ما نظر إلى ذاك، إلا منتقداً لكلامك، أو إلا عائباً لكلامك ونحو ذلك، لا يدخل الشيطان أيضاً في تفسير الأفعال، لأن الأفعال لها احتمالات كثيرة، وقليل من الناس من يسأل أخاه لما تصرفت هذا التصرف، فقد جاء في نفسي منه؟ قليل من يفعل ذلك، ولهذا يأتي الشيطان ويقول: هذا التصرف هو لكذا، وتصرف لأجل هذا المعنى، هو يقصد كذا، هذه التصرفات منه لأجل أن يصل إلى كذا، هو يريد بتصرفه كذا وكذا. التصرفات لها محامل كثيرة، فإذا حملت تلك التصرفات على أمر واحد، وشخَّصت ذلك التصرف فيه، فإنك في الواقع جنيت على نفسك، ولم تحترم عقلك وفكرك، لأنك جعلت احتمالات التصرف احتمالاً واحداً، هذا واحد، والثاني أنك جنيت على أخيك، لأنك جعلت تصرفه محمولاً على أسوء التصرفات، أسوء المحامل لا على أحسنها، وقد قال النبي «إياكم والظنّ، فإنّ الظنّ أكذبُ الحديث» (صحيح البخاري: 5243) .

صالح بن عبد العزيز آل الشيخ

وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية، وحاصل على الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض

  • 22
  • 4
  • 28,764
المقال السابق
حفظ العرض
المقال التالي
إياكم والمراء

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً