زاد المعاد - هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها (3)

منذ 2015-01-01

كيف كان يخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة.

في مبدأ الجمعة

قال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن أبيه، قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائدَ أبي حين كُفَّ بصرُه، فإذا خرجتُ به إلى الجمعة، فسمع الأذانَ بها، استغفر لأبي أمامة أسعد بنِ زُرارة، فمكث حينًا على ذلك فقلت: إن هذا لعجز ألا أسأله عَنْ هذا، فخرجتُ به كما كنتُ أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة، استغفرَ له، فقلت: يا أبتاه! أرأيتَ استغفارَك لأسعد بنِ زُرارة كلما سمعتَ الأذان يومَ الجمعة؟ قال: أي بُنَيَّ! كان أسعدُ أولَ من جمَّع بنا بالمدينة قبل مَقْدَمِ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هَزْم النَّبيتِ مِن حَرَّة بني بَياضة في نقيع يُقال له: نقيع الخَضَماتِ. قلتُ: فكم كُنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا.

قال البيهقي، ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه من الراوي، وكان الراوي ثقة، استقام الإِسنادُ، وهذا حديث حسن صحيح الإِسناد انتهى.

قلت: وهذا كان مبدأ الجمعة. ثم قَدم رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأقام بقُباء في بني عمرو بن عوف، كما قاله ابنُ إسحاَق يوم الاثنين، ويومَ الثلاثاء، ويومَ الأربعاء، ويومَ الخميس، وأسسَّ مسجدَهم، ثم خرج يومَ الجمعة، فأدركته الجمعةُ في بني سالم بن عوف، فصلاَّها في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت أوَّل جمعة صلاها بالمدينة، وذلك قبل تأسيسِ مسجده.

قال ابن إسحاق: وكانت أوَّل خطبة خطبها رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيما بلغني عن أبي سَلَمة بن عبد الرحمن -ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقُلْ- أنه قام فِيهم خطيبًا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أمَّا بَعْدُ أيُها النَّاسُ، فَقَدِّموا لأَنْفُسكمَ تَعْلَمُنَّ وَالله لَيُصْعَقَنَّ أحَدُكم، ثُمَّ لَيَدَعَنَّ غَنَمَه لَيس لها رَاع، ثُمَّ ليقولَنَّ لَهُ ربُّه ولَيْس لَة تُرْجُمان، ولا حاجبٌ يَحْجبُه دُونه اْلَمْ يَاْتكَ رَسولي، فَبَلَّغَك، وآتَيْتك مَالًا، وأفْضَلْتُ عَلَيْكَ، فَمَا قَدَّمْتَ لِنَفسِك، فَلَيَنْظرنَّ يَمينًا وشِمالًا، فلا يَرى شَيئًا، ثُمَّ لَيَنْظرَنَّ قدَّامَه فَلاَ يَرَى غَيْرَ جَهنَّم، فَمَنِ اسْتَطاعَ أنْ يَقِيَ وَجْهَهُ منَ النَّارِ ولو بشقٍّ منْ تَمْرة، فَلْيَفْعَل، ومن لَمْ يَجد، فَبكَلمَةٍ طيِّبةٍ، فَإنَّ بِهَا تُجْزى اَلحَسنةُ بعَشْرَ أَمْثَالهَا إلى سًبعمائة ضعف، والسلام علَيكَم ورحمة الله وبركاته».

قال ابن إسحاق: ثم خطب رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرة أخرى، فقال: «إن الحمد للّه أَحمَدُهُ وأَسْتَعِينُه، نَعوذُ بالله مِنْ شرور أنْفُسِنا، وسَيِّئاتِ أعْمالِنا مَنْ يَهْدِه الله، فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضْلِل، فلا هادِيَ له، وأشْهَدُ أن لا إله إلاَّ اللهُ وَحْدَه لا شَريكَ له، إنَّ أحسَن الحَديث كِتابُ الله، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَيَّنَه الله في قلبه، وأدخله في الإِسلام بعد الكفر، فاختارَه على ما سواه مِنْ أحاديث النَّاس، إنَّه أَحْسَنُ الحديثِ وأبْلغُه، أَحِبُّوا ما أَحَبَّ اللهُ، أَحِبُّوا اللهَ مِنْ كُلِّ قُلوبِكُم، ولا تَمَلوا كَلامَ اللهِ وذِكْرَه، ولا تَقسُ قُلوبُكم، فإنَّه مِنْ كُلِّ مَا يَخْلُقُ الله يَخْتَارُ وَيَصْطَفِي، قد سمَّاه الله خِيرَته مِنَ الأعمال، ومُصطفَاهُ من العِبَادِ والصَّالح مِنَ الحديث، ومِنْ كُلِّ مَا أُوتيَ النَّاسُ من الحَلالِ وَالحَرَامِ، فاعْبُدوا الله ولا تُشْرِكوا به شَيْئًا، واتَّقوه حَقَّ تُقَاتِه، واصْدُقُوا اللهَ صالحَ ما تقولون بأفْواهِكم، وَتَحابُّوا بِرُوح اللهِ بَيْنكم، إنَّ اللهَ يَغْضَبُ أَنْ يُنكَثَ عَهْدُه، والسَّلامُ عَلَيكم وَرَحْمَة الله وبركاته» وقد تقدم طرف من خطبته عليه السلام عند ذكر هديه في الخطب.

  • 1
  • 0
  • 1,333
المقال السابق
هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها (2)
المقال التالي
هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجمعة وذكر خصائص يومها (4)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً