معاني الحب الغائبة في عيد الحب

منذ 2015-02-15

إن الحب في الإسلام قربة يمارسها المسلم كل وقت وحين يرجوا بذلك ثواب ربه، ولا ينتظر حتى يوم في السنة ليمارس هذا الحب المزعوم الذي خلفته الوثنية وخراب القلوب، لذلك يعبر المسلم عن حبه لأخيه تقربًا إلى الله وامتثالا لشرع نبيه القائل: «إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله».

مرة في السنة يتكلمون عن عيد الحب، بديهيًا أن ندرك أن هؤلاء يفتقدون للحب طوال عامهم ولا يتذكرونه، إلا في ذلك اليوم بطقوس تجتمع فيها الوثنية والخرافة والشكليات، ليعود الجميع إلى أصله الذي يعيش عليه من الحقد والكراهية والبغضاء.

عيد الحب الذي يحتفل به أهل الملل الأخرى ويشاركهم فيه بعض المسلمين، الذين يصدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه»، قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟» (صححه ابن تيمية في مجموع الفتاوى:456/12).

هؤلاء المساكين الذين فقدوا حلاوة الإيمان، وفرغت قلوبهم من محبة الإسلام، وملأ الجهل عقولهم هم الذين انجرفوا مع تيار التغريب، ومارسوا حبًا أجوفًا لا يتجاوز اللفظ البراق المدغدغ للمشاعر، ففوتوا على أنفسهم حبًا يعيشونه على مدى الحياة وليس مرة في العام، الحب تلك الكلمة النبيلة التي دنسها المنكوسون بتصرفاتهم المنحرفة، لها في الإسلام مكانة عالية رتب الله عليها من الأجر والثواب الشيء الكثير، ووعد بها الجنة والظل الظليل، بينما هي عند القوم ممارسة توجب الهموم والأحزان والتعاسة في الدنيا والعقاب الأليم في الآخرة، فشتان بين حبين إذًا، بين حب لله وعلى طاعة الله وحب على الحرام والغرام، بين حب يزيد الإيمان وحب يذهب الإيمان، بين حب ثابت صامد لأنه لله، وحب يتلون حسب المصالح، بين حب صادق وحب منافق.

لقد تاه الحب بين أحضان المعصية فتدنس بنجاستها، فلم يعد إلا تمثيلاً في المسلسلات والأفلام، وأغاني وكليبات، وعيدًا تكسوه حمرة لا كحمرة الخجل، تنتهي الأحلام وتبقى الكوابيس مزعجة، والسراب يتبعه المغفلون، إن الحب في الإسلام من صميم الإيمان، ومن أوثق عراه، قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان» (صحيح أبي داود:4681)، بل لا ينطلق إلا من إيمان بالله ورسوله، بل سره كامن في حب الله وحب رسوله حبًا مقدمًا على حب غيرهما، فيه اللذة والمتعة وليس الشقاوة.

فمن حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» (صحيح البخاري:16)، حبًا يصدقه الالتزام بشرع الله ورسوله كما قال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران من الآية:31]، ولا يحب الله إلا عبدًا واظب على طاعته، كما قال عز وجل في الحديث القدسي عن أبي هريرة: «ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه» (صحيح البخاري:6502)، فيا له من حب تنقطع له أعناق المطي يجعل المرء يعيش في بحبوحة من العيش في شهيقه وزفيره، لأنه أحب الله فأطاعه فأحبه الله.

إنه الحب الذي إذا جمع بين شخصين على طاعة الله كان منجاة من النار وملاذًا تحت ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، ففي حديث السبعة «...ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه» (صحيح البخاري:1423)، وفي الحديث القدسي عند مسلم: «أين المتحابون بجلالي اليوم، أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي»، وقوله في الحديث القدسي عز وجل «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» (سنن الترمذي:2390).

إنه الحب الذي أوجب محبة الله وليس غضبه، كما عند القوم ومن تبعهم بسوء، قال تعالى في الحديث القدسي: «وجبت محبتي للمتحابين في» (صححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح:4939)، وما كان لله إلا دام وصفا، وما تكدر إلا بذنب، قال عليه السلام: «ما تواد اثنان في الله فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما» (صحيح الجامع:5603). وما كان لغير الله إلا انقلب عداوة وبغضاء وشحناء في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67].

إن الحب في الإسلام قربة يمارسها المسلم كل وقت وحين يرجوا بذلك ثواب ربه، ولا ينتظر حتى يوم في السنة ليمارس هذا الحب المزعوم الذي خلفته الوثنية وخراب القلوب، لذلك يعبر المسلم عن حبه لأخيه تقربًا إلى الله وامتثالا لشرع نبيه القائل: «إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله» (صحيح الجامع:281)، وفي رواية حسنها الألباني: «فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة»، ويقدم الهدية لأخيه تقوية لذاك الحب أيضًا من منطلق الشرع وليس الهوى والابتداع..

فلا شك أن هذه المعاني تغيب عن كثير ممن ألف أن يدخل جحر الضب مع اليهود والنصارى من كثير من المسلمين، فيظنون أن الحب هو ما خلدته خرافة (فالنتين)، وجهلوا -والجهل ضارب بجذوره في أعماق هذه الأمة- بأن الحب من دين الله يمارسونه بحق وبضوابط، وليس باستهتار وسفالة وسماجة.
فيكلن لك الله أيها الحب. 
 

د. أحمد اللويزة

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 5
  • 0
  • 2,237

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً