طفلي والمذاكرة!
هناك طرق سهلة جدًا توصلك للمطلوب، لكن على حساب تعلم الطفل كيفية تحمل المسؤولية وأن تنبع من داخله.
بمناسبة المدارس والمذاكرة والضغط العصبي والشكاوى من الأطفال في مسألة المذاكرة!
في تربيتك لأولادك خصوصًا الذكور الله يهديهم ويصلح حالهم:
هناك طرق سهلة جدًا توصلك للمطلوب، لكن على حساب تعلم الطفل كيفية تحمل المسؤولية وأن تنبع من داخله.
على سبيل المثال:
- في المذاكرة يمكنك استخدام أسلوب الرشوة والمحايلة والتدليل، ثم يفيض الكيل بك فتضربيه (بشبشب منزلي غليظ القوام) لأنك ضغطي على نفسك أكثر من اللازم!
- ويمكنك أن تجلسي بجواره بالساعات ترددي القطعة وهو يردد خلفك في ملل ويشاكلك كل لحظة حتى تصلي لمرحلة تفتحي فيها يدك من تحت الإبط حتى أوسع مدى لها ثم تسقطيها على أي جزء من جسده متلذذة بصوت الطرقعة الصادر عنها، متشفية منتقمة مما عانيتيه في الساعات الماضية!
وغير ذلك من الأساليب التي تعتمد عليك كمحور أساسي بدونه لن يفتح الطفل كتابًا ولا كراسًا ولن ينجح ولن يفلح في دراسته!
ولا بد عندك من جلوسك بجواره قائمة بدور (خيال المآتة) العتيق
وكثيرًا ما تتغافلين عن طول اللسان وكلمات الاستفزاز (عشان ليلة الاختبار تعدي على خير!)
النتيجة...
استعدي حين يصير ولدك رجلا طويلا عريض المنكبين للذهاب معه إلى محل عمله لتغني للمدراء والزملاء: "كوتوموتو يا حلوة يا بطة.. وخدوا بالكم من ابني!".
لا شك أن الرسائل التربوية التي تمرر فيها أفكار متميزة ومهمة جدٍا.. وبالتأكيد لعلك حاولتِ العمل بما فيها حتى وصلتِ لمرحلة الدعاء على من اخترع الوسائل التربوية الحديثة!
إذن ما هو الحل ولماذا لم تنجحي في استخدام الأفكار الطيبة في هذه الرسائل؟؟!
هناك طرق أصعب وأطول وتحتاج منك إلى صبر وعزيمة و(برود).. يمكننا أن نطلق عليها (رمي الكرة في ملعب طفلك!).. ولكي تنجحي في تطبيق الرسائل التربوية الجميلة فأنت بحاجة لاستخدام نفس الإستراتيجية!
أختي المربية!
دعك من ضغط اختبارات الشهور والواجبات وشكاوى المدرسين والاستقبال الحار الذي يستقبلونك به في المدرسة...علقي قلبك بالله مستعينة به..جمدي قلبك قليلا!
نحن بصدد فهم إستراتيجية مهمة جدًا في التربية..وهي إزاحة تحمل المسؤولية من على كاهلك إلى كاهل طفلك وسحب بساط سيطرته عليك إلى بساط سيطرتك على الموقف بينك وبينه!
كلمة السر: كلما شعر الإنسان أن هناك من يتحمل المسئولية الأدبية أو النفسية عنه كلما تدلل!
الآن أنت بحاجة إلى تعليم الطفل الآتي:
- معنى مذاكرة..كيف أذاكر..كيف أحفظ...ثم اتركي له مساحة لتجريب ما يراه ملائمًا له بدون تواجدك في المكان مع إعطاء وقتًا مناسبًا من وجهة نظرك.
فإذا لم يحقق المراد: أظهري الأسف وقولي له حان الآن وقت تجريب طريقتي أنا.. ثم اختاري أسلوبًا مملا عقيمًا في الحفظ كالكتابة عدد مرات معينة، وعليه أن يكتب وهو في غرفته وأنت خارج الغرفة... ويتضمن ذلك ضياع وقت راحته أو وقت نزهته أو وقت الكارتون المفضل له!
سيحاول بشتى الطرق أن يثبت لك أن طريقتك خطأ... أخبريه ببساطة أن له فرصة كاملة لابتكار طريقة مناسبة له ويمكنك أن تساعديه بنقاش مثمر واقتراحات مع ترك حرية التصرف كاملة له..ثم أخبريه أنه إذا أضاع الوقت فـ"ستضطري آسفة إلى اعتماد طريقتك ولا بد أن ينفذها مهما خسر من وقت وراحة ومتع...!"
هذا الأسلوب هو عبارة عن: إما أن يكون لك السيطرة على الموقف مقابل أن تريني من نفسك خيرًا... إما أسحب منك السيطرة وأطبق طريقتي أنا حتى لو كانت طريقتي فاشلة لأن:
"من يريد النجاح ينجح لنفسه، ومن يريد الفشل فالأمر يعود إليه! وعليك تحمل نتيجة أفعالك وعواقبها". وتطبيقك لطريقتي في المذاكرة هي نوع من تحمل عواقب فعلك ونتيجة أفعالك.
انتهبي!
اسألي نفسك: هل فعلا طفلي يعاني من مشاكل عقلية أو عدم فهم للدرس ويحتاج إلى علاج ذلك قبل اعتماد الإستراتيجية أم أنه يتدلل ويعاند ويريد اللعب ولا يشعر بأهمية التعليم؟؟
فإجابة هذا السؤال يعتمد عليها طريقة تطبيقك للإستراتيجية.. قد تحتاجين لحوار في وقت الصفاء وتكرار مفاهيم كثيرة..لكن الطفل العنيد أو الذي يفقد شعوره بالمسؤولية يحتاج إلى ممارسة عواقب أفعاله ويحتاج إلى مساحة من الحرية لكي نستفز الدافع الداخلي عنده ونتركه يعمل..تذكري: أنت لست باقية لولدك إلى الأبد!
قد يمكنك ممارسة دور السيطرة والرقيب المستمر والحث المستمر لكي يذاكر...فاعلمي يا غالية: أنكِ بهذا قد غرست بجدارة كراهية التعليم في نفس طفلك!
في هذه الإسترايحية أنت بحاجة أيضًا إلى مساحة من علاقة الطيبة تنشأ بقصة وضحكة ومديح وتقدير ورسائل حب ونظرات فخر ومشاركة في بعض اللعب والترفيه...وغير ذلك خلال النهار.
أنت بحاجة لمعرفة أن الأمر يحتاج إلى وقت وصبر وجهد..
أنت بحاجة كذلك إلى حوارٍ راقٍ عن أهمية العلم والتعليم...
رجاء كفي عن بث كراهيتك ومعاناتك مع الدراسة..
كفي عن قولك: "طالما كرهت الرياضيات وفشلت في البلاغة!"..
كفي عن السخرية من العلم على سبيل الروشنة وتسميتك لمادة النحو..بـ(نحو الأمية!!).
يا سيدتي لقد نضجتِ وصرتِ أمًا! فكوني أولا على مستوى المسؤولية!
- ٍأنت بحاجة أيضًا إلى ترتيب عواقب مؤثرة قريبة:
فعليك أن تمنحي نفسك وقتًا للتفكير في وسائل التعذيب... أقصد العواقب التي سيتحملها عند الثورة وهو ما لابد أنه سيحدث
على سبيل المثال:
- لا بأس أن يثور ويقرر أنه لم يؤدي الواجب الدراسي تقبلي هذا ببرود وتحدثي بهدوء عن شعور الحرج وسط زملائه حينما تعاقبه المدرسة وتصفه بأنه (بليد). وتعجبي من عدم قدرته على عمل الواجب رغم ذكائه وحسن خطه (مثلا)!
أظهري تعاطفك وأسفك لعدم استغلاله إمكانياته!
أظهري لامبالاتك.. فهذا مستقبله هو.. لأن "الحمد لله أنتِ أنهيتِ دراستكِ ونجحتِ وكبرتِ وتزوجتِ وأنجبتِ".
- لا تنضغطي ليلة الاختبار؛ لا يوجد أي مانع من تركه يتحمل عاقبة عدم المذاكرة ويرسب في شهر من الشهور.. تذكري كلما بدأتِ مبكرًا كلما أنجزتِ نجاحًا موضوعيًا.
الرسوب يعني أن عليه أن يتحمل عاقبة مؤثرة أخرى تدبريها تدبيرا بعناية (احترسي.. ابتعدي عن مصروف الطفل اليومي!). مع إظهار كامل تعاطفك معه وتحميله مسؤولية الرسوب بطريقة عاطفية.. وليس بطريقة "ألم أقل لك"!!
يمكنك هنا أيضًا كنوع من تحميل العواقب أن تسحبي منه طريقة مذاكرته وتفرضي عليه طريقة مملة في المذاكرة لفترة.. انتهزي فرصة أن يأتيك ليتفاوض معك على تغيير طريقة المذاكرة وابدئي في ممارسة الطريقة المذكورة أعلاه: تعليمه طرق مختلفة وترك حرية الاختيار له مع عدم تواجدك في مكان مذاكرته.
- يمكنك مساعدته في تقسيم أهداف المذاكرة بحيث يشعر بحلاوة الإنجاز وحفزيه بالكلمة الطيبة...كوني دائمًا رغم كل ذلك عضدًا يتكئ عليه حتى لا يشعر بالإحباط والفتور... تذكري أنتِ مربية بحاجة للتوازن مع طفلك.
- إذا حددتما هدفًا قصير المدى (إنهاء صفحة كذا مثلا) كوني باردة: تريد مشاهدة الكارتون أو اللعب بكذا.. بإذن الله بعد إنهاء هذه الصفحة بطريقة مرضية سأسمح لك بذلك.. (اهتمي بصياغة كلامك معه) إذا أنهيته في دقائق فلك ما طلبت... إذا أنهيته بعد 3 أيام فلك ما طلبت.
أظهري قلة الحيلة دائما لرمي الكرة في ملعبه..."ماذا بيدي لأفعل؟! الأمر بيدك أدِ ما عليك وخذ ما لك".
إذا كان زوجك غير مقتنع بهذه الطرق ويميل إلى عقوبات فورية وأنتِ قد اقتنعتِ بهذه الطريقة...فاجعلي منه عاقبة مؤثرة!
بمعنى لا بأس أبدًا من ترك الولد حتى يقع (في شر أعماله) ويأتي الوالد لتوقيع عقوبة فورية صارمة أو الصراخ في وجهة أو أي طريقة يتعامل بها.
ووقتها تكلمي مع ولدك بتعاطف وقولي له: "أنت من اختار لنفسك هذه العاقبة! فلا تعرض نفسك لذلك".
هذا غيض من فيض، وفكرة عليك تطويرها وإخراجها بما يلائم بيتك في ثوب قشيب ويمكنك توسيع فكرتك بقراءة كتاب: (حاول أن تروضني).
وأتفهم أنها قد تبدو وسائل صعبة وطويلة المدى ونحن قد اعتدنا السرعة ولذة الإنجاز السريع.. وسيأتي عليكِ أيام ضغوط شديدة،
لكن هذا الطريق رغم وعورته فإننا نأمل أنكِ إن حاولتِ السير فيه حتى لو قصّرتِ وفترتِ خلاله فبقدر سيرك بإذن الله تحققي نسبة تتلائم مع جهدك وتساهمي في بناء شخصية مسؤولة.. فقد سأمت أعيننا من مشاهدة هذه الأشكال الضعيفة الخائرة المعتمدة على أهلها بطريقة مخزية.
يا إخواننا نحن نريد بناء جيل يخرج منه (صلاح الدين) و(ابن تيمية) فلا تستكثروا فيه البذل.
وأخيرًا وأولًا أقول لك:
أين قلبك واستعانتك بالله؟ أين دعاؤك؟؟
أنت لا يمكنك أن تحققي نجاحًا بأي إستراتيجية تربوية بغير حسن استعانتك بالله وافتقارك إليه ومعرفتك قدر نفسك وقدر ربك وتذكري أن تربيتك عبادة وقربة إلى الله فهي نوع من الدعوة وديننا هو دين التربية للفرد والمجتمع. فاستشرفي لحفظ الله لأولادك بإصلاحك دينك وما بينك وبين ربك. {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:82].