من يفضحهم الله عز وجل على رؤوس الخلائق

منذ 2015-02-12

وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحبُ فيه نُصرته».

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

1. من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره:

خرج الإمام أحمد من حديث أبي أمامة بن سهل بن حُنَيف عن أبيه عن النبي قال: «من أُذل عنده مؤمن فلم ينصره، و هو يقدر على أن ينصره أذله الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة» (نيل الأوطار [6/76]).

قال الإمام المناوي -رحمه الله- شارحاً هذا الحديث (في فيض القدير [6/ 46-47]): (من أُذِلَّ) بالبناء للمجهول (عنده) أي بحضرته أو بعلمه (مؤمن فلم ينصره) على من ظلمه (هو) أي والحال أنه: "يقدر على أن ينصره أذله اللّه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة".

وخرج أبو داود من حديث أبي طلحة الأنصاري وجابر بن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من امرئ مسلم يخُذلُ امرأً مسلماً في موطن تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه، إلا خذله الله في موطن يُحبٌّ فيه نُصرته، وما من امرئ ينصر مسلماً في موضع ينتقص فيه من عِرضه، ويُنتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موضع يحبُ فيه نُصرته» (الترغيب والترهيب [3/201]).

فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم دنيوياً كان -مثل أن يقدر على دفع عدوّ يريد أن يبطش به فلا يدفعه- أو دينياً.

فانظر أخي المسلم، كم من المسلمين اليوم يحتاج نُصرتنا على مستوى العالم:
- فمنهم من يُفتن في دينه -أعز شيء في حياة المؤمنين- ولم يجد من ينصره إلا من رحم الله، وبنظرة بسيطة إلى الفضائيات تجد ذلك واضحاً وضوح الشمس، بل وتجد من نصَّبه الله -عز وجل- لرفع راية الله، ومد يد العون لهؤلاء يُتهم في دينه بالإرهاب وتمويل الإرهابيين.

- ومنهم من يُفتن في عرضه، وما يحدث في بلاد الرافدين ومسرى الرسول الكريم عنا ببعيد، وتشتكي أرحام المؤمنات من أولاد السفاح!، بل وتعرض الرجال أيضاً لهذه الأفعال الشائنة.

- ومنهم ومنهم..
اللهم لا تؤاخذنا بمن لا نستطيع نصرتهم

2. المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء:

ففي الحديث: إن قائلاً من المسلمين قال: "يا رسول الله ما النجاة غداً؟"، قال: «لا تخدع الله»، قال: "وكيف نخادع الله؟"، قال: «أن تعمل بما أمرك به تريد به غيره، فاتقوا الرياء فإنه الشرك بالله، فإن المرائي ينادى به يوم القيامة على رؤوس الخلائق بأربعة أسماء.يا كافر، يا فاجر، يا خاسر، يا غادر. ضل عملك، وبطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم عند الله، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع» ، وقرأ من القرآن {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا} [الكهف من الآية:110] (درر المنثور [1/158]).

قال الإمام أحمد: عن أبي بكرة -صلى الله عليه وسلم- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به» (صحيح مسلم [2986]).

وعن معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال «ما من عبد يقوم مقام سمعة ورياء إلا سمع الله به على رؤوس الخلائق يوم القيامة» (إتقان ما يحسن [2/587]).

3. الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله:

وفي صحيح مسلم عن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر: "كيف سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النجوى؟"، قال: "سمعته يقول: «يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول هل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم فيعطي صحيفة حسناته وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على الله»".

4. الغادر سيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة:

إن الغادر مذموم في الدنيا، وهو كذلك عند الله -تعالى-، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة. عن ابن عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء، فقيل: هذه غدرة فلان ابن فلان» (صحيح مسلم [1735]).

الغادر: الذي يواعد على أمر و لا يفي به.
اللواء: الراية العظمى، لا يمسكها إلا صاحب جيش الحرب، أو صاحب دعوة الجيش، و يكون الناس تبعاً له.
فالغادر ترفع له راية تسجل عليها غدرته، فيفضح بذلك يوم القيامة.
مكان راية الغادر: تجعل الراية عند مؤخرته: كما في صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة).

فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: «لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة» (رواه مسلم).

وأمير العامة هو الحاكم أو الخليفة، وكانت غدرته كذلك لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأن الحاكم أو الوالي يملك القوة والسلطان فلا حاجة به إلى الغدر. وقد جعل الله العقاب بهذا اللون من العقوبة على طريقة ما يعهده البشر ويفهمونه ألا ترى قول شاعرهم:

أسمّى ويحك هل سمعت بغدرة *** رفع اللواء لنا بها في الجميع

فكانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل و مواسم الحج، وكذلك يطاف بالجاني.

5. الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق:

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ما منكم من أحدٍ إلا سيُكلِّمُه ربُّه ليس بينه وبينه تَرجُمانٌ، فينظر أيمنَ منه فلايرى إلا ما قدَّم من عملِه، وينظر أشْأَمَ منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر بين يدَيه فلايرى إلا النّارَ تلقاءَ وجهِه، فاتَّقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تمرةٍ» (صحيح البخاري [7512]). فلابد أن يصير المسلم إلى هذا الموقف وهو إما إلى إحدى حالين: إما أن يكون كما قال -عليه السلام- في حديث النجوى: «أما المؤمن فيدنيه ربه فيضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه، فيقول: أتذكر ذنب كذا وكذا؟ حتى إذا ظن أنه قد هلك قال: أنا سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، وأما الفاجر فينادى بذنوبه على رؤوس الخلائق».

6. الظالمون:

{وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعرَضُونَ عَلَى رَبِّهِم وَيَقُولُ الأَشهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18].

يبين -تعالى- حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة علي رءوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان.

قال شيخ الإسلام: هؤلاء: "لا يحاسبون حساب من توزن حسناته، وسيئاته لأنهم لا حسنات لهم ولكن تحصى أعمالهم، وتحفظ، فيوقفون عليها، ويقررون بها، ويخزون بها يعني: وينادى عليهم على رؤوس الخلائق: هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِم أَلاَ لَعنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود من الآية:18]".

7.  كاتم الشهادة يطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق:

{وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة من الآية:283].

أي لا تخفوها وتغلوها ولا تظهروها قال ابن عباس وغيره: شهادة الزور من أكبر الكبائر وكتمانها كذلك. ولهذا قال "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" قال السدي: يعني فاجر قلبه.

عن النبي -صلى الله عليه وآله- في حديث المناهي انه نهى عن كتمان الشهادة وقال: "من كتمها أطعمه الله لحمه على رؤوس الخلائق، وهو قول الله -عز وجل-: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ}". 

8. من أفشى سر أخيه أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق:

أبو عبيدة جابر بن زيد: عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من روع مسلماً روعه الله يوم القيامة ومن أفشى سر أخيه، أفشى الله سره يوم القيامة على رؤوس الخلائق».

9. والد جحده ولده وهو ينظر إليه فضحه الله على رؤوس الخلائق:

وللطبراني معناه من حديث أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ولأبي داود وابن حبان عن أبي هريرة مرفوعاً: أيما «امرأة أدخلت على قوم ما ليس منهم فليست من الله في شيء ولن يدخلها جنته، وأيما والد جحده ولده وهو ينظر إليه إلا احتجب الله عنه يوم القيامة وفضحه على رؤوس الخلائق من الأولين والآخرين».

10. الغلول:

الغلول هو الأخذ من الغنيمة على وجه الخفية، وهو ذنب يخفى تحته شيء من الطمع والأثرة، وقد توعد الله -تبارك وتعالى- الغال بفضحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وذلك لتحميله ما غله في ذلك اليوم ( {وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلٌّ نَفسٍ, مَّا كَسَبَت وَهُم لاَ يُظلَمُونَ} [آل عمران من الآية:161].

يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "أي يأتي به حاملاً له على ظهره وعلى رقبته، معذباً بحمله وثقله، ومرعوبا بصوته، وموبخا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد".

ومن الغلول غلول الحكام والموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة، وقد وضح الرسول -صلى الله عليه وسلم- كيف يحمل الغالون يوم القيامة ما غلوه في أكثر من حديث:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، فذكر الغلول فعظمه، وعظم أمره، ثم قال: «لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك».
«لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمه، فيقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك» .
«لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك».
«لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، فيقول يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك».
«لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رأسه رقاع تخفق، فيقول: يا رسول الله، أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا، قد أبلغتك».
«لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته صامت، فيقول يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئا قد أبلغتك» (متفق عليه وهذا لفظ مسلم، وهو أتم).

وقال الإمام أحمد: عن عبد الرحمن بن جبير قال سمعت المستورد بن شدّاد يقول سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلًا أو ليست له زوجة فليتزوج أو ليس له خادم فليتخذ خادماً أو ليس له دابة فليتخذ دابة ومن أصاب شيئا سوى ذلك فهو غال».

عن عدي بن عميرة الكندي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس من عمل لنا منكم عملا فكتمنا منه مخيطا فما فوقه فهو غل يأتي به يوم القيامة" قال: فقام رجل من الأنصار أسود -قال مجاهد: هو سعد بن عبادة كأني أنظر إليه- فقال يا رسول الله اقبل مني عملك قال "وما ذاك؟" قال سمعتك تقول كذا وكذا قال وأنا أقول ذاك الآن من استعملناه على عمل فليجئ بقليله وكثيره فما أوتي منه أخذه وما نهى عنه انتهى» (وكذا رواه مسلم وأبو داود).

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ردّوا الخياط والمخيط فإن الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة».

11. من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل:

يجب العدل بين الزوجات، قال ربنا جل في علاه: {فَإِن خِفتُم أَلاَّ تَعدِلُوا فَوَاحِدَةً أَو مَا مَلَكَت أَيمَانُكُم} [النساء من آية:3] وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بِشير بن نَهيك عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل».

والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة.

وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب، ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه. والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

12. الآمر بالمعروف ولا يآتيه والناهي عن المنكر ويآتيه:

في الصحيحين عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى فيجتمع إليه أهل النار فيقولون، يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول بلى قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنى عن المنكر وآتيه».

هذه حال من خالف قوله فعله، -نعوذ بالله- تسعر به النار، ويفضح على رؤوس الأشهاد، يتفرج عليه أهل النار، ويتعجبون كيف يلقى في النار. هذا ويدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، وتندلق أقتاب بطنه، يسحبها، لماذا؟!. لأنه كان يأمر بالمعروف ولا يأتيه، وينهى عن المنكر ويأتيه، فعلم بذلك أن المقصود الأمر بالمعروف مع فعله، والنهي عن المنكر مع تركه. وهذا هو الواجب على كل مسلم، وهذا الواجب العظيم أوضح الله شأنه في كتابه الكريم، ورغب فيه، وحذر من تركه، ولعن من تركه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
توفيق علي

المصدر: مجموعة مواقع مداد
  • 23
  • 4
  • 370,841

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً