خطوات في التربية - (21) اليقين في الله تعالى

منذ 2015-05-03

قال بعض الأعراب أصحاب الفطر السليمة: "البعرة -يعني الروثة- تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج وأنهار، وسماء ذات أبراج، ألا تدل على الله الواحد القهار"، وهذا استدلال الفطرة السليمة كأمر ضروري لا تستطع النفس رفضه.

أولاً: الخالق الصانع سبحانه وتعالى أبقى أثرًا في فطرة المخلوق المصنوع، فكل فطرة تعرف الله وتقرّ به وتتجه إليه وتبحث عنه، هذا وحده دليل، بل من أظهر الأدلة لأنها علم ضروري في كل نفس يفرض نفسه على صاحبه.

ولذلك لما استنكرت بعض الأمم على رسلهم الدعوة إلى إفراد الله بالعبادة {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}؟ [إبراهيم من الآية:10]، بمعنى أفي وجوده شك؟ أو أفي إفراده بحق العبودية شك؟ فلم يقيموا الأدلة على وجوده تعالى، بل استنكروا هذا الشك، فإقرار النفوس به في كل فطرة دليل منفرد، ولهذا يرِد في القرآن تعبير (أفلا تذكرون) فالأمر في فطرة كل إنسان لا يحتاج معه إلا إلى تذكر ما فُطر عليه.

ثانيًا: طلب النفوس وشوقها له، فإنها لما فُطرت على الإقرار به تعالى، لا ترضى ولا تسكن إلى غاية بعينها؛ فكلما طلبت النفس غاية ووصلت إليها قلقت منها وتطلعت إلى ما هو أعلى، ذلك أنه لا قرار لنفس ولا اطمئنان لها إلا به تعالى، وبحبه وطاعته والسعي إليه، فمن حُرم من هذا فهو المحروم المعذب، وسيبقى كذلك حتى يعرفه ويطلبه، ومن ثم يصل إليه.

ثالثًا: دليل الوجود، فما من أثر إلا وله مؤثر، وعندما يكون هناك ترتيب فالأثر أوضح، وعندما يكون هناك ترتيب محكم ومتقن وجميل ومعجز دلّ هذا على القوة العلوية الصانعة لهذا، ودلّ على صفات الخالق من الوجود والعلم والحكمة والقدرة والعلم والرحمة والإتقان، أما أن يصدر كلمة واحدة فقط بطريقة عشوائية يرفضها العلم الحديث تمامًا، وترفضها نظريات الاحتمال، بل أثبت العلم أن مواد الكون بما فيه لا تكفي لعمل شيء واحد مرتب.

قال بعض الأعراب أصحاب الفطر السليمة: "البعرة -يعني الروثة- تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج وأنهار، وسماء ذات أبراج، ألا تدل على الله الواحد القهار"، وهذا استدلال الفطرة السليمة كأمر ضروري لا تستطع النفس رفضه.

وهذا إلزام الله للخلق {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور من الآية:35]، فهذا السؤال الأول، وهو استنكاري، فما من عاقل إلا ويقول لا، ثم أضاف سؤالا أشد {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور من الآية:35]، ثم ألزمهم بما هو أشد منهما {أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الطور من الآية:36]، فلما أُلزموا بكل هذا قال تعالى: {بَل لَّا يُوقِنُونَ} [الطور من الآية:36]، فالأمر لا يحتاج أكثر من هذا التفكير وهذه الأسئلة.

رابعًا: الإبداع، وهو الخلق على غير مثال سابق، أما آخر إطاقة البشر فهو المحاكاة، فكل ما خلقه تعالى هو الإبداع والبداية؛ فمن نظر إلى الخلق حوله وجد خلقًا على غير مثال سابق ولا معهود، ولكن هو محض إبداع وإنشاء فعلم أن قوة مدبرة أرادت هذا الخلق بهذه الطريقة.

خامسًا: مع هذا الإبداع ثمة تشابه ما بين الخلق وتناسق وتآلف بلا تنافر، بل وتوازن عجيب من كل ناحية؛ فكل مخلوق معمول حسابه في هذا الوجود، وله دوره ووظيفته يؤديها، بما يشي بيد واحدة مبدعة.

سادسًا: الإرادة، ففي الوجود أمور لا يوجب العقل وجودها على هذا النحو ولا يوجب انتفاءها، فليس في العقل ما يوجب جمال الطاووس وقبح القرد، وليس فيه ما يوجب حلاوة ثمرة وحموضة أخرى، وليس فيه ما يوجب غنى شخص وفقر آخر، وقوة مخلوق وضعف آخر.. فلم يبق إلا إرادة وحكمة قوة عليا هي التي قسمت هذه الأوضاع، فالأمور كلها تتجه الى وجود إرادة عليا مدبرة وقاهرة.
يتبع إن شاء الله تعالى.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 2
  • 1
  • 2,750
المقال السابق
(20) اليقين
المقال التالي
(22) اليقين في الله تعالى

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً