تدبر - (376) سورة الدخان (2)

منذ 2014-09-06

لعمري! إنها لآيات ترجف لها القلوب، وتتعوذ من مآلها النفوس، فيا ليت شعري ما بال المستكبرين لا يرعوون، وعن امتهان الخلق لا يكفون، أومثل هذا المصير لا يخشون؟!

ومن أبشع العذاب في جهنم عذاب الإهانة عياذًا بالله..
ذلك العذاب الذي يُجازى به المستكبرون الذي تعززوا بالباطل، وتعالوا على عباد الله وأهانوهم وأذاقوهم ويلات الإذلال في الدنيا..

تأمل قوله تعالى: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ} [الدخان:47].
خذوه لطالما قيلت تلك الكلمة في الدنيا حين ظن أهلها أنهم قادرون عليها وعلى ضعفائها، خذوه لطالما كان لتلك الكلمة وقعًا مخيفًا في قلوب المستضعفين، حيث لا يدرون ما ينتظرهم بعد الأخذ ولا ما سيؤخذون إليه.. فاعتلوه!

والعتل هو الأخذ بالتلابيب والدفع بشدة وعنف، والعتلة هي الرافعة التي ترفع الجمادات الثقيلة، وهي أيضًا في اللغة: (الهَرَاوَةٌ الغَلِيظَة) وعمود قصير من الحديد له رأْس عريض يُهدَمُ به الحائط، ويُقلَعُ به الشجرُ والحجر، والعُتُلّ هو الغليظ الجاف..

وكل معاني الكلمة تصل بنا إلى تصور تلك الأخذة والدفعة، التي يعامل بها ذلك العُتُلّ..
إنه دفع مهين شديد ومعاملة قاسية جزاء من جنس عمله الذي عمله في الدنيا، وقد كان فيها عتلاً فها هو يعتل كجلمود صخر يحط في النار، ثم تزداد المهانة حين يصب العذاب من فوق رأسه: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيم} [الدخان:48]، فتغلي الرأس كما غلى الجوف أثناء تناول الزقوم: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49].

هكذا كنت تسخر في الدنيا، فها هنا يسخر منك كما كنت تفعل، هكذا كنت تستهزىء بعباد الله، واليوم تذوق ما أذقتهم، كنت تظن نفسك عزيزًا في الدنيا لا يمكن مس جنابك! فدونك العذاب
وليس أي عذاب، إنه العذاب المهين لمن تعالى بأنه العزيز الكريم.

لعمري إنها لآيات ترجف لها القلوب، وتتعوذ من مآلها النفوس، فيا ليت شعري ما بال المستكبرين لا يرعوون، وعن امتهان الخلق لا يكفون، أومثل هذا المصير لا يخشون؟! 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 5,212
المقال السابق
تدبر - [359] سورة غافر (8)
المقال التالي
(377) سورة الدخان (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً