وجهة نظر (1/ 2)

منذ 2014-09-07

إن المتأمل في صورة أطفال غزة وهم يلعبون الكرة تحت القصف ويضحكون! أو في صورة الكبار منهم وهم يقيمون حفل عرس تحت القصف أيضًا ويبتسمون! يدرك جيدًا الفرق بين من يعاني فراغًا داخليًا لأنه لا يعاني، وليس عنده مشكلة حقيقية يجاهد لحلها، وليست لديه قضية يدافع عنها ويهتم بها، وبين من عاش على "اخشوشنوا" و"لا تتمارضوا" بإرادتهم أو.. رغمًا عنها!

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لنتفق على أن ما سأذكره في هذا الموضوع هو (وجهة نظر).
قد نختلف أو نتفق في الجميع، أو نتفق في جزء، ونختلف في بعض المسائل..
قد يراني البعض متشددة أو حتى رجعية.. قد يراني البعض جاهلة بما أقول.
ويراني آخرون معزولة عن الواقع، بل قد يراني بعضهم ممن يعيش في جنة الدنيا بلا ابتلاء، أو أنني عديمة الشعور بالآخرين!

وقد يرى البعض أن ما أقوله هو الحق والاعتدال والعلم الصحيح!
فمهما كان ما تراني به في صورة هذه الكلمات.. فاعلم أيها القارئ أنني سأعبر فقط عن ما أراه صوابًا، ويبقى ما سأكتب: (وجهة نظر)!

فخذ منها ما ينفعك واختلف مع ما يحلو لك، ولكن اعلم أنني زاهدة كل الزهد في الأخذ والرد، فضلاً عن التطاول والجدل، فإن الأمر لا يعدو كونه (وجهة نظر)!

(1)
تمهيد كالمقدمة أو مقدمة كأنها تمهيد!
نحن في زمان قل من تربى فيه على "اخشوشنوا" و"لا تتمارضوا"! فضلاً عن: "وجاهدوا" و"اصبروا وصابروا"! فما ظنك بالنتائج؟!

إن المتأمل في صورة أطفال غزة وهم يلعبون الكرة تحت القصف ويضحكون!
أو في صورة الكبار منهم وهم يقيمون حفل عرس تحت القصف أيضًا ويبتسمون!
يدرك جيدًا الفرق بين من يعاني فراغًا داخليًا لأنه لا يعاني، وليس عنده مشكلة حقيقية يجاهد لحلها، وليست لديه قضية يدافع عنها ويهتم بها، وبين من عاش على "اخشوشنوا" و"لا تتمارضوا" بإرادتهم أو.. رغمًا عنها!

حينما رأتني أمي كعادة (المراهقين، والمراهقات) مغرقة في العيش في همٍّ خيالي صنعه الوهم، أبكي وأكتئب لأنني - فقط- أرى أنه ينبغي أن أفعل! قالت –ولا زلت أتذكر المكان والصوت دون الموقف!-: "أنت عارفة أنت مشكلتك أيه؟ مشكلتك أنك معندكيش مشكلة!"، هي نفسها حفظها الله إلى اليوم لعلها لا تدرك أن كلمتها ملتصقة في أذني وقلبي، وأنها كانت تفسيرًا تطبيقيًا لمقولة: "لا تتمارضوا"!

ولعلها لا تدرك أيضًا أن مثل قولها عبر عنه بعض الأدباء بما معناه: "كانوا في العصور الوسطى يحقنون المريض النفسي بفيروس الملاريا، عندها لا يجد وقتًا لترف المرض النفسي!"، وبغض النظر عن كون هذه العبارة حقيقة تاريخية، أو لا، فإنها تعبر عن الحقيقة التي لا مراء فيها: المرض النفسي هو مرادف للترف الحضاري!

إن الخلل التربوي الذي حوّل العملية التربوية في البيت والمدرسة من (تقويم سلوك) المتربي إلى (تغيير الظروف البيئية المحيطة بالمتربي) هو نتيجة هذا الفراغ الفكري مع انتشار القلم وكتابة من يحسن ومن لا يحسن في المسائل التربوية!

عبارة عجيبة تحتاج إلى شيء من التفصيل البسيط!
فقط تذكر أو تذكري: لا زلتُ في رحاب (وجهة نظر).

(2)
لا زلنا في المقدمة التي هي كالتمهيد أو التمهيد الشبيه بالمقدمة! -إن كان هناك شيء يسمى بذلك!-
استوقفتني رسائل تمرر كثيرًا في كل مكان إلكتروني، حتى تظن أن أحدهم قد يطرق باب منزلك ليسألك في لطف: هل وصلتك هذه الرسالة من خلال إحدى مواقع التواصل الاجتماعي، أو برامج الاتصال الحديثة؟!

لن أطيل في الكلام، ولا نقل الرسالة كاملة، ولا نقدها إجمالاً، فضلاً عن النقد التفصيلي!
فقط أتوقف مع عبارة أشبعتها تأملاً،

يقول القائل بما معناه: "عندما يكذب ولدك فهو يشعر بالضغط، ويحتاج للشعور بالأمان حتى لا يكذب"! إذًا نحن بصدد تحويل العملية التربوية بالفعل من مرحلة تقويم السلوك إلى مرحلة تغيير الظروف المحيطة بالمتربي

لماذا لا أعلم ولدي أنه ولو كان السيف على رقبته لا تكذب؟!
ولو فقأوا عينك وأكلوا كبدك لا تكذب!
يبدو أنني لستُ أمّا حنونة بل إن وصف (الغولة) و(الأشكيف) أكثر رقة منّي!
لكن يا سادة إن ولدي لن يبقى في حجري إلى الأبد، بحيث أضع له الوسائد الناعمة التي ترفع عن سيادته الضغوط، حتى لا يكذب ولا يرتشي ولا يسرق ولا يزني!

لا تصرخوا على أولادكم.. لا تضربوهم.. لا تهينوهم..لا تنفعلوا عليهم..
نعم كل هذا جيد (أقول جيد) لكن انتبه! الشيء إن زاد عن حده فسد وأفسد!
أن يتحول الأمر إلى: ولدي رقيق يا جماعة وحساس!
يا أولاد طفلي مريض أعطوه ما يريد!
يا زوجي لا تعنفه فهذا يؤثر سلبًا على نفسيته!
أرجوك يا معلمة الولد مرهف الحس!

أرجوكم مرارتي لا تتحمل، ولا أخالكم تتحملون وزر انفجارها!
وعلى الصعيد الآخر نجد آباء غلظتهم تفوق بالفعل المعتاد، وكما أن هذا خطأ مستنكر من أرباب الدعاوي التربوية وهم محقون في ذلك..

فإن التطرف الآخر بتمييع التربية وعدم تقويم السلوك، والاكتفاء فقط بتوفير ظروف نظن أنها ستقوم الطفل تلقائيًا خطأ تربوي فادح جدًا، والواقع أن تهذيب الوالدين لأخلاقهما مأمور به شرعًا، ليس لكي ينعم الولد بالوسادة الناعمة، ولكن لأن الشرع يحث على حسن الخلق، وقد جعل لكل شيء قدرًا وضابطًا به ينضبط المجتمع!

ولكن التحسس مع الأبناء وهو في الحقيقة سلوك تربوي متطرف يسري اليوم في البيوت لن أقول تطبيقا ولكن اعتقادا مما يجعل الوالدين حين لا يطبقان ذلك في حالة مستمرة من تأنيب الضمير مما يؤدي إلى أخطاء تربوية فادحة تحتاج لإفراد الحديث عنها في مكانها المناسب، إذًا ما المقصود؟ إن استخدام الشدة والعنف مرفوض، لكنه يختلف عن التعامل مع واقع وجود (الشدة والعنف)

عندما يتعرض طفلك لموقف عنيف أو شديد منك، أو من الطرف الآخر (الزوجــة) لا تتهافت على دفع الأذى عنه، بل انتهز الفرصة لتقوية ظهره في مواجهة المواقف، تمامًا كما تضرب بعض الكتب التربوية الحقيقة المثال بـ(الفراشة والشرنقة)، حين تساعد الفراشة -شفقة منك- على الخروج من الشرنقة فإنها تموت بعيد خروجها! لأن المقاومة التي تمارسها أثناء الخروج من الشرنقة تقوي أجنحتها وتنمي قدرتها على الطيران ومواجهة الرياح.

فمعلمة انفعلت على طالب، أو والدة انفعلت على ولدها، أو صرخت في وجهه، أو والد وبخ ولده بشيء من الغلظة.. كل ما يحدث في البيوت العادية أعني: أقول في البيوت العادية في المستوى العادي أو حتى فويق العادي..

كل هذا لا ينبغي أن نتهافت في إزالته، بل ينبغي أن نستغل الظروف المحيطة؛ لكي نعلم الولد كيف يتصرف حيال ذلك، فالضربة التي لا تقصم الظهر تقوية، وليس الصواب أن تجتهد في تغير الظروف المحيطة!

إن تعريف التربية عند التربويين هو: تعديل السلوك أو تقويم السلوك، وليس تغيير الظروف المحيطة لكي يتعدل السلوك.. ولن يتعدل!

غدًا سيجد الطفل مديرًا سمجًا، وزميل العمل الواشي الحقود والشرطي الظالم..
بهذه الطرق التربوية المميعة سيكون ضيفًا حميمًا على العيادات النفسية!
الدنيا طبعت على كدر وأغنية: "الواد خلي بالك منه لو يزعل تضحك وتلاعبه" لن تصلح في الواقع! فقط تذكر: لا زلنا في رحاب وجهة نظر!

(3)
تابع التمهيد الذي كالمقدمة!
مجتمع متطرف!
يرى الأولاد أو يقرأون عن هذه الوسائل (غير التربوية) الحديثة التي أغرقونا بها، ونشروها لتكون أمام أعين الأطفال والمراهقين..

فينقم المتربي على المجتمع وعلى أنفسهم، وعلى أهليهم، ويتحول كتاب التربية ومقال التربية إلى وسيلة لمحاسبة نفسية من الابن لوالده أنه: "ليس مطابق لمواصفات الكتاب"، فإن كان والداه من النوع الذي يتحسس مع ولده، فإن الطفل يصرح بهذا جهرًا، رغم أن والديه كانا مجتهدَين في تطبيق الكتاب.

أو إن كان والداه من أهل الغلظة يكتم الطفل هذا في قلبه، ولكن تنشأ لديه حالة نفسية تتفاقم مع مرور الزمن فيتحول مع أولاده إلى النوع المتحسس ذي عقدة الذنب، أو يكرر الدائرة ويكون أبًا غليظًا ينفث عن طفولته البائسة في قرة عينه.

خطاب مختلف!
كانت الأستاذة سامية -رفع الله قدرها وبارك في ذريتها- تهتف بنا في المسجد: "إذا ضربتك أمك بالشبشب فاخفضي لها رأسك" (اهـ) فهذه الطريقة في خطاب المتربي حتى لو لم يتمكن الابن من تطبيقها يكفي أن يتعلم أن البر كذا، ولو لم يفعله فيوماً ما قد يفعله أو على الأقل يحاسب نفسه ويستغفر أنه لم يفعله.

كذلك فإن هذا الخطاب للابن يجعله متسع الصدر في تعامله مع الوالدين، أقرب إلى خفض جناح الذل منه إلى هذا الطفل الهش، الذي ما أن يصرخ فيه والده أو أي شخص في المجتمع انهار بنيانه النفسي، وكلامها لم يفهم يومًا على أنه دعوة لضرب الأبناء (بالشبشب)، بل كانت أشد الناس حثًا على الرفق وحسن الخلق مع الأبناء، بل وغيرهم، ولكن كما نكرر فرق بين الدعوة إلى العنف وبين التعامل مع واقع وجود العنف في خطابنا للمتربي بالذات!

أقول بعد أن كان هذا هو ديدن تربية الأبناء الحاضرين في المسجد، صارت المساجد كغيرها تعج وتضج بالحديث عن وسائل اللاتربية الحديثة المنحرفة (وأقيدها لأن هناك وسائل تربوية حديثة جادة وصحيحة) لكن هذه كانت في تلك الأيام البهيجة، التي كنا نعتبر فيها تدريس وسائل التربية إستراتيجيات حربية نخاطب فيها الوالدة بعيدًا عن أعين أطفالها لأن لكل مقام مقال!


إذًا على صعيد الإغراق الذي نعاني منه في طريقة الكتابة الإرشادية إلى الطرق التربوية: نحن بصدد التعامل مع مجتمع متطرف بمعنى الكلمة، والمشكلة أن هذا المجتمع منفتح على مصراعيه!

وكما أن الطبقية بين الأفراد صارت وبالاً بحيث صار الفقير يعلم من خلال ما يشاهد ويرى إعلاميا أن هناك حياة أخرى يحسب أنها أكثر سعادة من (خشونة) الحياة التي يحياها
فأيضا صار (إسهال الوسائل التربوية الحديثة) وبالاً مستمرًا.

وصدقًا لو أنفقنا الوقت في الإغراق الممتع في السيرة النبوية، والسير المتعلقة بالعظماء المسلمين حقًا، وتعلم العقيدة السليمة تطبيقًا سيختلف حالنا عن الإغراق والتضخم الذي نعيشه مع (وسائل التربية الحديثة) وكتب (لا تحزن) الغربية التي انتحر أصحابها وقرائهم!

ونتيجة من عاش على هذا أمامنا، ونتيجة من عاش على ذاك أمامنا، والعاقل يفقه!
إن تطبيق "اخشوشنوا" و"لا تتمارضوا"! فضلا عن "وجاهدوا" و"اصبروا وصابروا"! صار حلمًا بعيد المنال، فهذه قيم لم يعد لها مكان في هذا المجتمع سواء من ناحية الطبقية الاجتماعية والمادية، أو من ناحية الطبقية التربوية والقيم السلوكية التي يتربى عليها أفراد المجتمع.

إلى هنا تنتهي المقدمة التي هي كالتمهيد أو التمهيد الذي كالمقدمة!
هذا لأني وببساطة شديدة لم أشرع بعد في عرض.. وجهة النظر! 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 2
  • 0
  • 5,019

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً