العُزلة!
الميل للوحدة كان مفيدًا أحيانًا وكان سببًا في خير كثير لي والحمد لله على نعمه الجزيلة، لكنني فوجئت أن تلك العزلة المحببة حرمتني أيضًا من الكثير.
كانت العزلة دائمًا أحب إلي من مخالطة الأصحاب والأنس بالأصدقاء والأخلاء.
ما كان ذلك يومًا بسبب قلتهم، فبفضل الله لطالما أحاط بي من أحسبهم على خير وصلاح، وما أزعم أن مودتهم كانت قاصرة أو محبتهم كانت متكلفة، بل العكس تمامًا ولله الحمد والمنة.
غير أني كثيرًا ما كنت أختار عليهم الوحدة، وأفضل الانعزال، وصحبة النفس، والقلم، اللهم إلا لأجل أمر أرى ألا يجوز لي التخلف عنه.
والحقيقة أن هذه الميل للعزلة إلا لضرورة لم يكن ضرره خالصًا، بل كانت له فوائد جمة، وأعانني الله من خلاله على إتمام ما رزقني به من أبحاث قرآنية وكتب، يسر الله نشر بعضها ولم يخرج بعضها الآخر للنور بعد.
الميل للوحدة كان مفيدًا أحيانًا وكان سببًا في خير كثير لي والحمد لله على نعمه الجزيلة، لكنني فوجئت أن تلك العزلة المحببة حرمتني أيضًا من الكثير.
شعرت بذلك حين وجدت نفسي بين عشية وضحاها وقد مرت بي لحظات أكون فيها أحوج إلى أعوان على الخير، وندماء أصفياء؛ تبوح لهم بسرك، وتنتفع بنصحهم، وترتاح لبث همومك، لتلقى منهم آذانًا صاغية، وأفئدة واعية وحرصًا على الخير لك.
لا شك أنهم كانوا يومًا موجودين، ولم يزالوا، لكن أنّى تأتيك جرأة استدعائهم، وقد فرطت يومًا في صحبتهم، وزهدت في خالص مودتهم، لا أقول أنني نادم، فالمرء لا يسع كل شيء، وكلٌ ميسر لما خلق له، ولو أن الزمن قد عاد بي فلا أدري لربما اخترت المزيد من العزلة، فلا يمكن أن أجحد فضل الله فيها، ولا أنسى ما امتن علي به من خلالها.
لكن ما أثق به أن تلك الكَرة لو عادت فسأعيد التفكير كما أعيده اليوم، ولعل الخيار حينئذٍ يختلف بعض الشيء، إلا أن النصيحة التي خلصت إليها من تلك التجربة، والتي أود أن أشارك إخواني فيها؛ عدم الاستهانة بتلك القيمة العظيمة، والتردد كثيرًا قبل الإعراض عنها لغيرها.
قيمة الصحبة وصبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه.
فكر كثيرًا قبل أن تفرط فيها!
- التصنيف: