قضايا الحاكمية تأصيل وتوثيق - (9) الجمع والتوفيق بين نصوص الحاكمية ها هنا؛ مَصرع الغُلاة ومُحاجَّتهم

منذ 2014-09-07

علِمنا أن كلام رسولنا لا يخالف كلامَ ربه تعالى، فإذا كان هذا كذلك؛ فيقينٌ لا شك فيه؛ يدرِي كلُّ مسلمٍ أن أخْذ مال مُسلمٍ أو ذِمِّي بغير حق، وضرب ظهره بغير حق؛ إثمٌ وعدوان وحرام، لقوله عليه السلام: «...إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم...».


احتجَّت الطائفةُ المذكورة أولًا بأحاديث فيها: أنقاتلهم يا رسول الله؟ قال: «لا ما صلّوا»، وفي بعضها: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا»، وفي بعضها: «وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك» إلخ..
وكل هذا لا حُجة لهم فيه، لما قد تقصَّيْناه غاية التقصِّي خبرًا خبرًا، بأسانيدها ومعانيها..

أما أمرُه صلى الله عليه و سلم بالصبر على أخذ المال وضرب الظهر؛ فإنما ذلك بلا شك إذا تولَّى الإمام ذلك بحقّ، وأما إن كان ذلك بباطل؛ فمَعاذ الله أن يأمر رسولُ الله بالصبر على ذلك.

برهان هذا: قول الله عز و جل: {...وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان...} [المائدة:2]، وقد علِمنا أن كلام رسولنا لا يخالف كلامَ ربه تعالى، فإذا كان هذا كذلك؛ فيقينٌ لا شك فيه؛ يدرِي كلُّ مسلمٍ أن أخْذ مال مُسلمٍ أو ذِمِّي بغير حق، وضرب ظهره بغير حق؛ إثمٌ وعدوان وحرام، لقوله عليه السلام: «...إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم حرام عليكم...» (صحيح البخاري:1739)، فالمسلم؛ مالُه للأخذ ظلمًا، وظهرُه للضرب ظلمًا، وهو يقدر على الامتناع من ذلك بأي وجه أمكنَه؛ مُعاوِنٌ لظالِمه على الإثم والعدوان، وهذا حرامٌ بنصِّ القرآن.

وأيضًا فهذا مُعارض الأحاديث الأخرى، مثل قوله عليه السلام: «مَن رأى منكم منكرًا فليغيرْه...» (صحيح مسلم:49)، وقوله: «مَن قُتل دون ماله فهو شهيد...» (الجامع الصغير:5794،صحيح)، والمقتول دون مظلِمة شهيد، وقد جاء عنه عليه السلام: أن سائلًا سأله عمَّن طلب ماله بغير حق؟ فقال عليه السلام: «لا تُعطه»، فقال: فإن قاتلني؟ قال: «قاتلْه»، قال: فإن قتلتُه؟ قال: «فهو في النار»، قال: فإن قتلني؟ قال: «فأنت شهيد» (رواه مسلم:140).

ولو اجتمع أهلُ الحق ما قاواهُم أهلُ الباطل.
وقال بعضهم: "إن في القيام إباحة الحريم، وسفك الدماء، وأخذ الأموال".
فقال لهم الآخرون: "كلا، لأنه لا يحلُّ لمن أمرَ بالمعروف، ونهي عن المنكر، أن يهتك حريمًا، ولا أن يأخذ مالًا بغير حق".

وأما قتلُ أهلِ المنكر الناسَ، وأخذُهم أموالهم، وهتكُهم حريمهم؛ كلُّه من المنكر الذي يلزم الناسَ تغييرُه، وأيضًا فلو كان خوف ما ذكروا مانعًا من تغيير المنكر، ومن الأمر بالمعروف؛ لكان هذا بعينه مانعًا من جهاد أهل الحرب، وهذا ما لا يقوله مسلمٌ وإن دعى ذلك إلى سبْي النصارى نساءَ المؤمنين وأولادهم، وأخذ أموالهم، وسفك دمائهم، وهتك حريمهم..

ولا خلاف بين المسلمين في أن الجهاد واجب مع وجود هذا كله، ولا فرق بين الأمرين، وكل ذلك جهادٌ ودعاءٌ إلى القرآن والسنة.

ويقال لهم: ما تقولون في سلطانٍ جعل اليهودَ، أصحابَ أمره، والنصارى جندَه، وحمل السيفَ على أطفال المسلمين، وأباح المسلماتِ للزنا، وحمل السيف على كل مَن وجدَ من المسلمين، وملَك نساءهم وأطفالهم، وهو في كل ذلك مقرٌ بالإسلام، معلنًا به لا يدَع الصلاة؟

فإن قالوا: لا يجوزالقيام عليه، وأجازوا الصبر على هذا؛ خالفوا الإسلام جملةً، وانسلخوا منه.
وإن قالوا: بل يُقام عليه ويُقاتل، قلنا لهم: فإن قَتل تسعةَ أعشار المسلمين أو جميعهم إلا واحدًا منهم، وسبَي مِن نسائهم كذلك، وأخذ من أموالهم كذلك؟

فإن مَنعوا من القيام عليه؛ تناقضوا، وإن أوجبوا؛ سألناهم عن أقلّ من ذلك، ولا نزال نُحيطهم إلى أن نقف بهم على قتلِ مسلمٍ واحد، أو على امرأةٍ واحدة، أو على أخْذ مال أو على انتهاك بشَرة بظلم، فإن فرَّقوا بين شيءٍ من ذلك؛ تناقضوا وتحكَّموا بلا دليل، وهذا ما لا يجوز ، وإن أوجبوا إنكارَ كل ذلك؛ رجعوا إلى الحق" (ابن حزم رحمه الله، في الفِصَل).

قلتُ: يرحم الله هذا الإمامَ الجبل، والذي لم يدَع بعد مقاله، قالةً لأحد، فقد جمعَ فأوعى، وناظرَ فقهَر، وحاجَّ فظهَر. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو فهر المسلم

باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله

  • 13
  • 4
  • 10,356
المقال السابق
(8) الجمود على ظاهر أحاديث السمع والطاعة؛ هو مذهب الكرَّامية الضُّلَّال
المقال التالي
(10) سقوط إمْرة الحاكم الجائر والقصاص منه، ولا بيعة بالإكراه

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً