عوارض الديمقراطية الداخلية - الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب (2)

منذ 2015-02-25

إنّ عبارة (حكم الشّعب) تفترض افتراضا غير منطقيّ ولا عقليّ ولا واقعيّ، قوامه مساواة جائرة تجعل لكلّ أحد مهما كان تدنّي مداركه العقليّة واتّساع جهله أن يكون له رأي في السّياسة وأن يقع اعتبار صوته وعدّه من جملة الأصوات.

1- إشكاليّة المساواة الجائرة: لماذا لا يمكن تطبيق الدّيمقراطيّة الأثينيّة؟
إنّ عبارة (حكم الشّعب) تفترض افتراضا غير منطقيّ ولا عقليّ ولا واقعيّ، قوامه مساواة جائرة تجعل لكلّ أحد مهما كان تدنّي مداركه العقليّة واتّساع جهله أن يكون له رأي في السّياسة وأن يقع اعتبار صوته وعدّه من جملة الأصوات.

ولأجل هذا فإنّ أفلاطون يعبّر في الجمهوريّة عن اشمئزازه التّامّ من هذه الفكرة، وهو وسقراط على الرّغم من اعتقادهما أنّ النّاس يولدون متساوين في المعرفة فإنّهما يقرّران أنّهم لا يظلّون كذلك أثناء أطوار حياتهم، بل يكون بينهم من التّباين الشّاسع ما يجعل التّسوية بينهم في أخذ الآراء عين الظّلم والجهل.

يقول الدكتور أندريا سوفرنييو: "إن أفلاطون قد رفض الديمقراطية بشكل كامل، ورفض بشكل خاص المبدأ الذي يكفل لأي مواطن حرية التعبير عن رأيه السياسي وممارسة التأثير الحتمي لهذا التعبير في تقرير سياسات الدولة، وذلك لأن أفلاطون اعتقد أنه من الواضح جدّا أن ليس كل المواطنين قد تم إعدادهم وتدريبهم علي الحياة الإقتصادية أو العسكرية أو قد تم إطلاعهم علي الوظائف المختلفة للحكومة – علي سبيل المثال – وبالتالي فإنهم لا يخضعون في آرائهم السياسية للمنطق المناسب لهذه المجالات، وبالتالي فلا يمكن الإعتماد علي تلك الآراء في اتخاذ القرارات الصائبة للحكومة" اهـ
- الفلسفة العلاجية للفرد والدولة -
ولأجل هذا انتقد المفكّرون الغربيّون والفلاسفة فكرة الدّيمقراطيّة الأثينيّة ورأوها قائمة على نظرة فوضويّة توجب مشاركة الأعداد المهولة للسّكّان في العصر الحديث في كلّ قرار وهو كارثة لا يمكن إلّا أن تؤدّي إلى الانهيار التّامّ، بل ربّما تكون فكرة التّعايش بلا نظام سياسيّ أسلم منها.
ومن ثمّ انتقلوا من فكرة حكم الشّعب إلى أطروحة اختيار الشّعب فقط أي حقّه في اختيار من يحكم، دون أن يجكم هو مباشرة.
فالدّيمقراطيّة المعاصرة سلبت الشّعب حقّ الحكم وأبدلته حقّ الاختيار، وهذا أفرز بدوره إشكاليّة التّمثيل الّتي سنأتي عليها.
ولأجل هذا فقد اعترف جون جاك روسو في اعترافاته بأنّ الدّيمقراطيّة الحقيقيّة أي الأثينيّة = لا وجود لها.
بقي أن نشير إلى أنّ ديمقراطيّة أثينا المزعومة لم تنجح أصلا حتّى في أثينا لأنّها فكرة نظريّة لا يمكن أصلا تطبيقها، وبيان هذا رياضيّا كالآتي:
1- لم يكن كلّ الشّعب يشارك في العمليّة السّياسيّة ابتداء بل كان يتمّ استبعاد الرّقيق والعبيد والنّساء والأجانب من المشاركة مطلقا.
وهؤلاء تعدادهم 30 ألفا من جملة 36 ألفا هم عدد سكّان أثينا في ذلك الوقت !
2- هؤلاء السّتّة آلاف المشاركون كانوا يجتمعون أربعين كرّة في السّنة لنقاش القرارات المصيريّة
وهنا دعنا نجر عمليّة حسبة يسيرة :
لنفترض أنّهم كانوا في كلّ اجتماع يجتمعون عشر ساعات كاملة.
فسيكون لكلّ مواطن أثينيّ الحقّ في التّعبير عن رأيه بكلّ حرّيّة وديمقراطيّة لمدّة = 6 ثوان فقط لا غير !
وبافتراض كونها عشرين ساعة للاجتماع فلكلّ واحد 12 ثانية بالتّمام والكمال، تكفيه لأن يعطس مرّة واحدة وينتهي وقته !
والحقيقة أنّ الأمر لم يكن بهذا السّوء، فلم يكن الجميع يتكلّم لأنّ هذا مستحيل كما ترون، ولذلك فقد نبّه على هذا المؤرّخ الألماني دان دينر فقال: " الحقيقة أنّهم لم يكونوا جميعا يتكلّمون ، بل كان يتكلّم القادة والباقي يستمعون ". اهـ
فهي لم تطبّق إذًا يوما واحدا من دهرها !
* بعض الشّواهد المنتقاة : 1- يقول البروفيسور إريك كوفميل أستاذ الفكر السياسي بجامعة سسكس بالمملكة المتحدة:
" إنّ أفلاطون قد وجّه العديد من الانتقادات للدّيمقراطية، ولكن يمكن تلخيص انتقاداته في أربعة أطروحات محدّدة، هي:
1- النظام الديمقراطي هو نظام تعددي يفتقر لأي نوع من الوحدة السياسية.
2- الديمقراطية تجنح دائماً للاستجابة ولاتباع (رغبات) الشعب و(تقلباته) ولا تستجيب (للمصلحة العامة) التي غالباً لا يدركها السواد الأعظم من الشعب.
3-الديمقراطيات الضخمة (من حيث اتساع الدولة وتعقد التركيبة الإجتماعية وازدياد عدد السكان) تفشل في إتاحة القدر المناسب من التعبير السياسي لكل عناصر المجتمع، ممّا يشكّل عاملا لتثبيط المواطنين عن المشاركة في الحياة السياسية والعامة.
4- الديمقراطية هي نظام سياسي يديره بعض الحمقى! ويكون أفضل شئ هو أن يتولى إدراة شئون الدولة المتخصصون بصرف النظر عن مدى تمثيلهم لرغبات الشعب وأهوائه، وذلك لأن إدارة شؤون الحكم إذا تركت للشعب سيؤدي ذلك لخلل كبير في الدولة، لأن الشعب لا يعرف ما الذي يفعله علي وجه الحقيقة " اهـ
ويقول كوفميل أيضا:
" وأفلاطون يرى في نظريته الخاصة بالحكم والدولة، أن هناك حالة مثالية هي التي يجب أن تسود النظام السياسي الناجح، وهي أن يتولي الحكم (ممثلون عن إرادة الشعب) بالتعاون مع (أهل الخبرة والتخصّص ) الذين لا يهمّ أن يكونوا منتخبين من قبل الشعب أو ممثّلين عن رغباته " اهــ
- الفكر اللّاديمقراطي -
2- ويقول الفيلسوف الألماني فيلسوف العلم كارل بوبر: " لم تكن الدّيمقراطيّة يوما حُكم الشّعب".
- الحياة بأسرها حلول لمشاكل-

ربّ يسّر وأعن!

كمال المرزوقي

رئيس جامعة الإمام مالك للعلوم الشّرعيّة بتونس.

  • 2
  • 0
  • 3,959
المقال السابق
الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب
المقال التالي
الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً