المشروع الإسلامي
ينبغي لمن يشرع أن يعلم جميع كليات الكون وغايته ومبادئه وقواعده والعلاقات المختلفة بين الألوهية وبين الكون والإنسان، بل وأن يعلم حقيقة الألوهية، وأن يحيط علمًا بغاية وجود كل مخلوق، وأن يمتلك الحكمة الكلية لكل المخلوقات، وأن يكون ذا علم مطلق، وذا قدرة مطلقة، وأن يقدّر المقادير وأن يربط بين قدره وشرعه، وإلا أخطأ في التشريع وصار ما يشرعه رميًا في عماية وإفسادًا للخلق وللحياة ولأوضاعها جميعًا، إضافة إلى اعتدائه على حق من يملك الحق سبحانه وتعالى، ولهذا فلا يكون التشريع إلا لله تعالى
كلمة (لا إله إلا الله) تعني منهجًا فارقًا وطريقًا متميزًا في حياة قائلها، فالكلمة تعني إفراد الله بالعبادة والطاعة، ومعنى الطاعة هنا قبول التشريع، وقبول التشريع من الله تعالى وحده يعني منهجًا متميزًا وتغييرًا عميقًا في حياة الفرد وحياة الأمة، وقد أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم برسالة، ولهذا سُمي رسولاً، والرسالة تحمل أخبارًا وأوامر، وحق الأخبار التصديق وحق الأوامر القبول والاستسلام والامتثال، وهذا هو الإسلامي، قبول أحكام الله تعالى والاستسلام لها على أنها القانون العام والخاص للمسلم.
والبشر لا يستقلون بالتشريع وإدراك جميع أوجه المصالح، في أي مرحلة حضارية، ومن هنا ثبتت حاجة الإنسان، من حيث هو إنسان، إلى ربه يشرع له، ويبين له، ويعلمه أوجه المصالح، كما هو محتاج إلى ربه تعالى يطعمه ويسقيه ويغذوه ويكسوه ويشفيه، وليست الحاجة إلى تشريع الله تعالى مرتبطة بمستوى حضاري معين أو ظروف بيئة معينة، بل هو، كإنسان، محتاج إلى تشريع الله تعالى، وكما لا تنفك عنه إنسانيته فلا تنفك عنه حاجته إلى الله تعالى تعبدًا وقبولاً لتشريعه.
وينبغي لمن يشرع أن يعلم جميع كليات الكون وغايته ومبادئه وقواعده والعلاقات المختلفة بين الألوهية وبين الكون والإنسان، بل وأن يعلم حقيقة الألوهية، وأن يحيط علمًا بغاية وجود كل مخلوق، وأن يمتلك الحكمة الكلية لكل المخلوقات، وأن يكون ذا علم مطلق، وذا قدرة مطلقة، وأن يقدّر المقادير وأن يربط بين قدره وشرعه، وإلا أخطأ في التشريع وصار ما يشرعه رميًا في عماية وإفسادًا للخلق وللحياة ولأوضاعها جميعًا، إضافة إلى اعتدائه على حق من يملك الحق سبحانه وتعالى، ولهذا فلا يكون التشريع إلا لله تعالى، ولهذا قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ} [المؤمنون:71].
كذلك لا ينبغي أن يشرع إلا من يعلم القوانين الكلية للوجود كله والعلاقات في هذا الوجود، ويعلم عمق فطرة الإنسان وحركة المجتمعات والتاريخ وحساب الموجودات كلها ومساحة كل مخلوق ودوره وعلاقته بالإنسان والجنس البشري ككل، ويكون عنده قدرة على أن يشرع ما يصلح الإنسان باختلاف بيئاته وأدواره وأوضاعه، فمن لم يكن كذلك أفسد، ولهذا فلا يكون حق التشريع إلا لله سبحانه وتعالى.
ولا يستقيم التشريع ولا يُصلِح إلا إذا كان من يشرعه لا يعمل لمصلحته أو مصلحة طبقته أو حزبه أو عِرقه، وهذا لا يكون من بشر، فما شرع أحد إلا عمل لمصلحته؛ فردًا أو حزبًا أو طبقة أو عِرقًا أو جنسًا أو رابطة أو لأهل مهنته، أو غيرها..، ولا بد من حيف وظلم ومحاباة جانب ضد جانب آخر، أما من يشرع لك فلا يشرع لمصلحته لأنه غني، ولا يتقوّى من ضعف، ولا يعز من ذلة، ولا يبلغ أحد ضره فيضره، ولا يبلغ أحد نفعه فينفعه، ويشرع لمصلحتك فحسب بلا عائد، فهذا هو الله تعالى، وهو تعالى لا يحابي أحدًا على أحد بل يشرع لما يصلح العبيد، ولهذا يهنأ الناس بالعدل في ظل ما شرعه تعالى، وعلى هذا فحق الله تعالى بإفراده بالحكم والتشريع هو معنى الإسلامي، ومبدأ الاستسلام، وتحقيق العبودية لله تعالى بقبول شرعه ورفض ما سواه.
والشريعة ليست مجرد أحكام بل هي عقيدة تنبثق منها شريعة، هذه الشريعة هي أحكام تفصيلية وقواعد كلية وعمومات شاملة، وقيم وأخلاق، وموازين وتصورات، ومنهج حياة كامل وشامل، وصبغة ربانية عامة، ومشرب حضاري، يتغير بها المجتمع كله، أفرادًا وعقائد وأخلاقًا وتوجهات وقيمًا وموازين، وبيوتًا وأسر وعلاقات الجنسين وواجب التربية، وصبغة تصطبغ بها الشوارع والميادين والمؤسسات، ونظم وأحكام، وإعلام وتعليم، وجيوش ودفاع، ورسالة أمة إلى العالم كله.
العلمانية هي رفض شريعة الله تعالى أن تهيمن على الحياة وتوجهها، وهي تعني الانفصال عن المشروع الإسلامي، والانفصال عن الهوية الإسلاميية، وتعني مسخ الأمة وتشويهها لتكون تابعًا شائهًا للغرب، وتعني الفساد في تجربة أكثر من قرن من الزمان، وأصبح الفساد والاستبداد قريني حكم هؤلاء الأراذل والأوباش، وأصبحت الهزائم المتتابعة وضياع الأرض والمقدسات، وتفتيت الأمة، وتشريـع الخيانات صفة لاصقة لا تفارقهم.
الإسلامي يعني منهج الله عبودية ودينونة له تعالى، كما يعني التواصل مع المشروع الإسلاميي والتاريخ والهوية، ويعني التواصل مع الأمة، حفاظًا على مصالحها، عندما يقول الله تعالى: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف من الآية:56]، يقرر المفسرون أن الفساد هنا هو المعصية، ذلك أن المصالح فيما شرع الله، والفساد ملازم لكل ما حرم الله.
فمن وقف في خندق هذا الدين أصلح، ومن ابتعد عنه أفسد، ومن وقف ضده كان داعية للفساد ومن رموزه وأئمته..
لا تغتروا بالشعارات البراقة، واعقلوا عن الله تعالى خطابه وثقوا فيما أخبركم، لا صلاح إلا بمنهج الله، فمن ادعى الإصلاح في غيره فقد كذب، كذلكم قال الله من قبل، وقد صدق الله، وكذب كل دجال دعي يرفض شريعة الله تحت أي مسمى من علمانية أو ليبرالية أو شيوعية أو غيرها، كما كذب الغوغاء والراقصون، إن الوقوف مع المشروع الإسلاميي ومع التوجه المخلص اليوم واجب تفرضه العقيدة، إن الأمر ليس اختيارًا وليس مجاملات إنه أمر عقيدة ومستقبل أجيال.
لقد خسرنا الكثير في ظل مائة عام من العلمانية، ولا بد من مساندة المشروع الإسلاميي وتصحيح أخطائه واستكمال نقصه، وعدم السماح بسقوطه، ففيه حبل النجاة، ومهما يكن من تقصير أو عقبات فهو مشروع يفتح الطريق ليُبنى عليه، وتُبنى عليه البلاد، أما أي أطروحات أخرى فدوامة جديدة من الفساد والاستبداد والتبعية والخيانة بل والخروج من التاريخ.
والمتربصون اليوم والمرتقبون أشرس من ذي قبل ولن يرحموا بلادنا إذا وقعت فلينتبه المخلصون.
- التصنيف: