حبيب الأطفال محمد صلى الله عليه وسلم
إن المُطّلِع على سيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يجد أن الطفل المسلم قد حظي باهتمامه الشديد من جميع الجوانب، ولم يتجاهله رغم مشاغله الكثيرة، وأعماله العظيمة.
إن المُطّلِع على سيرة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يجد أن الطفل المسلم قد حظي باهتمامه الشديد من جميع الجوانب، ولم يتجاهله رغم مشاغله الكثيرة، وأعماله العظيمة، بل أن تعامله مع الأطفال يؤكد على فهمه العميق لنفسياتهم وطبائعهم وشخصياتهم وما فيها من فروقٍ فردية، وحاجاتٌ نفسية، ودوافعٌ فطرية، وبناءً على ذلك فقد وجّههم صلى الله عليه وسلم بطريقته الحكيمة، وأسلوبه التربوي المناسب، وهذا ما سبق به نظريات رجال التربية الغربيين قديمًا وحديثًا.
إن كتب السيرة تفيض بالأمثلة الرائعة على تعامله الرحيم للطفل في كل جانبٍ من جوانب الحياة.. وهذه بعض الأمثلة أسوقها للاقتداء بها في تربيتنا وتعليمنا وتوجيهنا، وتعاملنا مع الطفل..
تعليمهم الآداب الاجتماعية:
- فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس الأطفال أدب السلام من خلال فعله، فكان إذا مرّ عليهم وهم يلعبون سلّم عليهم ومسح رؤوسهم، وكان يُوجِّه أنس رضي الله عنه بقوله: « » (رواه الترمذي).
- كذلك وجّه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أدب الطعام، فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: "كنت غلامًا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحيفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، فما زالت طعمتي بعد" (رواه البخاري ومسلم).
- كما ربّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الطفل على الحفاظ على حقه والتمسك به ضمن حدود الأدب والاحترام للكبار، "فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشرابٍ فشرِب منه، وعن يمينه غلامٌ وعن يساره الأشياخ، فقال للغلام: « ». فقال الغلام: لا والله يا رسول الله، لا أُوثر بنصيبي منك أحد فتله -أي وضعه- (رواه البخاري)، رسول الله صلى الله عليه وسلم، واحترم حقه ولم يُعنِّفه على ذلك.
غرس الأخلاق الفاضلة:
كذلك اهتم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بتثبيت الأخلاقيات الفاضلة في الأطفال منذ نعومة أظفارهم حتى يشبوا عليها وتُصبِح جزءً أصيلًا من شخصياتهم.
- فهذا عبد الله بن عامر رضي الله عنه يقول: "دعتني أمي يومًا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: تعال أُعطيك، فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: « » قالت: أردت أن أُعطيه تمرًا. فقال لها: « » (رواه أبو داود)".. وبهذا الموقف يُثبِّت صلى الله عليه وسلم خُلق الصدق في نفس الطفل من خلال تربية أمه له.
- وهذا موقفٌ آخر يؤصل في الطفل خُلق الأمانة بطريقةٍ عملية، فعن عبد الله بن بِشر الصحابي رضي الله عنه قال: "بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطفٍ من عنب، فأكلتُ منه قبل أن أبلغه إيّاه، فلما جئتُ به أخذ بأذني، وقال: « »" (رواه الشوكاني).
- وهذا موقفٌ ثالث لغرس خُلق حفظ الأسرار من خلال تعامله صلى الله عليه وسلم مع أنس رضي الله عنه الذي قال فيه: "خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمتي، قلت: يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت إلى صبيان يلعبون"، قال: "فجئت أنظر إلى لعبهم"، قال: "فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّم على الصبيان يلعبون"، قال: "فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثني إلى حاجةٍ له، فذهبت فيها وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في فيءٍ -ظل- حتى أتيته واحتبست عن أمي عن الإتيان الذي كنت آتيها فيه، فلما أتيتها، قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ له، قالت: وما هي؟ قلت: هو سِرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فاحفظ على رسول الله صلى الله عليه وسلم سِرّه"، قال ثابت: "قال لي أنس: لو حدّثتُ به أحدًا من الناس أو لو كنت مُحدِّثًا به لحدّثتك به يا ثابت" وهذا يدل على أنه توفي ولم يُحدِّث بسِرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم..
إشباع حاجته للحب واللعب:
ولم يكتفِ رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في تعامله مع الطفل على ذلك، بل تعدّاه إلى مداعبته والمزاح معه...
- فهذا أنس رضي الله عنه يقول: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخٌ يقال له أبو عُمير -وهو فطيم- كان إذا جاءنا قال: « »، -النغير: وهو طائر صغير كالعصفور كان يلعب به-، وربما حضرت الصلاة، وهو في بيتنا فيأمر بالبساط الذي تحته فيكنس ثم ينفخ، ثم نقوم خلفه فيصلي بنا" (رواه مسلم).
- وقد أدرك رسول الهدى صلى الله عليه وسلم حاجة الطفل إلى الحب والحنان والاهتمام، فغمر بهما الحسن والحسين رضي الله عنهما.
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "قَدِمَ ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أَتقبِّلون صبيانكم؟ فقال: « »، قالوا: لكنَّا والله ما نُقبِّل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
- وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوزِّع الحب على الأطفال من خلال المداعبة واللعب معهم، فيصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول: من سبق إليَّ فله كذا كذا، قال: فيسبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيُقبِّلهم ويلتزمهم.
- لقد بلغت رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وحبه للطفل، ورغبته في إشباع حاجته النفسية إلى الصبر عليه في الصلاة، فعن عبد الله بن شدّاد قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلِّي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قال الناس: يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدة قد أطلتها، فظننا أنه قد حدث أمرٌ أو أنه قد يُوحى إليك. قال: « » (رواه أحمد).
الوصية بتربية الإناث والعدل بين الأبناء:
ولم يقتصِر اهتمامه صلى الله عليه وسلم على الذكور وإنما أوصى بحُسن تربية الإناث بقوله: « » (رواه أحمد)، وهذا موقف عملي لرجلٍ كان كان مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فجاءَ ابنٌ لهُ فقَبَّلَهُ وأجلسهُ على فَخِذِهِ، ثم جاءتْ بنتٌ لهُ فأَجْلَسَها إلى جنبِه، قال صلى الله عليه وسلم: « » (حسّنه الألباني). وهذا العدل في معاملة الذكور والإناث يُمثِّل قمة التعامل بين الأنباء، ونفقده في أيامنا الحاضرة في معظم الأُسر.
الوصية باليتيم:
كذلك أوصى رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم برعاية اليتيم وحُسن تربيته فقال: « » يُشير بإصبعيه (رواه البخاري).
حبيب الأطفال:
إن ما سبق غيض من فيض من سيرة حبيب الأطفال محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أردنا الإطالة لكلّفنا هذا مجلداتٍ ومجلدات.. للشرح والاستفاضة في حُسن تعامله مع الأطفال، ويكفيه صلى الله عليه وسلم أنه مَلكَ قلوب الأطفال في زمانه حتى أنهم كانوا يقتلوا من يؤذيه صلى الله عليه وسلم..
فهذا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يصف ما حدث وهو في قلب معركة بدر فيقول: "بينا أنا واقفٌ في الصفِّ يومَ بدرٍ، فنظرتُ عن يميني وعن شمالي، فإذا أنا بغلامينِ من الأنصارِ، حديثةٌ أسنانهما، تمنيتُ أن أكونَ بين أضلعٍ منهما، فغمزني أحدهما فقال: يا عمِّ هل تعرفُ أبا جهلٍ؟ قلتُ: نعم، ما حاجتكَ إليهِ يا ابنَ أخي؟ قال: أُخْبِرْتُ أنَّهُ يَسُبُّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والذي نفسي بيدِهِ، لئن رأيتُهُ لا يُفارقُ سوادي سوادَهُ حتى يموتَ الأعجلُ مِنَّا، فتعجبتُ لذلك، فغمزني الآخرُ، فقال لي مثلَها، فلم أَنْشِبْ أن نظرتُ إلى أبي جهلٍ يجولُ في الناسِ، قلتُ: ألا، إنَّ هذا صاحبكما الذي سألتماني، فابتدراهُ بسيفهما، فضرباهُ حتى قتلاهُ، ثم انصرفا إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأخبراهُ، فقال: « ». قال كلُّ واحدٍ منهما: أنا قتلتُهُ، فقال: هل « ». قالا: لا، فنظرَ في السيفيْنِ، فقال: « » (رواه البخاري)".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(بتصرُّف).
ليلى عبد الرشيد عطار
- التصنيف:
- المصدر: