تحريم الأغاني

منذ 2015-01-27

أيها المسلمون: عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً، والغيرة على الدين غالباً، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون، وعن الدين غافلون، وفي الذنوب غارقون، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن، يغضب الرحمن، ويرضي الشيطان، ويعجب الكفار أعداء الإسلام.

الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير الورى، صلوات الله وسلامه عليه ما تعاقب الصباح والمساء، وعلى آله وأصحابه أهل العفاف والتقى، وعنا معهم بمنك وكرمك، يا من يعلم السر والنجوى...أما بعد:

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله - تعالى -، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون "، " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن خبير بما تعملون ".

أيها المسلمون: عندما يقف أحدنا أمام إشارة المرور يأخذه الفضول أحياناً، والغيرة على الدين غالباً، ورأفة وشفقة بأولئك الشباب الذين هم في غفلة معرضون، وعن الدين غافلون، وفي الذنوب غارقون، وهم يترنمون في سياراتهم حول شريط غنائي ماجن، يغضب الرحمن، ويرضي الشيطان، ويعجب الكفار أعداء الإسلام، والعجب كل العجب عندما ترى سيارة تتراقص بمن فيها، في حركات بهلوانية عجيبة مستقاة ومرتضعة من بلاد الكفر والضلال، ارتضاه شباب الإسلام فأدى بهم للانحلال، والاضمحلال، شباب تائهون، شباب لاهون، شباب غافلون، فيا شباب الأمة ما هذه الغرائب، وما تلك العجائب، أين أنتم يا أحفاد خالد بن الوليد، وصلاح الدين، هل أنتم في سكرتكم تعمهون، أم ماذا تفعلون، إنك ترى أولئك الأحفاد على الأرصفة يتراقصون وفي الشوارع يلعبون وفي البيوت نائمون، والمسلمون في مشارق الأرض ومغاربها للعذاب والاضطهاد يتعرضون، فسبحان الله أما لشباب الإسلام والعروبة عقولاً بها يفكرون، وقلوباً بها عن إخوانهم يسألون، أم هي الغفلة والسراب البقيعة. عجيب جد عجيب ذلك التيه والغفلة المهلكة، عندما ترى سيارة يقودها صاحبها، ببطء شديد، وصوت الأغاني يُسمع من بعيد، مساكين أولئك الشباب يعصون الله جهرة، تتمايل رؤوسهم يمنة ويسرة، نسوا العذاب، وغفلوا عن العقاب، لا خوف من الله، ولا حياء من عباد الله، إنَّ نظرات الناس من حولهم نظرات احتقار وازدراء، ونظرات استهجان وبغضاء.

أيها المسلم: كيف يمن الله عليك بوافر النعم، وتقابل ذلك بالكفر والنكران، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، لئن شكرتم لأزدينكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد، قال - صلى الله عليه وسلم -: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين " [متفق عليه]، فالله - تبارك وتعالى - يسترك، يريد معافاتك، وأنت تفضح نفسك أما الله وأمام خلق، تريد عذابك، فأولئك ربما حق عليهم العذاب لمجاهرتهم بمعصية الله عياناً بياناً. فيا عجباً من الناس، يبكون على من مات جسده، ولا يبكون على من مات قلبه. فكم هم أحياء الأجساد أموات القلوب اليوم. فللقلب حياة كما أن للجسد حياة، فكما أن الأطعمة المسمومة تضر بالجسد، فكذلك المعاصي تضر بالقلب، ومن أعظم المعاصي سماع الأغاني، فهذا شاب كان يسير بسيارته، مترنماً حزيناً مرة، ومنتشياً مشتاقاً مرات، عند سماعه لشريط غنائي، ويتمايل نشوة وطرباً، ففقد السيطرة على سيارته فانقلبت به عدة مرات، والتأمت عليه، واحتضنته بين حديدها، ولا زال يردد الأغنية، فهرع الناس لإنقاذه وإسعافه، ولكن هيهات هيهات، فالله - تعالى - يقول: " ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "، فحانت الوفاة، وحضر الأجل، فأخذوا يلقنونه شهادة التوحيد والنجاة، ولكن كيف يقولها وهو لم يعرفها، كيف ينطق بها ولم يستيقنها قلبه، لقد كان يردد الأغنية بكل فصاحة، أما شهادة التوحيد فقد لجم لسانه عنها، إنه سوء الخاتمة والعياذ بالله، فمات وهو يردد الأغنية، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قال - تعالى -: " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً "، وقال - تعالى -: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ".

عباد الله: لقد أوصى الله - تعالى -بالجار، وأمر بحق الجوار، فقال - تعالى -: " والجار ذي القربى والجار الجنب "، وكذلك جاء الاهتمام بالجار وأوصى به النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة فقال: " ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننه أنه سيورثه " [متفق عليه]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره " [رواه البخاري]، وقال - عليه الصلاة والسلام -: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه " [رواه البخاري]. فكم من جار يشتكي جاره إلى الله - تعالى -من إثر رفع صوت مذياع أو مسجل أو تلفاز بالغناء، كم من جار رفع يديه إلى السماء شاكياً مستغيثاً بالله من سوء فعل جاره، ومستعيذاً بالله من شره وكيده، وكم من الجيران الذين لا يقدرون حق الجوار، فلا ينبعث من منازلهم إلا أصوات العاهرين والعاهرات، ممن تسموا بالفنانين والفنانات، ومن المعلوم أن مثل هذه البيوت مأوىً للجن وسكن للشياطين، فأين أدب الجوار، وأين مراعاة حق الجار، إن احترام الجار واجب ديني، إن مراعاة شعور الجار وعدم أذيته مما يأمر به الدين، وهو دليل على الأدب وحسن الخلق، وصحة العقيدة، وإن مما يقدح في الدين ما نراه ونشاهده ممن يذهبون للنزهة ومن يقضون إجازاتهم في البراري وحول البحار، ثم لا يحلوا لهم ذلك إلا باستماع ما حرم الله كالغناء وأشباهه، فيؤذون المصطافين إخوانهم وجيرانهم، لقد فقدوا الأدب وحسن التربية، والأدهى من ذلك والأمر، أن ولي الأمر يرى ويسمع، ولا يحرك فيه ذلك ساكناً، متساهلاً بحق الجار تارة، ومارقاً من الأدب تارة، وضعيفاً دينه تارة أخرى.

يا عباد الله: الأغاني محرمة بكتاب الله - تعالى -، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وإجماع علماء الأمة العاملين. وإليكموها واضحة جلية، كما تُرى الشمس في رابعة النهار.

أولاً: من الكتاب الكريم:

لقد جاء تحريم الأغاني في كتاب الله - تعالى -في عدة مواضع، علمها من علمها وجهلها من جهلها، وإليكم الآيات واحدة تتلو الأخرى، أما الآية الأولى فهي قوله - تعالى -: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين، ولهو الحديث هو الغناء كما فسره ابن مسعود قال: والله الذي لا إله إلا هو إنه الغناء، رددها ثلاثاً [رواه ابن جرير والحاكم بسند حسن / المنتقى النفيس 302]، وقال ابن عباس: نزلت في الغناء وأشباهه [رواه ابن جرير وابن أبي شيبة بسند قوي / المنتقى النفيس 302].

والآية الثانية قوله - تعالى -: وأنتم سامدون، قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: سامدون في لغة أهل اليمن لغة حمير هو الغناء [رواه ابن جرير والبيهقي بسند صحيح / المنتقى النفيس 302]، يقال: سمد فلان إذا غنى.

والآية الثالثة قوله - تعالى -: واستفزز من استطعت منهم بصوتك، قال مجاهد: بصوتك: أي الغناء والمزامير. فالغناء صوت الشيطان، والقرآن كلام الرحمن، فاختر أي الكلامين تريد وتسمع.

والآية الرابعة قوله - تعالى -: " واجتنبوا قول الزور " قال محمد بن الحنفية: هو الغناء.

والآية الخامسة قوله - تعالى -: " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية " قال بعض العلماء: المكاء: التصفيق، والتصدية: الصفير، فقد وصف الله أهل الكفر والشرك بتلك الصفات، التي يجب على المسلم مخالفتها واجتنابها.

ثانياً: من السنة النبوية:

أما الأدلة على تحريم الأغاني من سنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فهي كثيرة، وإليكم ما وقفت عليه من تلك الأدلة:

قال - صلى الله عليه وسلم -: " لا تبيعوا القينات (المغنيات)، ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين [السلسلة الصحيحة 2922].

وقال - عليه الصلاة والسلام -: " صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة " [أخرجه البزار من حديث أنس ورجاله ثقات].

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إني لم أنه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نعمة: لهو ولعب، ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: لطم وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان " [أخرجه الترمذي والبزار والمنذري والقرطبي وابن سعد والطيالسي وهو حديث حسن] قال ابن تيمية - رحمه الله -: والصوت الذي عند النعمة: هو صوت الغناء.

وعن عبد الله ابن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله - عز وجل - حرم الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، وكل مسكر حرام " [أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد وغيرهم، وصححه الألباني - رحمه الله -]، وقال علي بن بذيمة: الكوبة: هي الطبل.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر (كناية عن الزنا) والحرير والخمر والمعازف (آلات اللهو والطرب والغناء) " [رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم].

وعن عمران بن حصين - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يكون في أمتي قذف، ومسخ، وخسف " قيل: يا رسول الله ومتى يكون ذلك؟، قال: " إذا ظهرت المعازف، وكثرت القيان، وشربت الخمر " [أخرجه الترمذي وغيره وهو حديث صحيح لغيره].

وعن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنه - أنه سمع صوت زمارة راع، فوضع إصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع! أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمع زمارة راع، فصنع مثل هذا. [رواه أبو داود والبيهقي بسند حسن / المنتقى النفيس 304].

الله أكبر يا عباد كيف تضافرت الأدلة على تحريم الأغاني والموسيقى، فهل بعد هذا البيان من عذر لمن استمع لذلك الهذيان، وهل بعد هذه الأدلة الصحيحة من عودة إلى دين الله صريحة.

ثالثاً: قول السلف:

أيها المسلمون: ومن الآثار التي تدل على تحريم الغناء ما قاله ابن مسعود - رضي الله عنه -: " الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء العشب " [رواه أبو داود وهو أثر صحيح].

وقال بن عمر لقوم مروا به وهم محرمون وفيهم رجل يتغنى: " ألا لا سمع الله لكم، ألا لا سمع الله لكم "، وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عمر بن الوليد كتاباً فيه:.. وإظهارك المعازف والمزمار بدعة في الإسلام، ولقد هممت أن أبعث إليك من يجز جمتك جمة سوء " [أخرجه النسائي وأبو نعيم بسند صحيح]، وسئل القاسم بن محمد عن الغناء فقال للسائل: " أنهاك عنه وأكرهه لك " قال: أحرام هو؟ قال: أنظر يا بن أخي إذا ميز الله الحق من الباطل ففي أيهما يجعل الغناء؟، وقال الشعبي: " لُعن المغني والمغنى له " وقال الضحاك: " الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب "، وقال يزيد بن الوليد: " يا بني أمية! إياكم والغناء، فإنه يزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السَّكَر، وقال أبو الطيب الطبري: كان أبو حنيفة يكره الغناء، ويجعل سماعه من الذنوب، وقال أبو يوسف من الحنفية: " يمنعون من المزامير وضرب العيدان والغناء والصنوج ـ وهو ضرب النحاس بعضه ببعض ـ والطبول.. " وقال في الهداية: " ويمنع من يغني الناس لأنه يجمعهم على كبيرة "، وسئل الإمام مالك - رحمه الله - عن الغناء فقال: " إنما يفعله عندنا الفساق "، وقال الشافعي - رحمه الله -: " تركت بالعراق شيئاً أحدثه الزنادقة يسمونه التغبير يصدون به عن القرآن " والتغبير: هو عبارة عن الضرب بقضيب أو نحوه على جلد يابس، وإنشاد أشعار ربانية مرققة للقلوب كما يفعله الصوفية، ومع ذلك وصفهم بالزنادقة، فكيف لو رأى ما أحدثه الناس في زماننا من الاستماع للغناء الفاحش المصاحب للموسيقى، والرقص على الدفوف، والربابات وغيرها من آلات الصد عن ذكر الله وعن القرآن، بل وحتى عن أعظم أركان الإسلام ألا وهو الصلاة، كيف لو اطلع - رحمه الله - على شباب اليوم وهم في غفلة عن الدين وإعراض عن سنة النبي الكريم، بل واستهزاء بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وإعراض عن ذكر الله، وسخرية بكلام الله، وقد كفر الله فاعل ذلك فقال - تعالى -: " ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبا لله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: " الغناء بدعة، وكرهه ونهى عنه " وقال: " الغناء ينبت النفاق في القلب "، وذهب بعض أصحاب الإمام أحمد أن الغناء حرام.

نعم إن الغناء حرام لمن فعله ومن سمعه ومن أعان على سماعه ونشره وبيعه وشرائه، كيف لو رأى - رحمه الله - حال كثير من المسلمين اليوم وهم يتراقصون ويترنمون، فيتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ويختلط الحابل بالنابل ويتصنعون أعمال هوجاء، وأفكار غوغاء، ورقصات غربية وشرقية، ليست من الدين في شيء، يستمعون فيها لكل ناعق وناهق، وينصتون فيها لكلام غير لائق، يتلذذون على أصوات الفاسقين والفاسقات الذين يصدون عن كلام الله وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكلام الصالحين والعلماء المهديين، قال بن كثير - رحمه الله -: " استعمال آلات الطرب والاستماع إليها حرام كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية "، وقال - رحمه الله -: " وأما اتخاذ الطرب قربة وطريقة ومسلكاً يتوصل به إلى نيل الثواب، فهو بدعة شنعاء لم يقله أحد من الأنبياء ولا نزل به كتاب من السماء، وفيه مشابهة بالذين قال الله فيهم: " وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً ولهواً وغرتهم الحياة الدنيا "، وقال - رحمه الله -: " قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " الجرس مزمار الشيطان " [رواه مسلم] فإذا كان هذا في الجرس فما ظنك بالدف المصلصل الربابات المتنوعة الأشكال والأصوات، والعود والكمان والطبل، وقال أبو بكر الطرطوشي: " وهذا السماع الشيطاني المضاد للسماع الرحماني له في الشرع بضعة عشر اسماً فمنها: اللهو، واللغو، والباطل، والزور، والمكاء، والتصدية، ورقية الشيطان، وقرآن الشيطان، ومنبت النفاق في القلب، والصوت الأحمق، والصوت الفاجر، وصوت الشيطان، ومزمور الشيطان، والسمود، قال الشاعر:

أسماؤه دلت على أوصافه *** تباً لذي الأسماء والأوصاف

وقال آخر:

فدع صاحب المزمار والغناء *** وما اختاره عن طاعة الله مذهباً

ودعه يعش في غيه وضلاله *** على تنتنا يحيا ويبعث أشيباً

قال الفضيل بن عياض: الغناء رقية الزنا.

قال ابن الجوزي في تلبيس إبليس: " اعلم أن سماع الغناء يجمع شيئين:

الأول: أن يلهي القلب عن التفكر في عظمة الله - سبحانه -، والقيام بخدمته.

الثاني: أنه يميله إلى اللذات العاجلة التي تدعو إلى استيفائها من جميع الشهوات الحسية، ومعظمها النكاح وليس تمام لذته إلا في المتجددات، ولا سبيل إلى كثرة المتجددات من الحِلّ، فلذلك يحث على الزنا، فبين الزنا والغناء تناسب من جهة أن الغناء لذة الروح، والزنا أكبر لذات النفس. بل لقد نقل بعض العلماء إجماع أهل العلم على تحريم الغناء.

معاشر المسلمين: ولا يضر من خالف في ذلك من إباحة الغناء والموسيقى الهادئة وما شابه ذلك، فهم قوم قد ضلوا وأضلوا كثيراً وضلوا عن سواء السبيل، فمنهم من اشتبه عليه الأمر، فعاد بعدما حاد، فنسأل الله أن يعفو عنا وعنه بمنه وكرمه، ومنهم من أباحوا الغناء، فأطالوا فيه من الغثاء، فعظم منهم البلاء، وتبعهم كثير من السفهاء، مداهنة للحكام، ورغبة في الحرام، وحباً في الهيام والغرام، وقد قال ابن الجوزي: " وإنما رخص في ذلك من قل علمه، وغلبه هواه "، وقال سفيان بن عيينه في مثل أولئك العلماء الضُلاَّل: " احذروا فتنة العالم الفاجر، والعابد الجاهل، فإن فتنتهما فتنة لكل مفتون "، وقيل في الأمثال: " إذا زل العالِم زل بزلته عالَم "، فنسأل الله أن يردهم إلى صوابهم، وأن يعيدهم إليه عوداً حميداً، وأن يردهم إليه رداً جميلاً، فالحق أحق أن يتبع، والعبرة بما جاء في كتاب ربنا تبارك وتعالى، وما صح من أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء عن الصحابة والتابعين وأهل العلم العاملين الذين لا يخافون في الله لومة لائم في إحقاق الحق وإبطال الباطل، قال الطبري: أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء ـ أي تحريمه ـ والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري، فعليكم معاشر المسلمين بالسواد الأعظم، ومن فارق الجماعة مات ميتة جاهلية، وما أباحه إبراهيم بن سعد وعبيد الله العنبري من الغناء ليس هو كالغناء المعهود الآن المثير للنفوس والباعث على الشوق والغرام الملهب لها من وصف الخد والعينين ورشاقة الشفتين، والتغزل في بنات المسلمين، فحاشا هذين المذكورين أن يبيحا مثل هذا الغناء الذي هو في غاية الانحطاط ومنتهى الرذيلة، ويجر إلى العار والفضيحة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: " تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم * ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداً وله عذاب مهين ".

أيها المسلمون: سماع الغناء يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان، فهو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن، وهو رقية اللواط والزنا، وبه ينال العاشق الفاسق من معشوقه غاية المنى، كاد به الشيطان النفوس المبطلة، وحسنه لها مكراً منه وغروراً، وأوحى إليها الشبه الباطلة، واتخذت لأجله القرآن مهجوراً، فلو رأيتهم عند سماع الغناء وقد خشعت منهم الأصوات، وهدأت منهم الحركات، وعكفت قلوبهم بكليتها عليه، وانصبت انصبابة واحدة إليه، فتمايلوا له كتمايل النشوان، وتكسروا في حركاتهم كالنسوان، ويحق لهم ذلك، فللشيطان قلوب هناك تمزق، وأثواب تشقق، وأموال لغير الله تنفق، حتى إذا عمل فيهم السكر عمله، وبلغ الشيطان منهم أمنيته وأمله، واستفزهم بصوته وحيله، وأجلب عليهم برجله وخيله، وخَزَ في صدورهم وخْزَاً، وأزهم إلى ضرب الأرض بالأقدام أزاً، فطوراً يجعلهم كالحمير حول المدار، وتارة كالذباب ترقص حول الأقذار.

فيا حسرة على العباد، تاهوا في كل واد، والدود لهم بالمرصاد، وينتظرهم يوم التناد، فماذا جنى المسلمون من الغناء وعفنه؟ والرقص وسخفه؟ يا شماتة أعداء الإسلام بالذين يزعمون أنهم خواص الإسلام، قضوا حياتهم لذة وطربا، واتخذوها لهواً ولعباً، سبحان الله العظيم كيف ترق القلوب لغير ذكر الله؟ كيف تدمع العيون لغير الخوف من الله؟ لقد تاهت العقول في زخم الحياة الدنيا، وضاقت الصدور في خضم الماديات، وحب الشكليات، ومشاهدة الفضائيات، فقل الوازع الديني في القلوب، وضعف اليقين عند الناس، فأصبحوا لا يعرفون الحق من الباطل، ولكن كما قال الله - تعالى -: " إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "، لقد صدق فيهم إبليس ظنه فاتبعوه، وأما طريق الحق فقد ضلوه، فافتتن بالغناء كثير من المسلمين، فلم يعودوا لمعرفة الحق قادرين، ورضوا بالشيطان لهم قرين، ويوم القيامة يقول لهم: " إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم " ويقول لهم: " إني بريء منكم إني أرى مالا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب "، ويحذر الله عباده من اتخاذ الشيطان ولياً أو ناصحاً من دون الله فيقول أرحم الراحمين: " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً "

ولقد أحسن القائل:

تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة *** لكنه إطراق ساه لاه

وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا *** والله ما رقصوا لأجل الله

دف ومزمار ونغمة شادن *** فمتى رأيت عبادة بملاهي

ثَقُل الكتاب عليهم لما رأوا *** تقييده بأوامر ونواهي

سمعوا له رعداً وبرقاً إذا حوى *** زجراً وتخويفاً بفعل مناهي

عباد الله: المال من وسائل السعادة إذا استغله المسلم في طاعة ربه تبارك وتعالى، وأنفقه في مرضاته - سبحانه -، أما من تخبط في المال، ولم يهتم به من أي طريق كان، وفي أي طريق يصرف، فهذا مستدرج من قبل ربه، يمهل له، حتى إذا أخذه لم يفلته، لأنه ظالم جهول، ما عرف أن لله في ماله حقاً " وآتوهم من مال الذي آتاكم " فالمال لله، وهو مستخلفكم فيه، فينظر كيف تعملون، وقد توعد الله من أضاع ماله، في المعصية أو منع منه من يستحقه، أو صرفه في معصيته - سبحانه -، قال - تعالى -: " يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم " ولما سئل عيسى - عليه السلام - عن المال قال: [لا خير فيه، قيل: ولم يا نبي الله، قال: لأنه يُجمع من غير حِل، قيل: فإن جُمع من حِل، قال: لا يُؤدي حقه، قيل: فإن أدى حقه قال: لا يسلم صاحبه من الكبر والخُيلاء، قيل: فإن سلِم، قال: يُشغله عن ذكر الله، قيل: فإن لم يُشغله، قال: يُطيل عليه الحساب يوم القيامة]، فتأمل هذه العقبات الخمس وقليل من يتجاوزها سالماً، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " [رواه البخاري]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " [رواه الترمذي]، فأولئك سيسألون عن هذه الأموال من أين اكتسبوها وفيما أنفقوها، فاحذروا أيها المسلمون من المال الحرام فهو سبب للهلاك والدمار وعدم إجابة الدعاء، فقد ذكر النبي - عليه الصلاة والسلام -: " الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنا يستجاب لذلك " [رواه مسلم]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " [رواه البخاري]. ومن وسائل المال الحرام، من يؤجر محلاً تباع فيه أشرطة الغناء أو أشرطة الفيديو التي تحوي على الغناء ورؤية الراقصين والراقصات، ومن يبيع آلات الغناء، ومن يهدي لأحد شريط غناء، ومن يؤجر مسرحاً أو يبنيه لغرض الغناء أو الرقص. قال ابن عبد البر: " من المكاسب المجمع على تحريمها الربا ومهور البغايا والسحت والرشوة وأخذ الأجرة على النياحة والغناء وعلى الكهانة وادعاء الغيب وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب الباطل كله "، ومن استأجر المطربين والمطربات أو أهل الموسيقى كالعود والكمان والربابة وما شابهها فعمله هذا محرم والأجرة التي تأتي من وراء ذلك سحت حرام، والمال الذي يدفع فيها حرام، وصاحبه مشترك في الإثم والوزر، ومتعاون على الإثم والعدوان، قال ابن المنذر: " أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال النائحة والمغنية، ولا تجوز الإجارة على شيء من الغناء والنوح "، واعلم أيها المسلم أن المال الذي دفع فيهم سيسأل عنه صاحبه إذا وضع في حفرته بلا مال ولا جاه ولا ولد، عند ذلك يأتيه من الله ما كان يستعجله في الدنيا قال - صلى الله عليه وسلم -: " لن تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه.. " فيا صاحب الغناء أعد لذلك السؤال جواباً، واحرص على أن يكون الجواب صواباً، ووالله لن تستطيع إلى ذلك سبيلاً، لأن الله يقول: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " فهل أنت من الذين آمنوا، الذين اتبعوا كلام الله، واهتدوا بهدي رسول الله، أم أنت ممن اتبع هواه، فقذف به في النار على قفاه، فهي حسبه وغضب عليه مولاه. فأفق من غفلتك، واستيقظ من رقدتك، قبل أن يداهمك الموت ويفجأك، فالله يمهل ولا يهمل.

ومن دعي إلى وليمة أو احتفال وكان هناك أغاني في تلفاز أو غيره، فحرام عليه أن يجلس في مثل تلك المجالس لأنها مجالس محرمة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولا محاباة في دين الله - تعالى -، ولا حياء من طاعة الله - سبحانه -، بل الجبن والغبن أن يجلس المسلم في مكان يعصى الله فيه علانية وسراً. فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنها دقائق وساعات، وأيام وسنوات، ثم تقبلون على رب الأرض والسموات، ووالله إنه سيسألكم عن أموالكم من أين اكتسبتموها، وفيما أنفقتموها.

أيها المسلمون: الموسيقى أشد تحريماً من الغناء الذي لا يصاحبه موسيقى، فإن صاحبه موسيقى زاد تحريه، واشتد تغليظه، قال ابن تيمية: " مذهب الأئمة الأربعة أن آلات اللهو كلها حرام، ثبت في صحيح البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أنه سيكون من أمته من يستحل الحر والحرير والخمر والمعازف وذكر أنهم يمسخون قردة وخنازير، والمعازف هي الملاهي كما ذكر أهل اللغة وهي جمع معزفة وهي الآلة التي يعزف بها أي يصوت بها ولم يذكر أحد من أتباع الأئمة في آلات اللهو نزاعاً " [مجموع الفتاوى 11576]، المعازف هي آلات اللهو كلها، لا خلاف بين أهل اللغة في ذلك، ولو كانت حلالاً لما ذمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على استحلالها بقوله: ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف " وعلى ذلك فالموسيقى بكل أنواعها وأشكالها ومسمياتها محرمة ولذلك قرنها - صلى الله عليه وسلم - بالخمر التي هي أم الخبائث وأساس كل شر، قال - صلى الله عليه وسلم -: " ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم قردة وخنازير " [رواه ابن ماجة وصحح إسناده ابن قيم الجوزية - رحمه الله -] [إغاثة اللهفان 1 277]، كم يسعى المرجفون في الأرض والمنافقون والكفار، للإطاحة بشباب الإسلام، ووضع الطعم لهم حتى يقعوا في شباك الأعداء، ومن أعظم ذلك ما أدخلوه على المسلمين في عقر دراهم، وفي بيوتهم، من أسباب سخط الله - تعالى -، إنها الموسيقى، لقد عجزوا من إدخالها إلى بيوت الله - تعالى -، لما للمساجد من حرمة عظيمة، ومكانة كبيرة في قلوب المسلمين، كيف لا وهي بيوت الله، والناس جميعاً فيها ضيوف على الرحمن، فوصل الحال بالأعداء إلى أن يدخلوا الموسيقى إلى بيوت الله، وبأيدي المسلمين أنفسهم وذلك بتسجيل نغمات موسيقية غنائية في هواتفهم المحمولة أو الجوالة، وقد جاءت فتوى هيئة كبار العلماء مواكبة للحدث، فأصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة فتوى بتحريم جميع النغمات الموسيقية الصادرة من الهواتف الجوالة وغيرها، لما تسببه من بعد عن الله، وإعراض عن الصلاة، وإشغال لعباد الله، وطاعة لأعداء الله، فاتقوا الله رحمكم الله واعملوا لدار عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين.

عباد الله: الحق أحق أن يتبع، ولقد جاء النهي عن الشعر ما لم يكن داعياً إلى الدين، أو دفاعاً عنه، أو شعراً يشحذ الهمم، ويعين على الطاعة، قال - تعالى -: " والشعراء يتبعهم الغاوون " وقال - صلى الله عليه وسلم -: " لأن يمتلئ بطن أحدكم قيحاً حتى يُريه ـ حتى يأكل بطنه ـ خير له من أن يمتلئ شعراً " [رواه البخاري ومسلم]، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى " [رواه الخرائطي والزبيدي والغزالي في إحياء علوم الدين]، ويزيد الشعر حرمة عندما يقترن بآلات اللهو والطرب، والطبل أو ما يسمى بالزير والمزامير، ويدخل في ذلك العرضة بأنواعها، فهي حرام لما فيها من تضييع للأوقات، وإهدار للأموال، ولما تسببه غالب العرضات من انتماءات قبلية، وطعن في الأحساب والأنساب، وتفاخر بالقبائل، مقتفين أثر الجاهلية القديمة، التي جاء الإسلام بوأدها، وقطع جذورها.

أيها المسلمون: المغني ممن ترد شهادته لأنه أتى بكبيرة من كبائر الذنوب، ولأن الغناء لا يفعله إلا الفساق من الناس، قال ابن الجوزي - رحمه الله -: " لا تقبل شهادة المغني والرقاص "، قال الشافعي - رحمه الله -: " أن الرجل إذا جمع الناس لسماع غناء الجارية فهو سفيه مردود الشهادة "، فيا أيها المغني أتريد الشهرة وحب الظهور، أتريد الرفعة في الدنيا، وأن يشار لك بالبنان فيها، والله لقد نالها قبلك رجال تمنوا عند الموت أن لو قالوا " ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا " فها هو فرعون وقارون وهامان وأبو جهل وغيرهم من الطغاة والبغاة، دعاة السوء والضلالة، لم يقدروا لله أمراً ولا نهياً، ما رجوا ثواب الله وجزيل عطائه، ما رجوا لله وقاراً، فأدخلوا نارً، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً، لم تغن عنهم شهرتهم من الله شيئاً، فقيل ادخلوا النار مع الداخلين، أيها المغني والله لقد كذب الذي قال إن للفن شهداء، والله لقد قال على الله بغير علم، وكذب على نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: " ما تعدون الشهيد فيكم، قالوا: من قتل في سبيل فهو شهيد، قال: إن شهداء أمتي إذاً لقليل، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد " [رواه مسلم]، فهاهو - عليه الصلاة والسلام - يعدد الشهداء ووالله ما قال أن الفنان شهيد، ولا من مات على خشبة المسرح شهيد، فمن أين تلك الفتاوى، وما مصدر تلك الدعاوى، وكيف تجرءوا على الله تبارك وتعالى، واستدركوا عليه في دينه وهو - سبحانه - الذي يقول: " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً " فوالله لا يستوي من مات في سبيل الله تحت أزيز الرصاص وأصوات القنابل والدبابات، ومن مات على خشبة المسرح يعص الله - تعالى -فوق أرضه وتحت سمائه، تحت إضاءة الأنوار، وعند سماع التصفيق والصفير، " فريق في الجنة وفريق في السعير "، وأعوذ بالله أن أقول على الله بلا علم، وأستغفره وأتوب إليه من كل إثم، وعجباً لوسائل الإعلام في بلاد الإسلام، لقد أصبحت معاول هدم للعقيدة، ووسائل دفن للدين، فلا تجد برنامجاً ولا مسلسلاً ولا أخباراً إلا وفيها من الموسيقى ما فيها، فما بين الفينة والأخرى إلا ويفاجأ المشاهد والمستمع بهزعة موسيقية، وما بين لحظة عين وانتباهتها إلا ويفزع بضرب وتر ونغمة وسمر، تميت القلوب، وتهدم الحسنات، وتبيد الطاعات.

أمة الإسلام: يقول الله - تعالى -: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان "، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " [رواه مسلم]، الله أكبر أيها المطرب، الله أكبر أيها المغني، كل الناس يتحمل إثمه وذنبه، وأنت تتحمل إثمك وذنبك، وآثام من تبعك، وذنوب من سمعك، فلا إله إلا الله، ستتحمل أثاماً وذنوباً تنوء بحملها الحبال الراسيات، فيا ويلك يا مسكين، و يا ويحك يا ضعيف، أتظن أن الله غافلاً عما تفعل بالمسلمين، أتظن أن الشهرة والجاه والمنصب ستحميك من عذاب شديد العقاب، باب التوبة مفتوح، فالحق بالتائبين، واركب سفينة الناجين، وإياك وإخوان الشياطين، فلن يعذب إلا أنت، ولن يساق إلى الجحيم إلا أنت، فالبدار البدار بالتوبة النصوح قبل أن تغرر الروح، واحذر أن تموت على خشبة المسرح، فتكون شهيداً للعفن، ومثالاً سيئاً. ولقد عد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجموعة الشهداء ووالله ما ذكر أن للفن شهيداً، فاحذر الموت فهو أقرب إليك من حبل الوريد.

معاشر المسلمين: من استمع الغناء، أو غنا به مع آلات الموسيقى، معتقداً حله فهو كافر، مكذب لله - تعالى -، ومعاند لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومفارق لجماعة المسلمين المعتبرين، لأن الغناء محرم، وسماعه محرم، ومن أحل حراماً فهو مصادم لشريعة الله - تعالى -، وخارج عن دين الإسلام، فهو كافر مرتد والعياذ بالله، يُستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتداً، وإذا قُتل على تلك الحال، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، لكفره وردته والعياذ بالله. قال - تعالى -: " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم "، وفي ذلك القول إفتراءٌ على الله بغير علم، وتَقوُلٌ عليه بلا فهم.

عباد الله: صلوا وسلموا على حبيبكم ونبيكم ومن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال - سبحانه - قولاً كريماً حكيماً: " إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً " اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الطغاة المشركين، والكافرين والملحدين، والنصارى الحاقدين، واليهود الغاصبين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم من أرادنا بسوء فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، اللهم نكس رأسه، واجعل الخوف لباسه، اللهم تول أمرنا ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر اخوننا المسلمين في فلسطين، اللهم انصر اخواننا المسلمين في كشمير وفي أفغانستان وفي الفلبين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان، اللهم كن لهم مؤيداً ونصيراً، وعوناً ومعيناً، اللهم قوي شوكتهم، واحم حوزتهم، اللهم سدد رميهم، واخذل عدوك وعدوهم، يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح أحوالهم، واجعلهم لكتابك محكمين، ولسنة نبيك متبعين، وعن الاختلاف مبتعدين، اللهم وفق ولاة أمور المسلمين في كل مكان للحكم بشريعتك، واتباع سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعلهم رحمة على شعوبهم، اللهم اجعلهم رفقاء برعاياهم، اللهم اجعلهم هداة للحق وبه يعدلون، اللهم عليك بأعداء الدين والمسلمين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً، اللهم خذهم أخذاً وبيلاً، اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم، اللهم سلط بعضهم على بعض، اللهم شتت شملهم، وفرق بين شعوبهم، وأضعف كلمتهم، اللهم دب الذعر في قلوبهم، وأدر الدائرة عليهم، اللهم لا تقم لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية، يا قوي يا عزيز، يا جبار السموات والأرض، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، برحمتك يا أرحم الراحمين، عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

  • 6
  • 0
  • 10,706

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً