من يفضحهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق
وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحبُ فيه نُصرته».
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1. من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره:
خرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف عن أبيه عن النبي قال: « » (نيل الأوطار [6/76]).
قال الإمام المناوي -رحمه الله- شارحاً هذا الحديث (في فيض القدير [6/ 46-47]): (من أُذِلَّ) بالبناء للمجهول (عنده) أي بحضرته أو بعلمه (مؤمن فلم ينصره) على من ظلمه (هو) أي والحال أنه: "يقدر على أن ينصره أذله اللّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة".
وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « » (الترغيب والترهيب [3/201]).
فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان -مثل أن يقدر على دفع عدوّ يريد أن يبطش به فلا يدفعه- أو دينياً.
فانظر أخي المسلم، كم من المسلمين اليوم يحتاج نُصرتنا على مستوى العالم:
- فمنهم من يُفتن في دينه -أعز شيء في حياة المؤمنين- ولم يجد من ينصره إلا من رحم الله، وبنظرة بسيطة إلى الفضائيات تجد ذلك واضحاً وضوح الشمس، بل وتجد من نصَّبه الله -عز وجل- لرفع راية الله، ومد يد العون لهؤلاء يُتهم في دينه بالإرهاب وتمويل الإرهابيين.
- ومنهم من يُفتن في عرضه، وما يحدث في بلاد الرافدين ومسرى الرسول الكريم عنا ببعيد، وتشتكي أرحام المؤمنات من أولاد السفاح!، بل وتعرض الرجال أيضاً لهذه الأفعال الشائنة.
- ومنهم ومنهم..
اللهم لا تؤاخذنا بمن لا نستطيع نصرتهم
2. المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء:
ففي الحديث: إن قائلاً من المسلمين قال: "يا رسول الله ما النجاة غداً؟"، قال: « »، قال: "وكيف نخادع الله؟"، قال: « » ، وقرأ من القرآن {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف من الآية:110] (درر المنثور [1/158]).
قال الإمام أحمد: عن أبي بكرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « » (صحيح مسلم [2986]).
وعن معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال « » (إتقان ما يحسن [2/587]).
3. الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله:
وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: "كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى؟"، قال: "سمعته يقول: « »".
4. الغادر سيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة:
إن الغادر مذموم في الدنيا، وهو كذلك عند الله -تعالى-، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة. عن ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « » (صحيح مسلم [1735]).
الغادر: الذي يواعد على أمر و لا يفي به.
اللواء: الراية العظمى، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، و يكون الناس تبعاً له.
فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته، فيفضح بذلك يوم القيامة.
مكان راية الغادر: تجعل الراية عند مؤخرته: كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة).
فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: « » (رواه مسلم).
وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى الغدر. وقد جعل الله العقاب بهذا اللون من العقوبة على طريقة ما يعهده البشر ويفهمونه ألا ترى قول شاعرهم:
أسمّى ويحك هل سمعت بغدرة *** رفع اللواء لنا بها في الجميع
فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل و مواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني.
5. الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق:
وقال -صلى الله عليه وسلم-: « » (صحيح البخاري [7512]). فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين: إما أن يكون كما قال -عليه السلام- في حديث النجوى: « ».
6. الظالمون:
{وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم وَيَقُولُ الأَشهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].
يبين -تعالى- حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة علي رءوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان.
قال شيخ الإسلام: هؤلاء: "لا يحاسبون حساب من توزن حسناته، وسيئاته لأنهم لا حسنات لهم ولكن تحصى أعمالهم، وتحفظ، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخزون بها يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود من الآية:18]".
7. كاتم الشهادة يطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق:
{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة من الآية:283].
أي لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك. ولهذا قال "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" قال السدي: يعني فاجر قلبه.
عن النبي -صلى الله عليه وآله- في حديث المناهي انه نهى عن كتمان الشهادة وقال: "من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله -عز وجل-: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}".
8. من أفشى سر أخيه أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق:
أبو عبيدة جابر بن زيد: عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: « ».
9. والد جحده ولده وهو ينظر إليه فضحه الله على رؤوس الخلائق:
وللطبراني معناه من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولأبي داود وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً: أيما « ».
10. الغلول:
الغلول هو الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية، وهو ذنب يخفى تحته شيء من الطمع والأثرة، وقد توعد الله -تبارك وتعالى- الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم ( {وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ} [آل عمران من الآية:161].
يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد".
ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة، وقد وضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف يحمل الغالون يوم القيامة ما غلوه في أكثر من حديث:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، ثم قال: « ».
« » .
« ».
« ».
« ».
« » (متفق عليه وهذا لفظ مسلم، وهو أتم).
وقال الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت المستورد بن شدّاد يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: « ».
عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « » (وكذا رواه مسلم وأبو داود).
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: « ».
11. من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل:
يجب العدل بين الزوجات، قال ربنا جل في علاه: {فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} [النساء من آية:3] وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بِشير بن نَهيك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ».
والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة.
وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب، ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه. والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
12. الآمر بالمعروف ولا يآتيه والناهي عن المنكر ويآتيه:
في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: « ».
هذه حال من خالف قوله فعله، -نعوذ بالله- تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!. لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
توفيق علي
- التصنيف: