ما ميزانك عند الله؟
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الله لا ينظُرُ إلى أجسادكم ولا إلى صوركم ولكن ينْظُرُ إلى قلوبكم»، قال ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملةٌ ومتممة".
سؤالٌ صعبٌ عظيم.. لكن لا بد من سؤاله.. في كل وقتٍ.. وفى كل حين..
قال تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ} [الأعراف:8-9].
قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ . فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ . وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون:101-103].
قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:6-11].
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: « ». فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ: هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ». فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » (أخرجه البخاري ومسلم).
رجل أثقل من جبل.. فكيف بقلبه لو وُزِن!
عن علي رضي الله عنه قال: "أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ابن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه منها بشيءٍ فانكشفت ساقه فنظر أصحابه إليها، فضحكوا من حموشة ساقيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح - الأدب المفرد).
رجل اهتز له عرش الرحمن!
عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه البخاري ومسلم).
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (أخرجه الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم في الحلية).
* قال ابن المنكدر: "إني لليلة مواجهٌ هذا المنبر في جوف الليل أدعو، فإذا بإنسانٍ عند اسطوانة مُقنّع رأسه يقول: أي ربي إن القحط قد اشتد على عبادك وإني مُقسِم عليك يا ربي إلا سقيتهم. فما كان إلا ساعة وإذا بسحابةٍ قد أقبلت ثم أرسلها فأمطرت الدنيا".
قال ابن المنكدر: "وكان عزيزًا عليَّ أن يخفى عليَّ أحدٌ من أهل الخير، رجلٌ يُقسمُ على الله ويُنزِل الله مطرًا من أجله وأنا لا أعرفه! فلما سلّم الإمام من صلاة الفجر -وكان قد رآه قبل صلاة الفجر يقوم الليل- فقام الرجل وتقنّع وانصرف"، فقام ابن المنكدر واتبعه حتى جاء بيته ففتح ودخل فرجع ابن المنكدر لمّا عَلِم بيت الرجل.
قال: "فلما صليت الضحى أتيته في بيته وقلت له: أأدخل؟ فقال: أدخل. فدخلت فوجدته ينجر أقداحًا، فقلت: كيف أصبحت أصلحك الله؟ فاستشهرها وأعظمها. فلما رأيت ذلك منه قلت له: إني سمعت إقسامك البارحة على الله، يا أخي هل لك في نفقةٍ تغنيك عن هذا وتفرغك لما تريد من الآخرة؟ قال: لا، ولكن غير ذلك. قلت: ما هو؟ قال: لا تذكرني لأحدٍ ولا تذكر هذا لأحد حتى أموت، ولا تأتني يا ابن المنكدر؛ فإنك إن أتيتني شهرتني للناس. قلت: إني أحب أن ألقاك؟ قال: إن كان فليكن في المسجد". قال ابن وهب: أنه انتقل من تلك الدار فلم يُرى ولم يُدرى أين ذهب". فقال أهل تلك الدار: "الله بيننا وبينك يا ابن المكندر، أخرجت عنّا الرجل الصالح".
* عن أنسٍ رضي الله عنه أن رجلًا -من أهل البادية- كان اسمه زاهرًا، وكان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الهدية فيجهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبه، وكان دميمًًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يومًا وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره فقال: "أرسلني، من هذا؟ فالتفت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يألو ما ألصق ظهره بصدر النبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «
* عن أنسٍ رضي الله عنه قال: "كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: جليبيب في وجهه دمامة؛ فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم التزويج؛ قال: إذن تجدني كاسدًًا. فقال: « » (حسن: رواه أبو يعلى).
وعن أبي برزة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مغزى له، فأفاء الله عليه؛ فقال لأصحابه: « ». قالوا: نعم. فلانًا.. وفلانًا.. وفلانًا. ثم قال: « ». قالوا: نعم. فلانًا.. وفلانًا.. وفلانًا. ثم قال: « ». قالوا: لا. قال: « ». فطُلب في القتلى. فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم. ثم قتلوه. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عليه. فقال: « ». قال: فوضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فحفر له ووُضِع في قبره ولم يذكر غسلًا" (رواه مسلم).
قال شارح الحديث في قوله: « »؛ معناه: "المبالغة في اتحاد طريقهما، واتفاقهما في طاعة الله تعالى".
وانظر حال من لا يزن شيئًا عند ربه!
* عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » وقال: « : {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف من الآية:105]» (متفق عليه).
ما سبب هذا الاختلاف في الميزان؟ شيءٌ وقر في القلب..
فما أهمية عمل القلب؟
أهمية القلب: لأن الأصل في الاستقامة استقامة القلب أولًا.
عن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « » (شعب الإيمان؛ للبيقهي).
قال ابن رجب: "المراد باستقامة إيمانه استقامة أعمال جوارحه؛ فإن أعمال الجوارح لا تستقيم إلا باستقامة القلب. ومعنى استقامة القلب أن يكون ممتلئًا من محبة الله ومحبة طاعته وكراهية معصيته" (جامع العلوم والحكم).
قال مطرِّف بن عبد الله: "صلاحُ القلب بصلاح العمل وصلاحُ العمل بصلاحِ النية".
أهمية القلب: أن القلب هو محل نظر الرب.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» (رواه مسلم).قال ابن القيم رحمه الله: "أعمال القلوب هي الأصل المراد المقصود وأعمال الجوارح تبعٌ ومكملةٌ ومتممة".
أهمية القلب: لأن الله جعل سلامة القلب معبر للفوز في الآخرة.
قال تعالى: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89].
قال القرطبي: "خصّ القلب بالذكر لأنه إذا سَلِمَ سلِمتْ الجوارحوإذا فَسُدفَسُدت الجوارح".
أهمية القلب: لأن القلب هو موضع الاختبار والابتلاء.
قال تعالى: {وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} [آل عمران من الآية:154]، وقال تعالى: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9].
قال ابن القيم: "وفي التعبير عن الأعمال بالسِر لطيفة؛ وهي أنَّ الأعمال نتائج السرائر الباطنة؛ فمن كانت سريرتهُ صالحة كان عمله صالحًا، فتبدو سريرته على وجهه نورًا وإشراقًا وحياءً. ومن كانت سريرته فاسدة، كان عمله تابعًا لسريرته، لا اعتبار بصورته، فتبدو سريرته على وجهه سوادًا وظلمةً وشينًا. وإن كان الذي يبدو عليه في الدنيا إنما هو عمله لا سريرته، فيوم القيامة تبدو عليه سريرته، ويكون الحكم والظهور لها".
أهمية القلوب: لأن عمل القلب هو سبب تفاضل الأعمال.
يقول ابن أبي العز: "إنَّ الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب".
قال ابن القيم: "وتأمّل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلًا.. كل سجل منها مدُّ البصر فتثقل البطاقة وتطيش السجلات فلا يُعذّب، ومعلوم أن كلّ موحِّد له هذه البطاقة. وتأمّل ما قام بقلب قاتل المائة من إيمان حتى تحرّك بصدره وهو في ساعات الموت يريد الاقتراب من أهل الصلاح ليعبد الله فكان ما في قلبه من الرغبة في الخير سببًا لمغفرة الله له. وتأمّل المرأة البغي التي سقت كلبًا يلهث فغفر الله لها بسبب ما قام في قلبها من إيمان ورحمة وصدق نية".
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "فهذه سقت الكلب بإيمان خالص كان في قلبها فَغُفِرَ لها، وإلا فليس كل بَغِيّ سقت كلبًا يُغْفَرُ لها".
قال ابن المبارك: رُبَّ عملٍ صغيرتُعظِّمه النيَّة ورُبَّ عمل كبيرٍتُصَغِّره النيَّةُ".
وتأمّل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «
فبحسن النية بلغ أولئك ما بلغوا..
● ولذلك يقول الإمام أحمد موصيًا ابنه: "يابني انوِ الخير فإنك لا تزال بخير ما نويت الخير. وسنة الله أن من نوى الخير وعمل بمقتضى تلك النية أن: يُوفَّق ويُسدَّد ويؤيد ويُبلَّغ من الخير ما يريد".
● وقال بعض السلف: "ليس الشأن فيمن يقوم الليل إنما الشأن فيمن ينام على فراشه ثم يصبح وقد سبق الركب".
أعمال تثقل الميزان:
• روى الترمذي في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « »، قال: « »، قال: « »، قال: « »، قال: « ».
• عن أبي سلمى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « » (رواه النسائي واللفظ له، وابن حبان في صحيحه، والحاكم وصحّحه، وصحّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب رقم: [1557]).
• وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: « » (رواه البخاري، ومسلم).
• قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صحيح مسلم).
• عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه التِّرمذي، وصحَّحه الألباني).
• عن هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ أتَيْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَقُلْتُ: "يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَخْبِرِينِي بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ، أَمَا تَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (رواه أحمد، وصحّحه الألباني).
قال تعالى: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ}:
قال الطبري في (الجامع لأحكام القرآن) في تفسير سورة القلم قوله تعالى: {وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ}؛ "ما ذكرته عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أصح الأقوال، وسُئِلت أيضًا عن خُلقه عليه السلام فقرأت {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} إلى عشر آيات وقالت: ما كان أحدٌ أحسن خُلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دعاه أحدٌ من الصحابة ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك. ولذلك قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} ولم يذكر خلق محمود إلا وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منه الحظ الأوفر".
• وقال علي رضي الله عنه: "هو أدب القرآن".
"كان القرآن": أي كان خُلقه جميع ما فصل في القرآن من مكارم الأخلاق فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان متحليًا به.
• وقال النووي: "معناه: العمل به، والوقوف عند حدوده، والتأدّب بآدابه، والاعتبار بأمثاله وقصصه وحُسن تلاوته".
• قال المناوي: "القرآن أي: ما دلّ عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك".
• وقال القاضي: "أي: خُلقه كان جميع ما حصل في القرآن؛ فإن كل ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحلّى به، وكل ما استهجنه ونهى عنه تجنّبه وتخلى عنه، فكان القرآن بيان خلقه".
• قال قتادة: "هو ما كان يأتمر به من أمر اللَّهِ وينتهي عنه مما نهى الله عنه".
يأتي من هنا سؤال كيف أسير على سيره و أتخلق بأخلاقه؟
قواعد قرآنية لأخلاق مرضية:
• قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ} [إبراهيم: 24-26].
مثَّل الله كلمة التوحيد والإيمان كمثل هذه الشجرة الطيبة: لأن الكلمة الطيبة؛ تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة؛ تثمر الثمر النافع. وفروعها: القيام بشرائع الدين الظاهرة و الباطنة: من حقوق الله، وحقوق الخلق. وثمارها: من الثواب العاجل والآجل وما يتحلّى به صاحبها من كل خلق جميل وهدي حسن وسمت صالح وأوصاف عالية جليلة.
وانظر إلى ثمارها:
• في الحديث: « » (رواه البخاري وغيره).
فمتى تمَت ْهذه الشجرة: أكملت فروعها، وتمّت ثمارها، ولذة جناها؛ ومتى نقصت أو ضعفت: تبعتها هذه الأمور، وضعفت الفروع، وقلَّت الثمار أو عُدِمت. فحقيقٌ بكلمةٍ هذه حالها أن يبلغ العبد من معرفتها والعمل بها غاية مقدوره لتوقف سعادته وفلاحه عليها.
ثم ذكر ضدها وهى كلمة الكفر {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ}؛ خبيثة المأكل والمطعم وهي: شجرة الحنظل ونحوها.. {اجْتُثَّتْ} هذه الشجرة {مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} أي: من ثبوت..فلا عروق تمسكها، ولا ثمرة صالحة تنتجها، بل إن وُجِد فيها ثمرة فهي ثمرة خبيثة.
كذلك كلمة الكفر والمعاصي ليس لها ثبوت نافع في القلب، ولا تثمر إلا كل قول خبيث وعمل خبيث. يستضر به صاحبه ولا ينتفع فلا يصعد إلى الله منه عمل صالح، ولا ينفع نفسه ولا ينتفع به غيره.
نفهم من هذا.. أن الأخلاق لا تكون حسنة إلا إذا كانت مبنية على اعتقادٍ حسن، فالأعمال المبنية على اعتقاد إذا حصل لها القبول كُسيت بِحُلّة القبول عند أهل الأرض.
ولذلك يجب أن تفهم أثر علاقتك مع الله على أخلاقك وتصرفاتك من كتاب الله أنت تقوم بالحقوق والله يعطيك النتائج؛ قال تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:62].
نتخلّق تعبدًا.. فثبوت لا إله إلا الله في قلبك أثمرت أخلاقًا.
ما أثر لا إله إلا الله على الأخلاق؟
إذا امتلأ القلب بتعظيم الله، ومحبته، وإيثار مرضاته؛ فإنه لا يبقى في قلبه متسع لشهود الناسفيكون وقتها العبد واحدًا لواحدٍ.. فيعيش وهو مُعظِّم واحد، ويرجو واحد، ولا يريد إلا رضا واحد.
يقول المقريزي: "بخلاف من: توزّع رضاه لإرضاء شركاء متشاكسون كثيرون سيئو الخلق ومتنازعون فيه كلٌ له فيه مطلب يريده ويريد الآخر غيره؛ بل هو عبدٌ لسيدٍ واحد، خالص له قد عرف مقصود. قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر:29].
فكلما كان العبد سلمًا لربه كلما استمر إحسانه، وعطاءه وسلوكه للطريق الذي يرضاه الله عز وجل.
لا ينظر إلى كل أحدٍ إلا كما صوّرهم الله في كتابه؛ فكيف ينظر إليهم؟
- قال تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان من الآية:20]؛ فكل الناس في حياتك عبارة عن فتنة وابتلاء يختبر الله ما قام في قلبك من رضا أو سخط عنه تعالى.
- قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15].
وصف الله الناس أنهم فقراء: فلا يملكون مصلحتك، فلا تتذلل عندهم، ولا يملكون جلب، فلا تخاف منهم؛ إنما عامِلهم كما أُمرِت.. فلا تعامِلهم من مصدر تعلّقٍ أنهم يعطوك ولا مصدر خوفٍ أنهم يمنعوك.
- قال تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199].
ما معنى قوله: {خُذِ الْعَفْوَ}؟
قال الشيخ السعدي رحمه الله أي: "ما سمحت به أنفسهم، وما سهل عليهم من الأعمال والأخلاق، فلا يُكلِّفهم ما لا تسمح به طبائعهم، بل يشكر من كل أحد ما قابله منه".
ومن ذلك نفهم قول ابن تيمية: "العارف بالله لا يرى له على أحدٍ حقًا ولا يشهد له على غيره فضلًا؛ ولذلك: لا يُعاتِب ولا يُطالِب ولا يُضارِب".
قال الفضيل بن عياض: "من عرف الناس استراح؛ فلا يطرب لمدحهم، ولا يجزع من ذمهم، لأنهم سريعو الغضب سريعو الرضا والهوى يُحرِّكهم".
إذن: فثبات لا إله إلا الله في قلب المؤمن هي التي ستُثمِر له كل معروف من الأعمال الصالحة والأخلاق وغيرها.
* حلاوة المنطق من الخُلق الحَسن:
- قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا}؛ قال الشيخ السعدي في تفسيره للآية: "ومن أدب الإنسان الذي أدب الله به عباده، أن يكون الإنسان نزيهًا في أقواله وأفعاله، غير فاحش ولا بذيء ولا شاتم، ولا مخاصم، بل يكون حُسن الخُلق، واسع الحلم، مجاملًا لكل أحد".
- لكن لا يكفي لسانك لا بد من وجدانك؛ قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} [البقرة:204].
لا تقتصر على حلاوة المنطق بل لا بد من أن يطابق سريرتك علانيتك؛ قال تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون من الآية:4]، أي: من حسن منطقهم تستلذ لاستماعه، فأجسامهم وأقوالهم معجبة لكن ليس من وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدى الصالح شيء! فقاعدة {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا} لا تكون إلا إذا طاب لسانك ووجدانك، وإلا فأنت مهدّد بالفضح!
قال تعالى: {واللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة من الآية:220].
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54].
ولمّا كان الذل منهم رحمة وعطف وشفقة وإخبات عداه بأداة (على) تضمينًا لمعاني هذه الأفعال؛ فإنه لم يرد به ذل الهوان الذي صاحبه ذليل وإنما هو ذل اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول كما في الحديث: « » والمنافق والفاسق ذليل.
كان ابن عمر رضي الله عنهما له غلمان؛ فكان إذا رأى من أحد غلمانه التفافًا على الصلاة وانصرافًا إليها اعتقه؛ حتى لا يَحول بينه وبين العبادة. فكان باقي الغلمان يأتون يصلون أمامه وقريبًا منه أملًا في أن يعتقهم رضي الله عنه وأرضاه فكان يعتقهم.
فجاءه بعض خواص أهله وقالوا له: "يا ابن عمر إنهم يخدعونك! إنهم يُصلّون لا لله ولكن لتعتقهم، فقال رضي الله عنه وأرضاه: من خدعنا بالله انخدعنا له".
وبعد كل هذا اعلم..
- أن الأخلاق تُبنى على الاعتقاد؛ فالمتعبِّد يتخلّق تعبُّدًا لا يتخلّق تملُّقًا.
- إقبالك على القرآن وتدبّرك سبب تعلّمك الخُلق الحَسن.
- وأن توفّق أن تتصرّف كما ينبغي إنما هو من توفيق الله.
فمن علَت هِمّته وخشعت نفسه اتصف بكل خُلقٍ جميل، ومن دنت هِمّته وطغت نفسه اتصف بكل خُلقٍ رديء.
- قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف: 58]، قال قتادة: "البلد الطيب المؤمن سمع كتاب الله فوعاه، أخذ به، وانتفع به كمثل هذه الأرض أصابها الغيث فأنبتت وأمرعت. والذي خبث لا يخرج إلا نكِدًا عسرًا وهذا مثل الكافر قد سمع القرآن فلم يأخذ به، ولم ينتفع به كمثل هذه الأرض الخبيثة أصابها الغيث فلم تُنبِت شيئًا ولم تمرع شيئًا".
الشريعة جعلت بينك وبين الناس حقوقًا وبينك وبين الله حقوقًا؛ فقم بالحقوق من أجل الله تكن خلوقًا ويكتب الله لك القبول.
- قال تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122].
- التصنيف: