الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف - (3) تنبيه

منذ 2015-01-16

إن ما يتعبد به العبد ويتقرب به إلى الله، لينجو من عذابه ويفوز بالنعيم المقيم في جواره بعد أن يكون قد استكمل به فضائل نفسه في الدنيا وصلح عليه أمره فيها لا يكون ولن يكون إلا عبادة مشروعة أمر الله تعالى بها في كتابه، أو استحبها أو رغب فيها على لسان رسوله.

اعلم أخي المسلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه أن العبادة المشروعة بالكتاب والسنة أي عليها أمر الله ورسوله قد يطرأ عليها الابتداع ويداخلها الإحداث في كميتها أو كيفيتها أو زمانها أو مكانها فتفسد على فاعلها ولا يثاب عليها، ولنضرب لك مثلا بالذكر فإن الذكر مشروع بالكتاب والسنة قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب:41]، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت»[13]، ومع مشروعيته فقد داخله الابتداع عند كثير من الناس فأفسده عليهم، وحرمهم ثمرته من تزكية النفس وصفاء الروح، وما يترتب على ذلك من مثوبة ورضوان. إذ بعضهم يذكر بألفاظ غير مشروعة مثل الذكر بالاسم المفرد: الله، الله، الله، أو بضمير الغيبة المذكر: هو، هو، هو، وبعضهم يذكر بنداء الله تعالى عشرات المرات ولا يسأل فيقول: يا لطيف، يا لطيف، يا لطيف، وبعضهم يذكر الله مع آلات الطرب، وبعضهم يذكر بلفظ مشروع بنحو الهيللة[14]، ولكن في جماعة بصوت واحد مما لم يفعله الشارع ولم يأمر به أو يأذن فيه، فالذكر عبادة شريفة فاضلة ولكن نظرا إلى ما داخله من الابتداع في كمية أو كيفية وهيئة بطل مفعوله وحرم أهله مثوبته وأجره.

وأخيرا ألخص للقارئ الكريم هذه المقدمة النافعة فأقول: إن ما يتعبد به العبد ويتقرب به إلى الله، لينجو من عذابه ويفوز بالنعيم المقيم في جواره بعد أن يكون قد استكمل به فضائل نفسه في الدنيا وصلح عليه أمره فيها لا يكون ولن يكون إلا عبادة مشروعة أمر الله تعالى بها في كتابه، أو استحبها أو رغب فيها على لسان رسوله. وأن يؤديها المؤمن أداء صحيحا مراعىً فيها الحيثيات الأربع:

الكمية، والكيفية، والزمان والمكان مع الإخلاص فيها لله تعالى وحده.

فإن كانت العبادة غير مشروعة بالوحي الإلهي فهي بدعة ضلالة، وإن كانت مشروعة واختل أداؤها بعدم مراعاة حيثياتها الأربع أو داخلها الابتداع في ذلك فهي قربة فاسدة، وإن خالطها شرك فهي عبادة حابطة باطلة لا تجلب رخاء، ولا تدفع بلاء، والعياذ بالله تعالى.

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13) رواه البخاري، ومسلم بلفظ: مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر فيه مثل الحي والميت.

(14) الهيللة: هي لا إله إلا الله.

المصدر: كتاب الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف

أبو بكر جابر الجزائري

مدرس بالمسجد النبوي وعضو هيئة التدريس بالجامعة الإسلامية سابقا

  • 0
  • 0
  • 5,829
المقال السابق
(2) مقدمة علمية هامة
المقال التالي
(4) تتمة نافعة في بيان السنة والبدعة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً