الحتمية العقلية للدار الآخرة
الإيمان بالدار الآخرة نتيجة عقلية حتمية لمن آمن بالله وعدله، ووعى حال الدنيا وما يحدث فيها من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
إن من ينظر إلى أحوال دنيانا التي نعيش فيها يجد عجباً، يجد أن هناك أناس لا يبذلون أدنى جهد ويعيشون في نعيم الدنيا عيشة الملوك، ويجد أناساً آخرين يجدون ويكدحون ولا ينالون من الدنيا إلا الفتات اليسير، ويجد أناساً طاغين متجبرين يسحقون أهل الخير ويسومونهم سوء العذاب في الدنيا، ويجد أيضاً أنه ليس كل هؤلاء الجبارين يلقون جزاءهم قبل موتهم،
إن القرآن ذكر قصصاً كثيرة تقص علينا مصير بعض الظالمين في الدنيا، كعذاب (عاد، وثمود، وقوم نبي الله لوط)، ولكنه ذكر لنا أيضاً مثالاً على قوم ذاقوا مر العذاب ولم يذكر انتقاماً من ظالميهم في هذه الدنيا، وهؤلاء هم أصحاب الأخدود.
قال الله تعالى في سورة البروج من آية (4) إلى آية (9): {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ . وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ . وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، إن الإيمان بالله تعالى وتنزيهه عن كل نقص، والإيمان بعدله يحتم على المؤمن الإيمان بحياة أخرى بعد الموت يقتص فيها الله تعالى من الظالمين المعتدين ويعيد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ويقيم الميزان الذي طالما مال ولم يتزن في حياتنا الدنيا.
وفي سورة البروج نفسها لم يتركنا الله حيرانين في مصير هؤلا ء المجرمين فأثلج قلوبنا في الآيات من (10) إلى (16) بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ . إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ .إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ . وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ . ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ . فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ}.
وها هو اليوم الآخر يخفض من علا وتكبر بغير حق في الحياة الدنيا، ويرفع من وقع عليه الظلم ويعيد له حقه، ويعيد الاتزان من جديد بما يليق بعدله المطلق سبحانه وتعالى، قال تعالى في سورة الواقعة من آية (1) إلى آية (3): {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ . لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ . خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ}.
الاستنتاج:
الإيمان بالدار الآخرة نتيجة عقلية حتمية لمن آمن بالله وعدله، ووعى حال الدنيا وما يحدث فيها من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
والله أعلم.
- التصنيف: