الأحكام السلطانية للماوردي - (53) زكاة الذهب والفضة (5)

منذ 2014-09-24

وقد رأى شيخنا الدكتور القرضاوي حفظه الله أنه لا زكاة في الحلي، وقد أورد أدلة كثيرة في هذا، وفنَّد آراء المخالفين.

فَصْلٌ: "زكاة الذهب والفضة" (5)

وَأَمَّا الْمَالُ الرَّابِعُ فَهُوَ: الْفِضَّةُ وَالذَّهَبُ، وَهُمَا مِنَ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَزَكَاتُهُمَا رُبُعُ الْعُشْرِ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِي الْوَرِقِ رُبُعُ الْعُشْر»[1].

وَنِصَابُ الْفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ الَّذِي وَزْنُ كُلِّ دِرْهَمٍ مِنْهُ سِتَّةُ دَوَانِقَ، وَكُلُّ عَشَرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ، وَفِيهَا إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ هُوَ رُبُعُ عُشْرِهَا، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا إذَا نَقَصَتْ عَنْ مِائَتَيْنِ، وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا بِحِسَابِهِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا زَكَاةَ فِيمَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْنِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا، فَيَجِبُ فِيهَا دِرْهَمٌ سَادِسٌ، وَالْوَرِقُ الْمَطْبُوعَةُ وَالنِّقَارِ سَوَاءٌ.

وَأَمَّا الذَّهَبُ فَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا بِمَثَاقِيلِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ فِيهِ رُبُعُ عُشْرِهِ وَهُوَ نِصْفُ مِثْقَالٍ، وَفِيمَا زَادَ بِحِسَابِهِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ خَالِصُهُ وَمَطْبُوعُهُ، وَلَا تُضَمُّ الْفِضَّةُ إلَى الذَّهَبِ، وَيُعْتَبَرُ نِصَابُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ، وَضَمَّ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ الْأَقَلَّ إلَى الْأَكْثَرِ وَقَوَّمَاهُ بِقِيمَةِ الْأَكْثَرِ، وَإِذَا اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ تَجِبُ زَكَاتُهُمَا، وَرِبْحُهُمَا تَبَعٌ لَهُمَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ تَجِبُ بِحَوْلِ الْحَوْلِ عَلَيْهِمَا، وَأَسْقَطَ دَاوُد زَكَاةَ مَالِ التِّجَارَةِ، وَشَذَّ بِهَذَا الْقَوْلِ عَنِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا اتَّخَذَ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ حُلِيًّا مُبَاحًا سَقَطَ زَكَاتُهُ فِي أصَحِّ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَوَجَبَتْ فِي أَضْعَفِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنْ اتَّخَذَ مِنْهُمَا مَا حَظِرَ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي وَجَبَتْ زَكَاتُهُ فِي قَوْلِ الْجَمْعِ[2].
__________
(1) لم أقف عليه.
(2) قلت: واختلف العلماء في وجوب الزكاة في الحلي، فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وابن عباس أنَّهم أوجبوا فيه الزكاة، وهو قول ابن المسيب وسعيد بن جبير وعطاء وابن سيرين وجابر بن زيد ومجاهد والزهري، وإليه ذهب الثوري وأصحاب الرأي، وروي عن ابن عمر وجابر بن عبد الله وعائشة وعن القاسم بن محمد والشعبي أنهم لم يروا فيه زكاة، وإليه ذهب مالك ابن أنس وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو أظهر قولي الشافعي.
ذهب أبو حنيفة وابن حزم إلى أنه يجب في الحليّ من الذهب والفضة زكاة إذا بلغت نصاب النقدين: الذهب والفضة.
قال الترمذي: "رأى بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين في الحليّ زكاة، ما كان منه ذهب وفضة، وبه يقول سفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك".
وقد رأى شيخنا الدكتور القرضاوي حفظه الله أنه لا زكاة في الحلي، وقد أورد أدلة كثيرة في هذا، وفنَّد آراء المخالفين، ونكتفي هنا بإيراد تلخيصه لما ذهب إليه:
يقول أستاذنا الدكتور القرضاوي:

نستطيع تلخيص أحكام هذا المبحث حسبما رجَّحناه فيما يلي:

أ- من ملك مصوغًا من الذهب أو الفضة نظر في أمره، فإن كان للاقتناء والاكتناز ذخيرة للزمن وجبت فيه الزكاة؛ لأنه مرصد للنماء، فهو كغير المصوغ من السبائك والنقود المضروبة.

ب- وإن كان معدًّا للانتفاع والاستعمال الشخصي، نظرنا في نوع هذا الاستعمال، فإن كان محرَّمًا كأواني الذهب والفضة والتحف والتماثيل، وما يتخذه الرجل لنفسه من سوار أو طوق أو خاتم ذهب، أو نحو ذلك، وجبت فيه الزكاة؛ لأنه عدل به عن أصله بفعل غير مباح، فسقط حكم فعله، وبقي على حكم الأصل.

جـ - ومن الاستعمال المحرّم ما كان فيه سرف ظاهر من حليّ النساء، ويعرف ذلك بمجاوزة المعتاد لمثل هذه المرأة في مثل بيئتها وعصرها وثروة أمتها.

د - وإن كان الحلي معدًّا لاستعمالٍ مباح كحلي النساء في غير سرف وما أعد لهن، وخاتم الفضة للرجال، لم تجب فيه الزكاة؛ لأنه مال غير نام؛ لأنه من حاجات الإنسان وزينته كثيابه، وأثاثه ومتاعه، وقد أعدّ لاستعمال مباح، فلم تجب فيه الزكاة، كالعوامل من الإبل والبقر. 
ولهذا اختار الشيخ أبو زهرة أن يكون هناك حَدٌّ أعلى للقدر من التحلّي الذي يعفى من زكاة الذهب والفضة، وهو النصاب الشرعي، يعفى من الزكاة في الحلي ما تكون قيمته عشرين مثقالًا من الذهب "85جرامًا" إذا كانت هذه الحليّ للنساء، ولا يعفى شيء مطلقًا من حلية الرجال منَ الذهب؛ لأنَّ تحلي الرجال بالذهب ممنوع، ولا يشجع الممنوع بالإعفاء من الزكاة؛ ولأنه إذا أوجبت فيه الزكاة كان فيه مدعاة إلى التخلص منه ببيعه.
كما لا يعفى شيء من أواني الذهب، والتحف والتماثيل.
وما وجب فيه الزكاة من الحلي أو الآنية، أو التحف، يزكَّى زكاة النقدين، حتى ولو لم يكن من الذهب أو الفضة، ما دامت له قيمة يمكن أن يدخر ويباع بها، وذلك مثل عقود الماس والدر والياقوت والبلاتين، فيخرج ربع العشر، منه على حدة، أو مع بقية مال المزكى بشرط أن يكون نصابًا، أو يكمل بمال عنده قدر النصاب، وهو 85 جرامًا من الذهب.
وتعتبر القيمة لا الوزن هنا؛ لأن للصنعة أثرها في زيادة القيمة.

 

الكتاب: الأحكام السلطانية
المؤلف: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث  القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: المكتبة الشاملة
  • 2
  • 1
  • 14,082
المقال السابق
(52) زكاة الزروع (4)
المقال التالي
(55) عَامِلِ الصَّدَقَةِ (7)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً