متى عُدْنا سُدْنا!
جاء إسلامنا العظيم حامِلًا إلينا كنزًا من القِيَم الرفيعة والمُثل العُليا التي لو كُنَّا ظللنا متمسكين بها؛ لظلّت لنا الريادة كما كانت لأجدادنا من قبل، ولمَا انتزعتها مِنَّا أممٌ لا تعرف عن عظمة الإسلام شيئًا، لكنها تتبع قِيمُه.
جاء إسلامنا العظيم حامِلًا إلينا كنزًا من القِيَم الرفيعة والمُثل العُليا التي لو كُنَّا ظللنا متمسكين بها؛ لظلّت لنا الريادة كما كانت لأجدادنا من قبل، ولمَا انتزعتها مِنَّا أممٌ لا تعرف عن عظمة الإسلام شيئًا، لكنها تتبع قِيمُه. فالقرآن والسنة يذخران بباقاتٍ من الأوامر والنواهي التي شمِلت حياتنا كلها لتقودنا إلى الأمام، ولم تدع ثغرةً واحدةً ترجِع بنا إلى الخلف كما حدث. فلو استعرضنا -بإيجاز شديد- بعضًا من هذه القِيَم مثل تقدير الوقت، احترام العمل، حب العلم وغيرها... لأدركنا ذلك.
فأما عن تقدير أهمية الوقت؛ فالوقت هو العمر، وعمر الإنسان هو رأسماله في الدنيا الذي سيستثمره مع الله، فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح الترمذي، رقم: [2416]).
ولمَّا كان الوقت هو وعاء العمل؛ فهذا يقودنا لمبدأ احترام العمل، ونذكر الرجل الذي نهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن المسألة ودعاه إلى العمل والكسب، فالعمل هو الذي يبني الأمم بما يُحقِّقه من إنتاجٍ يُغنيها عن المسألة كما هو الحال مع الأفراد، فَمِن المخزي حقًا أن نُصبِح عالةً على الأمم الأخرى في الحصول على كل متطلباتنا واحتياجاتنا.
أما العِلم بالنسبة للعمل فهو سببٌ ونتيجة؛ فلا عمل بدون عِلم، ولا قيمة للعلم بدون عمل، وبالعلم والعمل كانت الحضارة الإسلامية التي كان لها أكبر الفضل على الحضارات الغربية الحديثة. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح الجامع، رقم: [6298]).
أما العنصر المُكمِّل -لِما سبق- هو التزام الدقة في المواعيد، وللأسف الشديد أن التهاون في هذا الأمر من أخطر الآفات التي نُعانيها، مع أن الموعد من الوعد، والإخلاف بالوعد من النفاق؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح البخاري، رقم: [6095]).
وإخلاف الموعد بذلك يُعد من الكبائر بما له من تأثير سلبي على مستوى الفرد والمجتمع، فهو يُمثِّل عامِلًا أساسيًا من عوامل التخلُّف الحضاري، ويؤكد ذلك مدى حرص الأمم المُتقدِّمة على دقةِ المواعيد.
أما النظافة والطهارة -كقيمةٍ إسلامية- فهي شرطٌ لصحة الصلاة التي هي عِماد الدين، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح مسلم، رقم: [223]).
فبذلك نجد أن النظافة شرط للإيمان؛ بل أن مُجرَّد تلبُّس المسلم برائحةٍ كريهةٍ يحرِمه دخول المسجد فعن المغيرة بن شعبة أنه قال أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « [1] » (صحيح الجامع، رقم: [6092]).
وفي الآية الكريمة يقول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31].
فحُسن المظهر والترتيب والتنسيق والنظام في كل شيءٍ من القيم الإسلامية الهامة التي تتجلَّى في منظر المصلين وهم مصطفون في المسجد. ولو أن حياتنا اصطبغت بالنظام في كل شيء لاختلفت تمامًا. فلو اتخذنا النظام المروري كمثال؛ وكيف أن اتباعه يُفادينا خسائر جسيمةً في الأرواح والأموال، فقواعد المرور هي جزءٌ من القوانين التي تُوضَع لأجل السلامة والسلام العام وحِفظ الحقوق.
أما حُسن الخُلق ورُقي السلوك فيُمثِّل القيمة الأهم حتى أن الله تعالى عندما امتدح نبيه صلى الله عليه وسلم قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح الجامع، رقم: [1176]).
وقد بلغ الأمر من الدقة بشأن حُسن الخُلق حتى في اختيار الكلمة؛ يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم:26-24].
ولا زالت منظومة القِيَم الإسلامية طويلةً لتشمُل كل حركات المسلم وسكناته لتكون دعوةً حيَّةً ومُعبِّرة عن هذا الدين العظيم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (يعني الثوم).
- التصنيف:
- المصدر:
بنت سلامة
منذMohsen Azazy
منذ