عولمة الغضب

منذ 2014-12-18

منذ زمن ليس بالطويل، يلحظ من يراقب العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني، أن هناك استدراجاً واستغضاباً واستفزازاً متعمداً للمسلمين، يتنامى ويتنوع بصورة مطردة، في شكل غزوات عسكرية، أو حملات ثقافية وإعلامية، أو محاصرات اقتصادية، وأخيراً... تهجمات دينية. وأصبحنا لا نكاد نرى مكاناً في العالم الإسلامي غير مستهدف بجل أو كل تلك التحديات.

منذ زمن ليس بالطويل، يلحظ من يراقب العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب النصراني، أن هناك استدراجاً واستغضاباً واستفزازاً متعمداً للمسلمين، يتنامى ويتنوع بصورة مطردة، في شكل غزوات عسكرية، أو حملات ثقافية وإعلامية، أو محاصرات اقتصادية، وأخيراً... تهجمات دينية. وأصبحنا لا نكاد نرى مكاناً في العالم الإسلامي غير مستهدف بجل أو كل تلك التحديات.

وتتجاوز حملة الاستغضاب والاستدراج لتخرج من النطاق الجغرافي للعالم الإسلامي لتنتقل إلى المسلمين المواطنين أو المستوطنين في أكثر بلدان العالم الغربي بغرض إشعار كل مسلم في العالم أنه تحت المواجهة، بشكل أو بآخر، إما أمنياً أو اقتصادياً أو حضارياً أو عسكرياً أو سياسياً أو ثقافياً!

من اللافت للنظر أيضاً أن من يستغضبون عموم المسلمين اليوم، ليسوا من أبناء طائفة واحدة من النصارى، حتى يقال إن بينهم وبين المسلمين ثأراً أو قضية، ولكن عداء أولئك يصدر من جميع طوائفهم، بروتستانتية كانت أو كاثوليكية أو أرثوذكسية، مع قدر غير قليل من التعاون الجلي والخفي مع اليهود ؛ فهؤلاء جميعاً مع اختلاف بعضهم مع بعض إلى حد أنهم يلعن بعضهم بعضاً، ويكفِّر بعضهم بعضاً ؛ إلا أنهم يجتمعون في هذا المسار، مسار التحدي والاستكبار على المسلمين.

فمن جرائم البروتستانت المتواترة والمتكاثرة من الأمريكيين والبريطانيين والأستراليين والدانماركيين والنرويجيين، إلى جحود الكاثوليك من الفرنسيين والإيطاليين والأسبان، إلى أحقاد الأرثوذكس من الروس والصرب، إلى تعاون كل هؤلاء وتواطئهم مع حثالات اليهود في الشرق والغرب؛ فالهجمة اليوم عامة، وهي مستأنفة تمثل امتداداً لهجمات استعمارية بروتستانتية وكاثوليكية وأرثوذكسية ويهودية طالت غالب أوطان المسلمين على مدى ما مضى من قرن ونصف. والآن تمتد لتشمل العالم الإسلامي دفعة واحدة لإغضابه دفعة واحدة، ودفعه إلى الارتباك والارتجال.. طمعاً ربما في إحداث (فوضى خلاَّقة) دولية! إنها عولمة من نوع جديد: عولمة للغضب.. تهدف إلى تدويل الغضب الإسلامي بعد إيقاظه!

لقد نجحت عولمة الغضب في صهر العالم الإسلامي كله في بوتقة غضبية واحدة، بعد تلك الجريمة النكراء الشنعاء التي تطاول فيها سفهاء الروم من سكان أوروبا على النبي الكريم المرسل إلينا وإليهم وإلى الناس أجمعين صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً فلأول مرة في التاريخ المعاصر، تحدث على مستوى المسلمين (انتفاضة عالمية) تعم كل مكان في الأرض، لتشمل كل نَسَمَة مسلمة تشهد لله بالوحدانية وللنبي بالرسالة، ولأول مرة يجري التعامل مع (العالم الإسلامي) على أنه شيء واحد، في مقابل (العالم الغربي)، فتصدر التصريحات وتلقى البيانات وتوجه الكلمات والوساطات إلى: (العالم الإسلامي) وليس إلى بلد معين أو منظمة معينة أو تجمع إقليمي معين ؛ فهل كان هذا مقصوداً؟! هل أراد هؤلاء أن يكرسوا هذا التقابل المتناقض بين (عالمين)، ليكون ذلك من الآن فصاعداً لغة التخاطب بين العالم الإسلامي والعالم الغربي؟!

لقد عاش العرب والمسلمون في السنوات الأخيرة وهم يتصورون أن الصراع اختُصر مع أمريكا وحليفتها (إسرائيل) وأن الغرب ليس أمريكا فقط، فإذا هم اليوم (يفاجَؤون) بأن الغرب عالم واحد وموقف واحد، ويناصر بعضه بعضاً {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] فهل نحن بصدد دخول عملي في (عولمة) للصراع مع المسلمين، أو ما يطلقون عليه صراع الحضارات؟!
وهل هو تدشين مبكر لملاحم عالمية جديدة لا يعلم مداها إلا الله؟!

الذين بشروا بـ (صراع الحضارات) يعلمون أن هذا الصراع، هو تاريخ البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل؛ حيث كان جزء كبير منه صراعاً بين الحق والباطل، ولهذا لم يكن صراع الحضارات أو الثقافات أو الأديان شراً كله، بل كان في أحيان كثيرة طريقاً وحيداً، يُكْرَه عليه المؤمنون لإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإفاضة البلاغ للعالمين، ودفع شر الأشرار وبأس الكفار بجهاد وجلاد الأخيار {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ[البقرة:251].

والفساد اليوم يهدد الأرض كلها بحماقات الغرب المحادِّ لله ورسله... فساد في الاعتقاد وفساد في الأخلاق وفساد في الإعلام وفساد في المجتمعات وفساد في الأسر وفساد في العلاقات وفساد في البيئة، ومع هذا يراد (عولمة) كل هذا الفساد بالقوة؛ لأنه يمثل نموذج الحضارة الأخير الذي ينبغي إخضاع كل الحضارات له، ولو أدى ذلك إلى صدامها وصراعها.

أليس هذا ما تؤمن به وتدعو إليه وتسير فيه الصقور والنسور الحاكمة في أمريكا وبريطانيا وأستراليا وفرنسا وإيطاليا... وأخيراً.. (الدجاج المتوحش) في كل من الدانمرك والنرويج وإسبانيا؟! دعك من الشعوب، في التهائها وغفلاتها، فهي تُستَغَل وتُستغفَل من كبرائها وزعمائها، لتساق إلى أتون مواجهة، قد لا ترضى بها ولا توافقها عليها.

لقد تنامى التحذير من تفجير (صدام الحضارات) بعد الأحداث الأخيرة التي اندلعت في العالم بسبب الرسوم المسيئة، ونحن في حاجة إلى أن نعيد قراءة الأطروحة، أو النظرية المسماة بذلك الاسم، لنتدبر شأننا، وننظر إلى مواضع خطانا، ونحكم بعين البصيرة على هذه النظرية الخطيرة التي احتفى بها الغرب، أهي أسطر في كتاب فكري... أو تخطيط لانقلاب كوني؟

صراع الحضارات: نظرية أم إستراتيجية؟
صاحب هذه النظرية: (صموئيل هنتنجتون) أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد الأمريكية، وقد صاغ أطروحته لأول مرة في شكل مقالة نشرت في صيف عام 1993 م في دورية (فوريجن أفيرز)، وكان ذلك بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة التي رأى الغرب بعدها أن عدوه الشيوعي قد توارى، ليبدأ البحث عن عدو جديد، ثم ألَّف هنتنجتون كتاباً في الموضوع ذاته بعنوان (صدام الحضارات... إعادة صنع النظام العالمي) والعنوان نفسه يشي بأن الأمر ليس مجرد نظرية، بل هو إستراتيجية (عملية). فقد تضمن أفكاراً هي أقرب إلى الخطط، وفرضيات يراد تحويلها إلى حتميات.

ولْنُعِد التأمل في أهم مرتكزات ومنطلقات ذلك الكتاب / النظرية / الإستراتيجية:
1 - الدين هو أهم العوامل التي تميز بين الحضارات، وهو العامل الأهم في صراعات المستقبل.
2 - القرارات التي تصدر عن المنظمات الدولية ينبغي أن تخدم مصالح الغرب، ولكنها تقدم في صورة إرادة المجتمع الدولي.
3 - المجتمعات الإسلامية لا تحدد هويتها إلا بالإسلام (الأصولي)، ورفض العلمانية الغربية هو أكبر الحقائق الاجتماعية في بلاد المسلمين طوال القرن العشرين.
4 - الكتل الاقتصادية الإقليمية المتنافسة هي صيغة الاقتصاد العالمي في المستقبل.
5 - الصراعات العسكرية بين الحضارات الإسلامية والغربية استمرت عدة قرون وسوف تستمر وتزداد في المستقبل، وقد تكون أكثر قساوة.
6 - الازدياد السكاني للعالم الإسلامي سيسبب المشاكل لأوروبا بسبب الهجرات المتزايدة صوب الغرب.
7 - أطراف العالم الإسلامي هي مناطق صدام بين الإسلام وغيره من الأديان:
في الجنوب (جنوب السودان نيجيريا الصومال إريتريا إثيوبيا) في الشمال:
(البوسنة كوسوفا ألبانيا مع الصرب، أرمينيا مع أذربيجان، روسيا مع أفغانستان، باكستان مع الهند، الفلبين مع الجنوب الإسلامي الفلبيني)، فحدود العالم الإسلامي حدود دامية.
8 - حروب المستقبل ستشهد تحالفاً وتضامناً بين حضارات ضد حضارات.
9 - الحضارة الغربية تعيش مرحلة القمة الآن، اقتصادياً وعسكرياً.
10 - الغرب سيسيطر على بقية العالم عن طريق المؤسسات الدولية.

ثم يخلص الكاتب إلى توصيات، قال إن على الغرب أن يتبناها لمواجهة صراعات المستقبل. وقد قسم السياسات الموصى بها إلى قسمين:
سياسة على المدى الطويل، وسياسة على المدى القصير.
أما على المدى القصير، فقد قدم التوصيات التالية:
- على الغرب أن يسعى إلى تعاون أوثق داخل دول الحضارة الغربية، وخاصة بين دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
- ضرورة السعي لدمج دول شرق أوروبا وأمريكا اللاتينية في المجتمع الغربي واستغلال التقارب الثقافي (الديني) في هذا.
- السعي للحفاظ على علاقات تعاونية أوثق بين كل من روسيا واليابان.
- منع تطور الصراعات المحلية داخل الحضارة الغربية إلى صراعات كبيرة.
- العمل على الحد من توسع القوة العسكرية للدول الإسلامية والكونفوشية (الصين وكوريا وفيتنام واليابان).
- عدم السعي إلى تخفيض القوة العسكرية الغربية، مع أهمية الاحتفاظ بقوة عسكرية في شرق وجنوب آسيا (إندونيسيا باكستان أفغانستان الخليج).
- استغلال الخلافات بين الدول الإسلامية والكنفوشية والهندوسية.
- دعم الجماعات المتعاطفة مع القيم والمصالح الغربية (الليبراليين) في دول الحضارات الأخرى.
- تقوية دور المؤسسات الدولية التي تعكس مصالح الغرب وقيمه وتمنحها الشرعية.
أما على المدى الطويل، فملخص مقترحات هنتنجتون هو: أن على الحضارة الغربية أن تحتفظ بقوتها العسكرية والاقتصادية، وتعمل في الوقت نفسه على مقاومة محاولات الحضارات الأخرى في السعي للحصول على أسباب القوة الاقتصادية والعسكرية، مع أهمية أن تفهم دول الحضارة الغربية المنطلقات الدينية والفلسفية التي تدفع الحضارات نحو مصالحها.

عندما نعيد قراءة أحداث الأعوام القليلة الماضية، وخاصة منذ بدأت الألفية الثالثة، نكاد نرى مجموع أفكار صراع الحضارات في خلفية الأحداث جميعاً، وخاصة فيما يتعلق بالعالم الإسلامي أو ما اصطلحت أمريكا على تسميته مؤخراً بـ (الشرق الأوسط الكبير)، حيث اندلعت حروب عسكرية، ودشنت حملات أمنية وإعلامية، وهجمات ثقافية على خلفيات حضارية أو دينية صريحة مثل: اجتياح أفغانستان وما تبعه من دعم لعصابة الإفساد الحاكمة هناك، والتواطؤ في الجرائم اللاإنسانية التي ارتكبت في سجن يانجي، وبعده في معتقل جوانتنامو، ثم ما حدث في العراق ولا يزال يحدث بعد الغزو الذي استند الى كذب صريح على العالم كله، أدخل العراق بعده في دوامة الفوضى الشاملة، وكذلك ما تسرب من أنباء عن مقتل ما لا يقل عن 120 ألفاً من المدنيين أثناء غزو العراق، وقبلهم 20 ألفاً من القتلى المدنيين في غزو أفغانستان، وقبلهم قتل ما يزيد عن مليون طفل عراقي أثناء الحصار، ولا ننسى قضية الشيشان التي قايضوا عليها روسيا، وبلاد البلقان المسلمة التي طردوا منها الصرب ليحتلها (ناتو) الغرب، والسودان المستهدف بالتقسيم المصلحي بين الفرقاء الغربيين، وفلسطين التي يستكثرون عليها بعدما يقرب من ستة عقود من الاحتلال، مجرد سلطة (حكم ذاتي) نظيف ونزيه اختاره الشعب، لا لشيء إلا لأنه يحمل قضية (الإسلام) في برنامجه الانتخاب (الديمقراطي).

وكانت أحداث أزمة (الرسوم المسيئة) للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم ما تلاها وواكبها من نشر صور ولقطات إذلال وامتهان كرامة الإنسان على يد الأمريكيين والبريطانيين في السجون والثكنات العسكرية في العراق، آخر حلقات ذلك المسلسل الهجومي الصِدامي المتواصل.

ليست مصادفات:
لا يمكن لعاقل أن يفسر ذلك التسلسل العدائي بالمصادفات أو محض الاتفاق، ولا يمكن كذلك أن يتفهم ذلك الإجماع المتواطئ مؤخراً من أكثر دول الغرب على العناد والاستفزاز بإعادة نشر الرسوم المسيئة، والإصرار على عدم الاعتذار بصورة واضحة، إيغالاً في التحدي الجماعي لمجموع شعوب العالم الإسلامي ؛ حتى إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي، عدُّوا مقاطعة الدانمرك اقتصادياً، مقاطعة لدول الاتحاد الأوروبي كلها. وتوحيد أوروبا لموقفها يجيء لتعجيز أو تشتيت الموقف الإسلامي الموحد، بتكثير عدد الدول التي سيتعين على المسلمين مقاطعتها اقتصادياً بسبب اتخاذ موقف الدانمرك نفسه أو الوقوف معها.

يساورني شك يكاد يقترب من اليقين، بأن تحريك فتنة الأزمة الأخيرة، إنما تلعب فيه أصابع ماهرة في خبثها، وبعيدة في مراميها، ولا أستبعد منها اليهود وإن كنت لا أُغفل غلاة النصارى من ذوي الاتجاه اليميني الديني الإنجيلي، ومنم الحزب الحاكم في الدانمارك، بمعنى أن الأحداث ليست مجرد تفاعلات وتداعيات ؛ فالفريقان اللذان يكادان يتطابقان في أهدافهما ووسائلهما وعقائدهما، يتركان كل حين آثاراً تشير إلى تعمد التصعيد.

وعلى وجه الخصوص فإن بصمات اليهود قتلة الأنبياء في الحملة على سيد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه لا تكاد تخطئها العين، وهناك قرائن واضحة تدل على أن ظل اليهود ليس بعيداً عن أجواء تلك الأزمة ؛ فالصحيفة الدانماركية التي تولت كبر هذه الفتنة ونفخت في كيرها وهي صحيفة (يولاند بوسطن) يتوسط عنوانها الرسمي نجمة داوود اليهودية بلون أصفر يميزها عن الحروف الإنجليزية في الكلمتين المكتوبتين باللون الأسود، مع شيء من التحوير في تلك النجمة، وإذا صح أن رئيس تحرير الصحيفة الدانماركية وكذا رئيس تحرير الصحيفة النرويجية اللتين نشرتا الرسوم الشائنة، هما من أعضاء المؤتمر اليهودي العالمي الذي يدير شؤون الفتن في العالم، يكون الكثير من ملامح ومعالم الصورة قد بدأ يتضح. ويتضح أكثر إذا عُلم أنهما من الناشطين مع مركز (سايمون فيزنتال) اليهودي في أمريكا، والمختص بوضع الاستراتيجيات الدولية لخدمة أهداف اليهود والدفاع عنها. إن أول من بدأ جرائم الاعتداء العلني على شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنوات الأخيرة هم اليهود، حيث أقدمت امرأة يهودية إسرائيلية على نشر رسوم لها، رسمت فيها قاتَلها اللهُ ولعنَها صورةَ النبي صلى الله عليه وسلم في صورة خنزير، وكتبت على جسده باللغة العربية اسم النبي صلى الله عليه وسلم، وسمحت بعض الصحف بنشرها، لتنشر بعد ذلك في بعض صحف العالم، وقد ثارت وقتها ضجة من الاحتجاج الاسلامي في أنحاء متفرقة من العالم، وكعادته انبرى بعض الغربيين يؤيدون والبعض الآخر يفلسفون، وآخرون يعتذرون، ليسكِّنوا الحمية ويميِّعوا القضية، وكان على رأس هؤلاء وقتها الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، لكن بلاد كلينتون نفسها الولايات المتحدة تسلمت من اليهود راية التحدي لمقدسات المسلمين بعد ذلك، عندما أقدم جنودها مرات متعددة على دعس المصحف الشريف وتمزيقه بل... التبول عليه (قاتلهم الله ولعنهم). ثم جاء حمار بشري في شكل وزير إيطالي هو (ربرتو كالديرولي) وزير (الإصلاح) في إيطاليا ليرتدي قميصاً عليه الرسوم المسيئة متحدياً جميع المسلمين في العالم، وقبل ذلك كان أحد مهاويس أمريكا وهو الصحفي (ريتش لوري) قد طالب بضرب مكة بقنبلة نووية! وذلك في مقال نشرته له مجلة (ناشيونال ريفيو)، وقد كرر الدعوة نفسها السيناتور الأمريكي (توم تانكريدو)!! وكأن القوم يتناوبون على امتهان مقدساتنا ودوس كرامتنا.

وفي تناغم أخير مع السلوك الشائن في أمريكا وأوروبا، أقدم مجند يهودي إسرائيلي بعد جريمة الدانمارك على كتابة شتائم نابية على جدران أحد المساجد في إحدى مدن فلسطين في 15 فبراير 2006م، يسب فيها رسول صلى الله عليه وسلم بألفاظ وقحة ؛ فلما ثار المواطنون المسلمون وتظاهر بعضهم احتجاجاً ؛ تدخلت الشرطة الإسرائيلية، فأطلقت عليهم النيران الحية! ثم تكررت الفعلة الشنعاء بعد ذلك بثلاثة أيام من جندي آخر في مسجد آخر!! إن هذه الشرارات الصغيرة الحقيرة، هي التي تنشئ النيران الكبيرة الخطيرة، وهذا هو ما يراهن عليه مشعلو الفتن وسماسرة الحروب ؛ فقد يصدر تصريح، أو يبدر تصرف أو ينشر مقال أو رسم أو مشهد مسيء، فإذا هو يضيء سماء العالم الاسلامي بوهج الغضب وشهب التثوير، وهم يعلمون أننا لسنا بحمير حتى نستغضَب فلا نغضب أو نستثار فلا نثور.

إن هؤلاء الساعين الى إيقاد نار الحروب يريدونها محرقة عالمية، ولولا أن الله تعالى يطفئ من نارهم ما يشاء، لقلنا: على الأرض العفاء، منذ زمن طويل {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ[المائدة:64]، إننا لا نستند في ترجيح تعمد الاستغضاب الصهيوني يهودياً كان أو نصرانياً إلى ظن أو تخمين، بل نستند الى يقين نطق به القرآن المبين، في قول الله تعالى عن عداوتهم وجراءتهم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الدين الذي جاء به، كفراً وحسداً، لا جهلاً وغفلة: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَياًّ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ[النساء:46]، وهم لن يطعنوا في ديننا فقط ؛ بل سيقاتلوننا عليه في حروب دينية صريحة، كما حدث كثيراً في التاريخ {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا[البقرة:217].

ولليهود والمشركين الدور الأساس في ذلك: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}[المائدة:82]؛ فهم العدو الأول للمسلمين في الزمان كله والمكان كله، منذ مبعث النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم. ولا نستطيع هنا أن نتجاهل أن الحزب الحاكم في مملكة الدانمارك هو حزب يميني ديني بروتستانتي متشدد، والصحيفة التي أشعلت الفتنة هي صحيفة صادرة عنه.

وهذه الحملة المشتركة بقيادة المغضوب عليهم للضالين قد تجر العالم كما جروه من قبل إلى صدامات دولية، تكون ساحتها على أرض المسلمين، وبأموال المسلمين، وأرواح المسلمين.

الأحقاد الدينية... على درب المحرقة الكبرى:
لا تزال البشرية في البدايات المبكرة للألفية الثالثة، التي يعتقد المتشددون الإنجيليون وغلاة البروتستانت تبعاً لعقائد يهودية أنها لا بد أن تشهد بداية النهاية لأيام (العامة) أو الكفار أو الكُفريم أو (الجويم) بتعبير التوراة المحرفة التي يقرؤونها ويتعبدون بها، حيث ستأتي بعد أيام (العامة) تلك، أيام (الخاصة) التي تخص الشعوب المختارة وحدها من الأنجلوساكسون وحلفائهم من اليهود، لضمان سيادتهم على العالم لألف سنة قادمة ؛ وهذا هو جوهر (العقيدة الألفية)، التي ترجمت في السنوات الأخيرة إلى برامج عملية، وإستراتيجية عالمية للولايات المتحدة، أطلقوا عليها مشروع (القرن الأمريكي) أو (إمبراطورية القرن الحادي والعشرين). ليبدأ هذا القرن أمريكياً يهودياً غربياً، تمهيداً لـ (الأيام الأخيرة) أو بالتعبير العبري التوراتي (أحريت أياميم) والذي ستعقبه مرحلة (يوم هدين) بالعبرانية أو (يوم الدين) بالعربية. ولا بد قبل أن يأتي (يوم هدِّين) أو يوم القيامة الكبرى من التمهيد للألف السعيد بإقامة قيامة صغرى، تكون سبباً في هلاك غالبية سكان الأرض، أو بالتحديد: (ثلثا سكان العالم) [1] من غيرهم. والأسباب التي ستؤدي لإقامة هذه القيامة الصغرى عندهم لا تُنتظر، بل تُدبر وتصنع!!

هل نفتري عليهم؟! هل نبالغ في تقدير خطورة أحلامهم التدميرية الإرهابية العالمية؟! لا... وسأذكر بعض الأدلة من كتبهم (المقدسة) بنصوصها وتأويلاتها التي تصنع وجداناً عدائياً لسائر البشر، وخاصة أكرر: (وخاصة): العرب والمسلمين والكنفوش (الصينيون والكوريون والفيتناميون واليابانيون) [2] الذين تجمعهم عند هؤلاء تسمية التوراة: (يأجوج ومأجوج) حيث سيتكتل هؤلاء في الأيام الأخيرة كما يعتقدون في (محور الشر) الذي ينطلق من الشرق لينازل محور الخير أو العالم الغربي، في وسط العالم أو (الشرق الأوسط) وبالتحديد في (فلسطين) التي أرادوا محو اسمها لتصبح فقط (إسرائيل) كما سمتها التوراة المحرفة.

- تقول التوراة التي يدين بها أكثر من ملياري نصراني، ونحو (16) مليون يهودي في عالم اليوم:

- "في الأيام الأخيرة، عندما تتجمع إسرائيل من الأمم، سوف تتسبب في أمرٍ ما، هذا ما سوف يحدث، إنني سوف أضع صنارة في أفواه القوى المؤتلفة".

- وجاء فيها أيضاً: "بعد أيام كثيرة، تُفتقد في السنين الأخيرة، تأتي إلى الأرض المستردة من السيف، المجموعة من جبال إسرائيل التي كانت خربة للذين أخرجوا من الشعوب وسكنوا آمنين كلهم، وتصعد وتأتي كزوبعة، وتكون كسحابة تغشى الأرض أنت وكل جيوشك، وشعوب كثيرون معك".
- وجاء فيها: "ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل... يقول السيد الرب: يكون سيف كل واحد على أخيه، وأعقبه بالوباء وبالدم، وأمطر عليه وعلى جيشه وعلى الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيم وناراً وكبريتاً" [3].

- أما التلمود الذي يمثل شروح التوراة، والذي يعد عند التوراتيين أقدس من التوراة نفسها فيقول: "قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لا بد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقون سبع سنين، يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر" [4].

- وجاء في بروتوكولات حكماء صهيون: "إن القتال المتأخر بيننا سيكون ذا طبيعة مقهورة، لم ير العالم لها مثيلاً من قبل، والوقت متأخر بالنسبة لعباقرتهم" [5].

- أما الإنجيل الذي يدين به نصارى العالم بكل طوائفهم، فإنه يزيد في تحديد المعلومات عن هذا الصدام الأخير، فيشير إلى موقع المعركة الكبرى، أو المحرقة الكبرى ويشير الى اسمها ووصفها ؛ فقد جاء فيه كما يقولون على لسان عيسى - عليه السلام - وهو يصف مجيئه المفاجئ في آخر الزمان تمهيداً للألف السعيد: "ها أنا آتي كلص، طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلاَّ يمشي عرياناً فيروا عريته، يجمعهم إلى الموضع الذي يدعى بالعبرانية هرمجدُّون" [6].

لن أطيل في تفصيل هذه المعتقدات الأشبه بالخرافات ؛ فقد فصلت فيها في بعض كتبي، وبينت أنها وإن كانت أشبه بالأساطير، إلا أنها أساطير مدججة بالجيوش والأساطيل، تقف وراءها أحلاف عظمى، تملك القوة ولا تملك الحكمة، ولها ترسانات ضخمة من كل أسلحة الدمار التقليدي وغير التقليدي. وهذه الأساطير ينظر لتفعيلها العديد من المفكرين والاستراتيجيين الذين يغلِّفون أفكارهم الخرافية بأغلفة أكاديمية، تتحدث عن احتمالات وسيناريوهات الحرب العالمية الثالثة، التي أثبتت الحربان العالميتان قبلها، زيادة احتمال وقوعها.

لا أريد أيضاً أن يُفهَم من كلامي أني أجزم أن أحداث فتنة (الرسوم المسيئة) بالذات، والتي أرجح تدبير وتنسيق المواقف فيها ؛ قد جاءت كلها على خلفية تلك المعتقدات، لكني أؤكد، أن ما حدث وما يمكن أن يحدث هو مقدمة شحن لعواطف الدين والعقيدة عند الشعوب المستهدفة بصدام الحضارات أو الثقافات، وهذه الأحداث فرصة سانحة، لن يفوِّتها الحاقدون على البشر، المعظمون لأنفسهم والمقدسون لذواتهم دون بقية الخلق: {وَقَالَتِ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ[المائدة:18]، هؤلاء البشر ممن خلق الله، ينحدرون مع الأيام، استجابة للشيطان، حتى يصبحوا جزءا  أصيلاً من رعيته، المكونة من أتباعه وذريته، وصدق الله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أضَلُّ[الأعراف:179].

وهذه الأنعام التي تطاولت على خير الأنام محمد صلوات الله عليه وسلامه تستكثر كبراً وعتواً، أن يمس أحد (مقدساتهم) وثوابتهم، وعلى رأسها (حرية التعبير) التي تستلزم عندهم (حرية التعيير)، وتتضمن حرية التغيير بالقوة وغير القوة لثوابت ومقدسات الغير!

أما ثوابتهم هم، ومقدساتهم هم، ومسلَّماتهم هم ؛ فالويل، ثم الويل لمن يتعداها أو يعاديها، وأبرز مثال على ذلك ما يسمونه: (معاداة السامية) [7].

وما ينتج عنها مما يصفونه بـ (المحرقة الكبرى) أو (الهولوكست)، التي تتكسر عندها كل أدوات التعبير، ولا تقبل عند المساس بها التأسفات أو المعاذير!

من يجرؤ على الكلام؟
بهذا العنوان، صدر كتاب عام 1985م لمؤلفه السيناتور الأمريكي السابق (بول فندلي) ذكر فيه أن هناك إرهاباً يمارس على حرية النقد والتعبير، يمارسه اليهود وأشياعهم داخل الأروقة السياسية في أمريكا، يقدح في كل دعاوى الحرية والديمقراطية في الغرب ؛ فهي حرية ذات حدود مرسومة، وسقوف معلومة، يحرم تخطِّيها، ويجرَّم من يقع فيها.

فدعاوى الغربيين اليوم أن حرية التعبير والرأي عندهم لا حدود لها، يدحضها سلوكهم عند أي تصرف أو سلوك أو تفكير أو تعبير يتعرض بالعداء لـ (السامية)!

ومن أبرز التجليات المجسدة لقضية (معاداة السامية)، قضية المحرقة اليهودية، أو (الهولوكست). والهولوكست، كلمة يونانية، تعني (القربان الكامل) إشارة إلى القرابين التي كانت تُقَدَّم تعبُّداً، كي تُحرق في المعابد بشكل كامل، حيث لا ينال أحد من البشر منها شيئاً. وقد أشاع اليهود هذا التعبير كمصطلح يرمز إلى ما حدث لهم على يد الزعيم الألماني (أدولف هتلر)، حيث صوَّروا ما فعله ضدهم من انتقام وحرق في السجون أنه أكبر محرقة في التاريخ.

لقد مارس اليهود كمّاً كبيراً من التهويل والتزييف لحقائق تلك المحرقة، بغرض تضخيم أموال التعويضات التي طلبوها -ولا يزالون- عوضاً عما لحق بهم من (أعداء السامية). وفلسفة (الهولوكست) أو المحرقة اليهودية، كانت تنطوي على إبراز حقيقة مفادها أن (المسيحيين) يكرهون اليهود، وعليهم أن يثبتوا عكس ذلك، ولن يثبت عكس ذلك إلا بدفع التعويضات والتجاوز عن مساءلة اليهود وفق أي قوانين أو معايير دولية أو محلية في أي بلد يسكنونها؛ لأنه (يكفيهم) ما كابدوه من تعنت هتلر معهم، حيث لم يدفعه إلى ذلك إلا (معاداة السامية)!

إنهم يقولون: إن العالم كله يكرههم ويريد قتلهم، ولهذا فيجب ألا تكون الأمم المتحدة عوناً مع العالم عليهم. وتماشياً مع هذا الابتزاز اليهودي فإن الصحافة في العالم الغربي، تصور دولة اليهود دائماً على أنها محاصرة ومضطهدة من طوفان عدائي محيط بها، يريد إدخالها في محرقة أخرى [8].

وبالرغم من حداثة حادثة المحرقة اليهودية نسبياً في التاريخ ؛ فقد استطاع اليهود أن يحرِّفوا ويزيِّفوا تفاصيلها، ثم يجعلوا هذا التزييف والتحريف أمراً ثابتاً بل مقدساً، لا ينبغي لأحد أن يشكك فيه أو حتى يناقشه وإلا كان معادياً للسامية، ومن ثم معرضاً نفسه للعقوبات القانونية. لقد عبثوا بالأرقام الدالة على عدد الذين أحرقهم هتلر؛ فالمحققون الأكاديميون والمحايدون أثبتوا وفقاً لمصادر اليهود أنفسهم أنه كان في أوروبا كلها في الفترة التي حدثت فيها المحرقة، ثلاثة ملايين وعشرة آلاف وسبعمائة واثنان وعشرون يهودياً فقط ( 3.010.722 ) بمن فيهم يهود ألمانيا، فكيف يتم حرق ستة ملايين يهودي على يد هتلر داخل حدود ألمانيا؟!

واليهود يغالطون، فيتحدثون عن (ضحايا) المحرقة، فيدخلون فيها كل يهودي تأذى من تلك المحرقة، ولو كان ذلك بدموع ذرفها، أو دولارات خسرها، فيوصلونهم إلى ستة ملايين!! ويردد العالم (الحر) بغبائه ذلك الدجل، لا بل يحاسب بقية العالم بمقتضاه!! وقد أشاع اليهود أيضاً أن سكان فلسطين من الإسرائيليين، أكثرهم من الناجين من المحرقة! فهم على هذا يستحقون هم وأولادهم وأحفادهم من العالم كله والعالم الغربي على وجه الخصوص، ألاَّ يقطع عنهم المعونات والتعويضات، وألاَّ يتردد في معاقبة من يعاديهم بشتى أنواع العقوبات.

لقد قتل هتلر من الغجر والشيوعيين أكثر مما قتل من اليهود، بل تسبب في الحرب العالمية الثانية التي قُتل فيها نحو خمسين مليوناً من البشر، منهم 17 مليون سوفييتي، وتسعة ملايين ألماني، وعشرات الملايين من السلافيين والغجر والبولنديين ومختلف دول آسيا وأفريقيا، ولم يتحدث أحد عن هذه المحرقة الحقيقية التي لم يكن ظل اليهود بعيداً عنها.

معاداة السامية، وشجاعة الجبناء:
صدرت في العديد من الدول الأوروبية قوانين تحرم وتجرم كل من يشكك في الرواية اليهودية عن (الهولوكست) بل كل من يحاول كشف الحقيقة عنها، (من هذه الدول فرنسا الحرة) التي لاحقت بموجب هذا القانون المفكر الفرنسي (روجيه جارودي) الذي أعلن إسلامه عام 1981م ؛ فقد اتُّهم بمعاداة السامية بسبب تشكيكه في المحرقة، وإثباته أن عدد الضحايا اليهود في المحرقة، يبلغ 900 ألف إلى مليون ومئتي ألف، وليسوا ستة ملايين كما يدعي اليهود، لقد حوكم جارودي وحكم عليه بالسجن، وصودر كتابه الذي تجرأ فيه على الكلام وهو كتاب: (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل)!

- وحوكم كاتب سويدي آخر، وهو (رينيه لويس) بمقتضى القانون السويدي الذي يحرم معاداة السامية؛ لأنه شكك في قصة المحرقة، وحُكم عليه بالسجن لمدة 17 عاماً، ولا يزال في سجنه حتى اليوم.

- واعتقل الكاتب البلجيكي (سيغفريد فيريبكيه) في أحد مطارات هولندا، بسبب تشكيكه في المذكرات التي تُدَرَّس في الكثير من مدارس الدول الأوروبية عن المحرقة.

- وفي عام 2000 م، صدر كتاب في الولايات المتحدة الأمريكية للكاتب الأمريكي (فينكلشتاين) اسماه (صناعة الهولوكست)، فضح فيه الممارسات اليهودية التي تتاجر بما وصفه (الآلام الإنسانية) لإشباع أغراض مادية، فثارت ضجة بسبب الكتاب، حتى إنه كان الموضوع الأول الذي وضع للنقاش في احتفالات أوروبا (السنوية) بـ (عيد المحرقة)!

- وحوكم الكاتب الألماني (أرنست ذوندل) في 15 نوفمبر 2005م، بتهمة التشكيك في المحرقة، وطرد من كندا بسبب نفيه وقوع ما يسمى بـ (أفران الغاز).

- وفي 16 نوفمبر 2005، تم ترحيل عالم الكيمياء الألماني (جيرمان رودلف) من أمريكا إلى ألمانيا ؛ لأنه أعد بحثاً كيميائياً أثبت فيه أن صنف الغاز الذي تحدث اليهود أن هتلر استخدمه ضدهم في أفران الغاز الحارقة، غير موجود أصلاً بالخواص التي ذكرها اليهود، وقد حكم على هذا الباحث بالسجن لمدة عام وشهرين، عقاباً له، لا على حرية الرأي فحسب، بل على حرية التفكير والبحث!

- واعتقل المؤرخ البريطاني ( ديفيد ارفنج ) في النمسا، وهو في طريقه لإلقاء محاضرة في إحدى جامعاتها، بتهمة أنه سبق أن ألقى محاضرة هناك عام 1989م، شكك فيها في المحرقة، وكان قد ألف كتاباً بعنوان (حروب هتلر) في الموضوع نفسه، وقد بدأت محاكمته مؤخراً في 20/2/2006، وهو في العام السابع والستين من عمره، مما جعله يتراجع عن آرائه في محاولة منه لتفادي هذا الحكم، وحكم عليه رغم ذلك بالسجن ثلاث سنوات!
في مقابل ذلك، كانت السويد قد دعت الكاتب الهندي المرتد (سلمان رشدي) صاحب كتاب (آيات شيطانية) لزيارة عاصمتها، وعندما جاء احتفت به كل وسائل الإعلام، وأتاحت له كامل الحرية في مخاطبة الشعب السويدي النصراني عن آرائه في الدين الإسلامي، بينما حجبت تلك (الحرية) نفسها عن ضيف آخر في التوقيت نفسه، وهو الكاتب الفرنسي المعروف بالعداء للصهيونيين (فوريسون) ومنعته من المحاضرة، بل سمحت من باب حرية التعبير بالتظاهر ضده!!

الذين تحدثوا عن جرم التشكيك في حرق اليهود ؛ لم يتحدثوا عن مئات الملايين التي أبادها الأمريكيون حلفاء اليهود وأشباههم فقد أبادوا نحو ستين مليوناً من الهنود الحمر في الأمريكتين الشمالية والجنوبية، وأبادوا في عملية إحلال العبيد من الأفارقة مكانهم، أكثر من مائة مليون أفريقي، قضوا في عمليات الحشر الوحشي في سفن الشحن التجارية، ومع هذا لم يتحدث أحد عن هذا (الهولوكست) الأمريكي، بل تحدثوا عن أمريكا محررة العبيد!! ويتحدثون اليوم عن (حرية التعبير) التي يُستثنى منها التعرض لليهود، ويريدون وهذا هو الأدهى (عولمة) القوانين القاضية بتجريم التشكيك في المحرقة، فعلى عادة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة في محاسبة ومعاقبة كل من يخالف سياساتها ويتعرض لمصالحها ومصالح ربيبتها وحبيبتها (إسرائيل) بإصدار القوانين في ذلك، وعلى غرار (قانون محاسبة سورية) و(قانون محاسبة السودان) و(قانون محاسبة إيران) وأخيراُ (قانون محاسبة مصر)!. صدر في أكتوبر عام 2002 قانون في الولايات لمحاسبة ومعاقبة كل من يعادي اليهود، ويحمل القانون اسم (قانون محاسبة أعداء السامية).

ولم يتوقف الأمر على تصدُّر أمريكا لحماية (جناب) إسرائيل من التعدي أو التحدي، ولو بفكرة أو تصريح أو كتاب أو مقال على مستوى العالم، حتى دفعت الأمم المتحدة (ممثلة العالم) في طريق إصدار قانون مماثل، ففي أول نوفمبر من عام 2005م، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً ينص على رفض الأمم المتحدة لأي إنكار لحقيقة المحرقة كحدث تاريخي، سواء بشكل كلي أو جزئي، واعتبر القرار مثل هذا التصرف أمراً ممنوعاً ويعرض صاحبه للمساءلة، ودعا القرار إلى ضرورة (تثقيف) شعوب العالم عن المحرقة، واختار يوم 27 يناير من كل عام ليكون يوماً عالمياً لتخليد ذكرى ضحايا المحرقة!!

وفي السياق نفسه، أقامت الحكومة الإسرائيلية في 19 مارس 2005م، معرضاً في تل أبيب عن المحرقة، ودعت إليه آلافاً من الشخصيات، من رموز الفكر والسياسة والفن، وقد لبوا الدعوة، وكان على رأسهم (الأمين) العام للأمم المتحدة: كوفي أنان، الذي عبر عن تضامن العالم الذي يمثله، مع اليهود!

وماذا بعد؟
إن (عولمة الغضب) تسير في اتجاهات متعددة وليس في الاتجاه الإسلامي فقط ؛ فإصرار الخبثاء من فجار الكفار على المزيد من استغضاب المسلمين كل حين، يبدو أنه يلعب على أوتار الأفعال المحسوبة، بانتظار ردات الفعل غير المحسوبة، ليبدو المسلمون في النهاية هم المجرمون، وهم الإرهابيون، وهم الفوضويون، وتثور في المقابل موجات غضب مضادة في الغرب، تنعكس مزيداً من التضييق على المسلمين، ومحاربة لهم في أمنهم واستقرارهم ومقدساتهم ومقدراتهم، يمكن استغلالها -وهذا هو الأخطر- في تدبير (فوضى خلاَّقة) على مستوى العالم، لا يوجد من المسلمين من هو مستعد لمواجهتها وإحباط كيدها.

لكننا لا نريد أن يظل أعداؤنا وأعداء الإنسانية أشباحاً وهمية ؛ فالجرم موجود، والفاعلون معروفون، والشركاء مستعلنون، وإذا كان البرلمان الأوروبي قد أعلن في 15/2/2006 تضامنه مع الدانمارك واعتبر أن استمرار مقاطعتها، هو مقاطعة للاتحاد الأوروبي كله، إرهاباً وإرعاباً للمسلمين وكسراً للحصار الاقتصادي ضد من أجرموا في حقهم ؛ فعلى المسلمين أن يقولوا كلمتهم بلسان إسلامي واحد، ويقولوا إن الاعتداء على مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو اعتداء على كل مسلم في أعز شيء عنده، ومن ثم، فإن كل مسلم من حقه، بل من واجبه رد الاعتداء، في حدود المشروع والمقدور ؛ لأن من أَمِن العقوبة أساء الأدب، وأي إساءة للأدب أسوأ من التطاول على سيد الخلق صلى الله عليه وسلم؟

والمقاطعة الاقتصادية هي أحد الحقوق أو الواجبات في نصرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي يجب أن تؤدي دورها كاملاً، كما أدت الإساءة كما أراد أصحابها دورها كاملاً.

لكن المقاطعة وحدها لا ينبغي أن تكون آخر المطاف في ظل إصرار المعتدين  لى إفشالها وإرباكها، وقد أفاض العلماء والدعاة والمفكرون في تعديد الأشكال والأنواع التي تندرج تحت صنف مواجهة التحدي، لكن تحدياً آخر لم يتطرق إليه أحد فيما أعلم، وهو من سينظم هذه المواجهة، سواء كانت مقاطعة اقتصادية أو غيرها مما تفرضه تداعيات الأزمة أو ما يمكن أن يأتي بعدها؟ من سيضع ضوابطها، ويحدد أوقاتها، ويتابع فعالياتها؟ في ضوء الفرقة والشتات الذي تعانيه الأمة على مستوى نخبها قبل شعوبها؟!

إن هذا هو التحدي الأكبر الذي تواجهه النخب العلمية والدعوية والفكرية والسياسية في الأمة، وإذا كانت تلك النخب غير قادرة اليوم على أن توحد صفوفها ولا أقول رأيها لتقود الشعوب في وجه مثل هذه التحديات الجديدة الكبرى، فلتترك الجماهير المسلمة تعبر عن مكنون الخير في الأمة في مواجهة التحدي ؛ ولتدع لها (حرية التعبير) لكن بالضوابط والشروط بحيث لا تخرج عن الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أثبتت تجارب السنوات القليلة الماضية أن (الفطرة) التي تحرك تلك الجماهير، هي أذكى وأجدى من كثير من التنظير الناشئ عن حسابات حزبية أو آنية أو أمنية ؛ فـ (عولمة الغضب) لا نتوقع لها نهاية قريبة... حتى لو انتهت أزمة الرسوم المسيئة.
________________________
(1) قد يزيدهم في الفتنة أن نصارى العالم يمثلون ثلث سكان الأرض، بينما تمثل بقية الامم أو الحضارات الثلثين الأخرين!.
(2) تأمل السلوك العدائي للولايات المتحدة على وجه الخصوص تجاه كل من (اليابان) التي ضربتها بالقنابل النووية (وفيتنام) التي خاضت ضدها الحرب التدميرية المجنونة المشهورة، و(كوريا الشمالية) التي جعلتها الضلع الثالث في محور الشر، و(الصين) التي يعدها الامريكيون عدو المستقبل الأكبر أو (التنين النائم) كما يقولون، وهي كلها شعوب (كنفوشية) يدفع العالم الإسلامي دفعاً إلى التحالف معها، والارتماء في أحضانها: اليوم اقتصادياً وغداً عسكرياً.
(3) تراجع هذه النصوص في سفر حزقيال، الإصحاح الثامن والثلاثون.
(4) انظر: التلمود وتعاليمه: ظفر الدين خان.
(5) بروتوكلات حكماء صهيون، ترجمة خليفة التونسي، البروتوكول الخامس ص 123.
(6) سفر الرؤيا (الإنجيل) 16 / 15.
(7) ظهر هذا المصطلح عام 1873 م، في كتاب للصحفي الألماني (وليم هار) وكان الكتاب يتناول العداء بين السلالات البشرية المنحدرة من نسل نوح الثلاثة (سام، وحام، ويافث) و رصد الظاهرة التاريخية الممثلة في كثرة العداء والحروب ضد المنحدرين من نسل سام، وهم سكان الشرق الأدنى: (البابليون والآشوريين والعبرانيون والعرب والفلسطينيون) لكن اليهود احتكروا تسمية (الساميين) لأنفسهم، ربما لأن بقية سلالة سام وغيره من أبناء نوح، ليسوا من البشر أصلاً، بل خلقوا على هيئة بشر لئلا يستوحش منهم اليهود.
(8) قال رئيس وزراء ماليزيا السابق (مهاتير محمد) إن 67 % من إجمالي يهود العالم ليسوا ساميين، وأنه لا يستحق وصف السامية بحق إلا العرب المنحدرون من أصول عربية، وبما أن اليهود يعادونهم، فاليهود هم حقاً (أعداء السامية)، والعرب ضحايا العداء للسامية!!

المصدر: مجلة البيان ـ العدد [222] صــ 50 صفر 1427 - مارس 2006
  • 1
  • 0
  • 23,862

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً