من أسباب حسن الخاتمة قصر الأمل والتفكر في حقارة الدنيا
المؤمِن يَعلم يقينًا أن الدنيا لا تُساوي عند الله جَناح بَعوضة، وأنه سينسى كل شقاء بغمسة واحدة في جَنَّة الرحمن؛ ولذلك فهو لا يتعلَّق قلبه بأي شيء من حُطام الدنيا.
من أسباب حسن الخاتمة قصر الأمل والتفكر في حقارة الدنيا
قِصر الأمل والتَّفكُّر في حقارة الدنيا:
قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]، فالمؤمِن يَعلم يقينًا أن الدنيا لا تُساوي عند الله جَناح بَعوضة، وأنه سينسى كل شقاء بغمسة واحدة في جَنَّة الرحمن؛ ولذلك فهو لا يتعلَّق قلبه بأي شيء من حُطام الدنيا، بل يُمسي ويُصبح، وهو مشغول بالعمل لهذا الدِّين، ولا يَرى أمام عينِه إلا الجَنَّةَ والنَّار، فهو يعلم يقينًا أنه لا راحةَ إلا في جَنَّة العزيز الغفَّار.
فها هو ابن عمر رضي الله عنهما: "يقوم من الليل، فيتوضأ ويصلِّي، ثم يغفو إغفاء الطير، ثم يقوم فيتوضأ ويُصلِّي، ثم يغفو إغفاء الطير، ثم يقوم يُصلِّي يفعل ذلك مرارًا".
وكان عُمير بن هانئ: "يُسبِّح كلَّ يوم مائةَ ألف تسبيحة".
وقال أبو بكر بن عيَّاش: "ختمتُ القرآنَ في هذه الزَّاوية ثمانيةَ عشرَ ألف خَتمة".
فهؤلاء هم القومُ، علموا أن الدُّنيا دار ممرٍّ وليست دار مستقر، فتزوَّدوا منها لآخرتهم، وتمثَّلوا قولَ النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لرجُل وهو يَعظُه: « » (أخرجه الحاكم).
تنبيه:
ينبغي على مَن حضر الميِّت أن يُذكِّره بهذا الأصل الأصيل، وهو حُسن الظن بربِّ العالمين.
يقول إبراهيم رحمه الله: "كانوا يستحبُّون أن يلقِّنوا العبدَ محاسن عملِه عند مَوته؛ لكي يُحسن ظنَّه بربه"؛ ولذلك كان سُليمان التيميُّ يقول لابنه المُعتمر عند الموت: "يا بُنيَّ، حدِّثني بالرُّخَص؛ لعلي ألقى الله تعالى وأنا أُحسن الظنَّ به"؛ (حلية الأولياء: [3/31]).
وكان ابن مِجْلَز رحمه الله يقول: "لا تحدث المريضَ إلا بما يُعجبه"؛ اهـ.
وهذا ما كان يَفعله السلفُ الكِرام:
فها هو ابن عباس رضي الله عنهما: "يدخل على عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه لمَّا طُعِن، فجعل يقول له: لقد صَحِبت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأحسنتَ صُحبتَه، ثم فارقتَه وهو عنك راضٍ، ثم صاحبت أبا بكر فأحسنت صُحبته، ثم فارقته وهو عنك راضٍ، ثم صحبتَهم -أي: المسلمين- فأحسنتَ صُحبتهم، ولئن فارقتَهم لتفارقنهم وهم عنك راضون" (البخاري).
وأيضًا قال ابن عباس رضي الله عنهما لعائشة لما نزل بها الموتُ: "فأنتِ بخيرٍ إن شاء الله، زوجة رسولِ الله، ولم يَنكح بِكرًا غيرَك، ونزل عُذرُك من السماء" (البخاري).
وفي (صحيح مسلم) عن عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: "حضرنا عمرو بن العاص رضي الله عنه وهو في سياق الموت، فبكى طويلًا، وَحوَّل وَجهه إلى الجِدار، فجعل ابنه يَقول: يا أَبتاه، أما بشَّرك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟ أما بشَّرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا؟".
الشيخ ندا أبو أحمد
- التصنيف:
- المصدر: