الأحكام السلطانية للماوردي - (50) زكاة المواشي: (2)
وَأَمَّا الْغَنَمُ: فَأَوَّلُ نِصَابِهَا أَرْبَعُونَ، وَفِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةٌ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ مِنَ الْمَعْزِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا صِغَارًا دُونَ الْجِذَاعِ وَالثَّنَايَا.
"زكاة المواشي": (2)
وَنَبْدَأُ بِأَحْكَامِ أَخْذِهَا فَنَقُولُ: إنَّ الْأَمْوَالَ الْمُزَكَّاةَ أَرْبَعَةٌ:
أَحَدُهَا: الْمَوَاشِي وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، وَسُمِّيَتْ مَاشِيَةً لِرَعْيِهَا وَهِيَ مَاشِيَةٌ.
فَأَمَّا الْإِبِلُ: فَأَوَّلُ نِصَابِهَا خَمْسٌ، وَفِيهَا إلَى تِسْعٍ شَاةٌ جَذَعَةٌ[1] مِنَ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةٌ[2] مِنَ الْمَعْزِ، وَالْجَذَعُ مِنَ الْغَنَمِ مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالثَّنِيُّ مِنْهَا مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَتِ الْإِبِلُ عَشْرًا فَفِيهَا إلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى تِسْعَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، وَفِي الْعِشْرِينَ إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ عَدَلَ فِي فَرْضِهَا عَنِ الْغَنَمِ، وَكَانَ فِيهَا إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَهِيَ الَّتِي اسْتَكْمَلَتِ السَّنَةَ، فَإِنْ عُدِمَتْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، وَهِيَ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ؛ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا إلَى سِتِّينَ حِقَّةٌ[3]، وَهِيَ مَا اسْتَكْمَلَتْ ثَلَاثَ سِنِينَ، وَاسْتَحَقَّتْ الرُّكُوبَ وَطُرُوقَ الْفَحْلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَفِيهَا إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ جَذَعَةٌ، وَهِيَ مَا اسْتَكْمَلَتْ أَرْبَعَ سِنِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا إلَى تِسْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ، وَهَذَا مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَانْعَقَدَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ ذَلِكَ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْتَأْنَفُ بِهَا الْفَرْضُ الْمُبْتَدَأُ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا اعْتِبَارَ بِالزِّيَادَةِ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ فَيَكُونَ بِهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً كَانَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، فَيَكُونُ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَسَبْعِينَ حِقَّةٌ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي مِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ، فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَحَدُ فَرْضَيْنِ إمَّا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا إلَّا أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ أُخِذَ، وَإِنْ وُجِدَا مَعًا أَخَذَ الْعَامِلُ أَفْضَلَهُمَا، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الْحِقَاقَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مَنْفَعَةً وَأَقَلُّ مُؤْنَةً، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيمَا زَادَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ؛ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
وَأَمَّا الْبَقَرُ: فَأَوَّلُ نِصَابِهَا ثَلَاثُونَ، وَفِيهَا تَبِيعٌ ذَكَرٌ، وَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَقَدَرَ عَلَى اتِّبَاعِ أُمِّهِ، فَإِنْ أَعْطَى تَبِيعَةً أُنْثَى قُبِلَتْ مِنْهُ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ أُنْثَى، وَهِيَ الَّتِي قَدِ اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً، فَإِنْ أَعْطَى مُسِنًّا ذَكَرًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ إنْ كَانَ فِي بَقَرِهِ أُنْثَى، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا فَقَدْ قِيلَ: يُقْبَلُ الْمُسِنُّ الذَّكَرُ وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إحْدَى رِوَايَاتِهِ: يُؤْخَذُ مِنْ خَمْسِينَ بَقَرَةٍ مُسِنَّةٌ وَرُبُعٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا شَيْءَ فِيهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَيَجِبُ فِيهَا تَبِيعَانِ، ثُمَّ فِيمَا بَعْدَ السِّتِّينَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ؛ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ، فَيَكُونُ فِي سَبْعِينَ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَفِي مِائَةٍ وَعَشَرَةٍ مُسِنَّتَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ أَحَدُ فَرْضَيْنِ كَالْمِائَتَيْنِ مِنَ الْإِبِلِ، إمَّا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أَوْ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ، وَقِيلَ: يَأْخُذُ الْعَامِلُ مِنْهُمَا مَا وَجَدَ،
فَإِنْ وَجَدَهُمَا أَخَذَ أَفْضَلَهُمَا وَقِيلَ: يَأْخُذُ الْمُسِنَّاتِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْقِيَاسُ فِيمَا زَادَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ.
وَأَمَّا الْغَنَمُ: فَأَوَّلُ نِصَابِهَا أَرْبَعُونَ، وَفِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ شَاةٌ جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ مِنَ الْمَعْزِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا صِغَارًا دُونَ الْجِذَاعِ وَالثَّنَايَا، فَيُؤْخَذُ مِنْهَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ صَغِيرَةٌ دُونَ الْجَذَعِ وَالثَّنِيَّةِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُؤْخَذُ إلَّا جَذَعَةٌ أَوْ ثَنِيَّةٌ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ إلَى مِائَتَيْ شَاةٍ، فَإِذَا صَارَتْ مِائَتَيْ شَاةٍ وَشَاةٍ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ، إلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ اسْتَكْمَلَهَا مِنْ بَعْدِ الْأَرْبَعِمِائَةِ شَاةٌ، وَيُضَمُّ الضَّأْنُ إلَى الْمَعْزِ، وَالْجَوَامِيسُ إلَى الْبَقَرِ، وَالْبَخَاتِيُّ إلَى الْعِرَابِ؛ لِأَنَّهُمَا نَوْعَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَلَا يُضَمُّ الْإِبِلُ إلَى الْبَقَرِ، وَلَا الْبَقَرُ إلَى الْغَنَمِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَيُجْمَعُ مَالُ الْإِنْسَانِ فِي الزَّكَاةِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَمْوَالُهُ، وَالْخُلَطَاءُ يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْوَاحِدِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهَا شَرَائِطُ الْخُلْطَةِ، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَأْثِيرَ لِلْخُلْطَةِ حَتَّى يَمْلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ نِصَابًا، فَيُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا اعْتِبَارَ بِالْخُلْطَةِ، وَيُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَالَهُ عَلَى انْفِرَادِهِ[4].
وَزَكَاةُ الْمَوَاشِي تَجِبُ بِشَرْطَيْنِ[5]:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ سَائِمَةً تَرْعَى الْكَلَأَ فَتَقِلُّ مُؤْنَتُهَا وَيَتَوَفَّرُ دَرُّهَا وَنَسْلُهَا، فَإِنْ كَانَتْ عَامِلَةً أَوْ مَعْلُوفَةً لَمْ تَجِبْ فِيهَا زَكَاةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَوْجَبَهَا مَالِكٌ كَالسَّائِمَةِ[6].
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ الَّذِي يُسْتَكْمَلُ فِيهِ النَّسْلُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
وَالسِّخَالُ[8] تُزَكَّى بِحَوْلِ أُمَّهَاتِهَا إذَا وُلِدَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ وَكَانَتْ الْأُمَّهَاتُ نِصَابًا، فَإِنْ نَقَصَتِ الْأُمَّهَاتُ عَنِ النِّصَابِ، فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُزَكَّى بِحَوْلِ الْأُمَّهَاتِ إذَا بَلَغَتَا نِصَابًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا يُسْتَأْنَفُ بِهَا الْحَوْلُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ النِّصَابِ.
وَلَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي إنَاثِ الْخَيْلِ السَّائِمَةِ دِينَارًا عَنْ كُلِّ فَرَسٍ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « »[9].
وَإِذَا كَانَ وَالِي الصَّدَقَاتِ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ أَخَذَهَا فِيمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَا عَلَى اجْتِهَادِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّنْفِيذِ عَمِلَ فِيمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ دُونَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، وَلَمْ يَجُزْ لِهَذَا الْعَامِلِ أَنْ يَجْتَهِدَ، وَلَزِمَ الْإِمَامَ أَنْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْخُوذِ، وَيَكُونَ رَسُولًا فِي الْقَبْضِ مُنَفِّذًا لِاجْتِهَادِ الْإِمَامِ، فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ هَذَا الْعَامِلُ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا جَازَ، فَإِنْ كَانَ فِي زَكَاةٍ عَامَّةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِيهَا وِلَايَةً لَا يَصِحُّ ثُبُوتُهَا مَعَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ، وَإِنْ كَانَ فِي زَكَاةٍ خَاصَّةٍ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ قَدْ عَرَفَ مَبْلَغَ أَصْلِهِ وَقَدْرَ زَكَاتِهِ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَأْمُورُ بِقَبْضِهِ عَبْدًا أَوْ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ تَجَرَّدَ مِنْ حُكْمِ الْوِلَايَةِ وَتَخَصَّصَ بِأَحْكَامِ الرِّسَالَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَالٍ لَمْ يَعْرِفْ مَبْلَغَهُ وَلَا قَدْرَ زَكَاتِهِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِهِ ذِمِّيًّا؛ لِأَنَّهُ اُؤْتُمِنَ عَلَى مَالٍ لَا يُعْمَلُ فِيهِ عَلَى خَبَرِهِ، وَجَازَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْعَبْدِ مَقْبُولٌ.
وَإِذَا تَأَخَّرَ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِمْ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ وُرُودِ عَمَلِهِ وَتَشَاغُلِهِ بِغَيْرِهِمْ انْتَظَرُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا إلَّا مِنْ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَتَجَاوَزَ الْعُرْفَ فِي وَقْتِ زَكَاتِهِمْ أَخْرَجُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ مَشْرُوطٌ بِالْمُكْنَةِ، وَسَاقِطٌ مَعَ عَدَمِ الْإِمْكَانِ، وَجَازَ لِمَنْ يَتَوَلَّى إخْرَاجَهَا مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ أَنْ يَعْمَلَ فِيهَا عَلَى اجْتِهَادِهِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ اسْتَفْتَى مِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَأْخُذُ بِقَوْلِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَفْتِيَ غَيْرَهُ، وَإِنْ اسْتَفْتَى فَقِيهَيْنِ فَأَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِإِيجَابِهَا، وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِإِسْقَاطِهَا، أَوْ أَفْتَاهُ أَحَدُهُمَا بِقَدْر، ٍ وَأَفْتَاهُ الْآخَرُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيمَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْهُمَا، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَأْخُذُ بِأَغْلَظِ الْقَوْلَيْنِ حُكْمًا، وَقَالَ آخَرُونَ: يَكُونُ مُخَيَّرًا فِي الْأَخْذِ بِقَوْلِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا.
فَلَوْ حَضَرَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنْ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى اجْتِهَادِ نَفْسِهِ أَوْ اجْتِهَادِ مَنِ اسْتَفْتَاهُ، وَكَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ مُؤَدِّيًا إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَهُ، أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ، كَانَ اجْتِهَادُ الْعَامِلِ أَمْضَى إنْ كَانَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ بَاقِيًا، وَاجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ أَنْفَذَ إنْ كَانَ وَقْتُ الْإِمْكَانِ فَائِتًا، وَلَوْ أَخَذَ الْعَامِلُ الزَّكَاةَ بِاجْتِهَادِهِ، وَعَمِلَ فِي وُجُوبِهَا، وَأَسْقَطَهَا عَلَى رَأْيِهِ، وَأَدَّى اجْتِهَادُ رَبِّ الْمَالِ إلَى إيجَابِ مَا أَسْقَطَهُ، أَوْ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَخَذَهُ، لَزِمَ رَبُّ الْمَالِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
إخْرَاجُ مَا أَسْقَطَهُ مِنْ أَصْلٍ أَوْ تَرَكَهُ مِنْ زِيَادَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ لِأَهْلِ السَّهْمَانِ.
__________
(1) الجذعة من ولد المعز: التي قاربت الحمل (المطلع: ص[182]).
(2) الثني من الإبل: الذي يلقي ثنيته، وذلك في السادسة، ومنَ الغنم الداخل في السنة الثالثة، تيسًا كان أو كبشًا (اللسان: [14/ 123]).
(3) إذا وضعت الناقة ولدًا في أول النتاج فولدها ربع والأنثى ربعة، وإن كان في آخره فهو هبع والأنثى هبعة، فإذا فصل عن أمه فهو فصيل، فإذا استكمل الحول ودخل في الثانية فهو ابن مخاض، والأنثى بنت مخاض، وواحدة المخاض خلفة جنس اسمها، وإنما سمي بذلك لأنَّ أمه قد ضربها الفحل فحملت ولحقت بالمخاض من الإبل وهي الحوامل، فلا يزال ابن مخاض السنة الثانية كلها، فإذا استكمل سنتين ودخل في الثالثة فهو ابن لبون، والأنثى بنت لبون، فإذا مضت الثالثة ودخل في الرابعة فهو حق والأنثى حقة، سميت بذلك؛ لأنها استحقت أن تركب، ويحمل عليها، فإذا دخلت في الخامسة فالذكر ثني والأنثى ثنية، وهما أدنى ما يجزئ في الأضاحي من الإبل والبقر والمعز، فإذا دخل في السابعة فالذكر رباع والأنثى رباعية، فإذا دخل في الثامنة فالذكر السدس وسديس لفظ الذكر والأنثى فيه سواء، فإذا دخل في التاسعة فهو بازل، والأنثى بازل بغير هاء، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف، ثم ليس له اسم، لكن يقال: مخلف عام ومخلف عامين وبازل عامين؛ لطلوع بازله وهو نابه، ثم لا اسم له بعد ذلك (المطلع: [1/ 124]).
(4) قال ابن مفلح المقدسي من الحنابلة: الخلطة مؤثرة في الزكاة، ولو لم يبلغ مال كل خليط، ولا أثر خلطة لمن ليس من أهل الزكاة، ولا في دون نصاب، ولا خلطة لغاصب بمغصوب، فإذا خلط نفسان فأكثر من أهل الزكاة ماشية لهم جميع الحول، فأكثر خلطة أعيان بأن يملكا مالًا مشاعًا بإرث أو بشراء أو غيره، أو خلطة أوصاف بأن يتميز مال كل واحد عن الآخر، فلو استأجر لرعي غنمه بشاة منها فحال ولم يفردها، فهما خليطان، وإن أفردها فنقص النصاب فلا زكاة، لكن يعتبر في خلطة الأوصاف أن لا يتميز في المرعى والمسرح والمبيت وهو المراح والمحلب وهو الموضع الذي تحلب فيه، وقيل: وآنيته والفجل. ذكره الخرقي والمحرّر، وقدم في المستوعب إسقاط المحلب وزاد الراعي وفسر المسرح بموضع رعيها وشربها، وأن أحمد نصَّ على ما ذكروه وفسر في منتهي الغاية، والمسرح بموضع الرعي، مع أنه جمع بينهما في المحرر متابعة للخرقي (الفروع: [2/ 293]).
(5) قلت: بل هناك شرطان آخران هما:
أن تبلغ النصاب.
ألا تكون عاملة.
[6] قال ابن تيمية: ومن شرطها أن تكون سائمة كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «ليس في العوامل صدقة» رواه أبو داود، وروى عن علي ومعاذ وجابر أنهم قالوا: لا صدقة في البقر العوامل، ومالك والليث يقولان: فيها الصدقة. (كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه: [25/ 38]).
قال فضيلة الشيخ القرضاوي: هذا ما ذهب إليه الجمهور، وخالفهم في ذلك ربيعة ومالك والليث، فأوجبوا الزكاة في المعلوفة من الإبل والبقر والغنم، كما أوجبوا في السائمة سواء بسواء عملًا بالأحاديث المطلقة التي لم يذكر فيها السوم (فقه الزكاة:[1/ 170]).
[7] صحيح: (رواه ابن ماجه في كتاب الزكاة [1792]، وقال ابن حجر في التلخيص: حديث: « » رواه أبو داود وأحمد والبيهقي من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة عن علي، والدارقطني من حديث أنس، وفيه حسان بن سياه وهو ضعيف، وقد تفرَّد به عن ثابت وابن ماجه والدارقطني والبيهقي والعقيلي في الضعفاء من حديث عائشة، وفيه حارثة بن أبي الرجال وهو ضعيف، ورواه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر، وفيه إسماعيل بن عياش، وحديثه في أهل الشام ضعيف، وقد رواه ابن نمير ومعتمر وغيرهما عن شيخة فيه، وهو عبيد الله بن عمر الراوي له عن نافع، فوقفه بكذا الدارقطني في العلل الموقوف، وله طريق أخرى، وصحَّحه الشيخ الألباني).
[8] السخلة: ولد الشاة من المعز والضأن ذكرًا كان أو أنثى، والجمع: سخل وسخال وسخلة وسخلان (اللسان: [11/ 332]).
[9] (رواه أبو داود في كتاب الزكاة [1574]، والترمذي في كتاب الزكاة [620]، والنسائي في كتاب الزكاة [2477]، وابن ماجه في كتاب الزكاة [1790]، وأحمد [713]).
الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]
- التصنيف: