الخروج من دائرة الإحباط وقسوة القلب
كثير منا يهتم لأمته اهتمامًا سلبيًا يقسو معه قلبه. فلا هو حافظ على الفرح بالطاعة كما كان أول هدايته، ولا هو أنقذ أمته. فيما يلي توصيات مركزة حتى لا نَعْلق في المنتصف بهذا الشكل
أيها الأحبة، كثير منا يهتم لأمته اهتمامًا سلبيًا يقسو معه قلبه. فلا هو حافظ على الفرح بالطاعة كما كان أول هدايته، ولا هو أنقذ أمته.
فيما يلي توصيات مركزة حتى لا نَعْلق في المنتصف بهذا الشكل:
1- سلم لقضاء الله تسليمًا صادقًا غير سلبي:
- فالهم لأحوال الأمة عندما يوصل لليأس وازدراء الطاعات فإنه كثيرًا ما يكون غلافًا للسخط على القدر!
تذكر أنه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} [الأنعام من الآية:112].
لكن، هل يعني ذلك ألَّا نسعى لتغيير الواقع بحجة أنه مقدَّر؟
لا بالتأكيد. وإنما ألَّا يكون حزننا مشوبًا برفضٍ لقدر الله وشكٍّ في حكمته!
- ارض عن قضاء الله، ثم اسخط على نفسك إن قصَّرت في إصلاح واقع المسلمين، وارض عنها إن أطاعت.
2- اعرف ما الغاية؟
خطأ كبير أن تجعل الغاية النهائية التمكين للمسلمين في الأرض ثم تحكم على كل عمل لا يؤدي إليها -في نظرك- بأنه عديم القيمة!
بل الغاية طاعة الله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} [الحج من الآية:41]. الغاية هي العبادة بمفهومها الشامل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. وإنما التمكين وقيام الدولة المسلمة ورفع الجور عن المسلمين هو لحراسة الطاعة والعبادة.
نعم، قد نختلف على تحديد الطاعة المثلى والأعظم أجرًا، لكن ليس لنا أن نحقر طاعة على اعتبار أنها (لا توصل إلى الهدف)! فهي بحد ذاتها هدف.
هذا ما يميز الدعوة الإسلامية التي لامَ الله نبيه فيها على الانشغال بأشراف قريش عن أعمى فقال له: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ . فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ} [عبس:11-12]. فجواب سؤال الأعمى كان أعظم عند الله قربى من محاولة رفع الجور عن المسلمين بإقناع أصحاب القرار بمكة.
وعندما أسلم الغلام اليهودي ثم مات فرح به النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنقذه الله به من النار مع أن إسلامه قبيل وفاته لم يسهم في التمكين.
لا نريد أن نصبح كأصحاب الدعوات الأرضية، بأن نجعل التمكين هدفًا نهائيًا ونحكم بعدها على أعمالنا نجاحًا وفشلًا على أساسه! فهذه نظرة أرضية ولو ظنناها سماوية بحتة!
قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح مسلم:2626).. أيَّ شيء مهما صغر في نظرك، ومن حقَّر طاعاته وطاعات الناس فهو يخالف نهي النبي صلى الله عليه وسلم، ويضيف بذلك معصية إلى معصية خذلان المسلمين التي تؤرقه!
نحى رجل غصنًا عن طريق المسلمين فدخل الجنة، وسقت امرأة كلبًا فدخلت الجنة، وليس لك أن تزدري أمورًا عظمها الله تعالى!
تعليم الناس الطهارة، تعليمهم حديثًا، تنقية قلب عبد من شبهة، خشوعك في صلاتك، سعيك على عيالك.. كلها تصب في الهدف الأعظم: (طاعة الله). فلا يجوز أن تُذم أو تزدرى.
انظر إلى الطاعات الجزئية على أنها جزء من سعيك لتعبيد الناس لربهم ونهضة أمتك، فكلما رأيت كلمة طيبة وفعلًا طيبًا اعتبرتها أساسًا يُعتمد عليه لبناء حب الله في قلوب العباد وجزءًا من مشروعه نهضة الأمة، وحينئذ فلن تحقر من المعروف شيئًا.
وإنما الذي يُذم هو ادعاؤك أن هذه الطاعات تغنيك عن نصرة المسلمين ومقارعة الكافرين والمنافقين. فلا تُذمُّ طاعاتُك نفسُها حينئذ، بل يذم عدم تكميلها بالواجبات الأخرى. والفرق بين الأمرين مهم جدًا.
الذي يُذم هو ما يمارسه مشايخ الأنظمة الذين يلفتون الناس عن الاهتمام بواجب نصرة المسلمين والسعي لتمكين الدين بإشغالهم ببعض الطاعات والمندوبات. فعلينا أن نقلب هذا عليهم ونجعل هذه الطاعات مقدمة وأساسًا للانطلاق إلى سائر قضايا الأمة ونهضتها.
استمد من الفرح بطاعتك القوة على التخلص من تقصيرك، وإياك أن يجعلك تقصيرك تحقر طاعتك، أو يجعلك تقصير الآخرين تحقر من طاعاتهم. لا نتكلم عن التحقير بمعنى استصغار العمل في جنب الله تعظيمًا له سبحانه، بل عن الشعور باللاأهمية واللاجدوى من هذه الطاعات!
فتحقير الخيرات ذنب يضاف إلى التقصير في نصرة الأمة!
«
بأي حق تحبط عملك أو أعمال إخوانك بغير ما نص الله على أنه يحبط العمل؟
التقصير في نصرة الدين ذنب، لكن من أين لك أنه يحبط العمل حتى تقول: (لا يفيد) أو (على الفاضي)؟! وقد علمت أن أحكم الحاكمين تعالى قد قال: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47].
إذن، حتى لا يقسو قلبك بعد الاستقامة، سلم لقضاء الله تسليمًا غير سلبي، واعلم أن الغاية طاعة الله وعبادته.
3- اعرف ما المطلوب منك:
المسؤولية في الإسلام فردية: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [المائدة من الآية:105]، {لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ ۚ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء من الآية:84]. ومن ذلك طبعًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لئلا تؤاخذ بإساءات الغير. لكن لا تدع إساءاتهم تثبطك.
الله تعالى يحاسبك على عملك لا على النتائج كإنقاذ الأمة.. هذا يمنحك طمأنينة، إذ أنك تطمئن بقدر ما تبذل لا بقدر ما يتحقق على أرض الواقع. نعم، لا بد أن نراجع أنفسنا لماذا لم تتحقق النتائج؟ وهل كنا مقصرين فنستدرك النقص ونعالج الأخطاء؟ لكنك تتذكر في الوقت ذاته أن نجاحك ليس مرهونًا بتغيير الواقع بل يسير معك خطوة بخطوة بحسن اتباعك لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ستقول: هذا ما يؤرقني! أني لا أدري ما طريق النبي لأتبعه وسط هذه الاختلافات المنهجية.
أقول لك بداية: تذكر أن المسألة ليست صفرًا أو مئة بالمئة، {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا} [الأحقاف من الآية:19].
إتقانك للطاعات التي تستقلها يؤهلك أن ينوِّر الله بصيرتك لنهج النبي والطاعات المثلى، {وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم من الآية:76].
الإنجازات المرحلية تؤهلك للاصطفاء للمهام العظمى، ولعدم الانتكاسة بعد الاصطفاء. كم من أناس أهملوا قلوبهم وأمراضها، فلما تصدوا لنصرة الأمة انقضت عليهم أمراضهم فأساؤوا وزادوا الأمة وبالًا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا!
اعلمْ أن فاقد الشيء لا يعطيه، فمن لم يُحكم بناء نفسه فلن ينقذ أمته. احرص على نور قلبك لتفيض بالنور بعد ذلك على الناس.
وهذا يتطلب نفسًا منشرحة.. تحرص على خشوعك وأورادك، تفرح لضحكات صغارك، تأنس بأهلك وإخوانك، تتقن دراستك وعملك.
صناع مجد الأمة لهم آباء أحكموا بناءهم الداخلي فبارك الله في أعمالهم (الشخصية)، وكان لهم من بعد ذلك سهم في الخير العميم.
والله تعالى أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله.
هذه الكلمة محاولة لحل المشكلة المطروحة في مقال لماذا تقسو قلوبنا بعد (الالتزام)؟!
- التصنيف: