الأسرى الفلسطينيون بين المتاجرة والمناصرة

منذ 2015-05-10

لا يمكن القيام بنصرة حقيقية للأسرى في ظل الضعف والهوان والتشرذم الذي تعيشه الأمة الإسلامية، فكم نحن بحاجة لقائد يقول للأعداء الجواب ما ترى لا ما تسمع!

تعتبر قضية فلسطين القضية المركزية الأولى لدى جميع المسلمين، بجميع حيثياتها وتفرعاتها، كيف لا وقد ربط الله سبحانه وتعالى رسالة السماء بهذه الأرض الطيبة المقدسة المباركة، في بداية الزمان ووسطه وآخره، وحقيقة الصراع بين الحق والباطل عبر السنين يكون على أرضنا الحبيبة.

لما كانت الحروب سجال ومن لوازمها قتلى وأسرى وجرحى، فقد جاءت الشريعة بأحكام العدل والإنصاف، في جميع الأحوال سرَّائها وضرَّائها، حتى وُضِعت شروط لمن يُؤسر وضوابط وأحكام وأوصاف، لتصبح نظام وقوانين شرعية مسطرة في كتب الفقه وغيرها، في الوقت الذي لم تعرف الأمم قبل الإسلام أي توصيف أو قانون لمعاملة الأسرى.

منذ قرابة قرن مضى من الزمن، وأرضنا فلسطين وشعبنا يتعرض لظلم واضطهاد وتنكيل، فاق كل التصورات وبجميع المقاييس، فاحتلال إحلالي للأرض، وتهجير وتشريد لم يسبق له مثيل، وتهويد شامل للمقدسات والتاريخ والجغرافية، وقتلى وجرحى وأسرى من الرجال والنساء والأطفال، وشتى ألوان التعذيب والإهانة والذل والبطش في السجون الصهيونية، حتى أصبحت قضية الأسرى من أبرز القضايا المؤرقة لنا بل للعديد ممن لديهم ذرة من إنسانية في العالم!

لو تأملنا البون الشاسع والفرق الكبير، بين حقوق الأسرى وكيفية معاملتهم في الإسلام، وبقية الديانات والحضارات عبر التاريخ، لوجدنا العجب العجاب وأن ديننا العظيم بحق دين الإنسانية جمعاء، ففي ديننا لا يؤسر إلا المحارب، ويجب الإحسان في معاملتهم وعدم تجويعهم أو تعذيبهم أو إهانتهم {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [1]، ولم تظهر المعاهدات الدولية لتنظيم معاملة الأسرى إلا في عام 1875م وقد استقي معظمها من الإسلام.

ما أجمل ما كتبه أوليفروس الألماني الأسير الذي شارك في الحروب الصليبية واصفًا معاملة صلاح الدين لهم؛ فقال: منذ تقادم العهود، لم يسمع المرء بمثل هذا الترفق والجود، خاصة إزاء أسرى العدو اللدود، ولما شاء الله أن نكون أسراك، لم نعرفك مستبدًا طاغية، ولا سيدًا داهية، وإنما عرفناك أبًا رحيمًا شملنا بالإحسان والطيبات،وعونًا منقذًا في كل النوائب والملمات، ومن ذا الذي يمكن أن يشك لحظة في أن مثل هذا الجود والتسامح والرحمة من عند الله. إن الرجال الذين قتلنا آباءهم وأبناءهم وبناتهم وإخوانهم وأخواتهم وأذقناهم من العذاب، لما غدونا أسراهم وكدنا نموت جوعًا، راحوا يؤثروننا على أنفسهم على ما بهم من خصاصة، وأسدوا إلينا ما استطاعوا من إحسان، بينما كنا تحت رحمتهم لا حول لنا ولا سلطان[2].

في المقابل نرى كيف كانت حضارة الرومان تقتل الأسير حتى أواخر حكمها، ثم أصدروا قوانين للإبقاء عليه حيًا والاستفادة منه في أعمال شاقة ومهن وضيعة، وما أدل على الهمجية والسادية في التعامل مع الأسرى، عندما هاجم الإمبراطور الروماني (فسبسيان) عام 70م مدينة القدس والتي يسمونها أورشليم إذ أمر اليهود أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم بأيديهم، فاستجابوا من شدة الرعب، ثم عملوا قرعة ليقتل كل شخص صاحبه، حتى أبيدوا ولم ينج إلا قلة منهم!

الأسير لدى الفرس كان عرضة للتعذيب والاضطهاد والقتل، ثم استرقوهم وباعوهم رقيقًا واستعملوهم في الأعمال الشاقة، ولم يكن الحال بأفضل من ذلك في حضارة الهند، إذ كان الأسير يعتبر من أوضع وأدنى درجات المجتمع، بل يعتبر أحط من مرتبة البهائم وكفارة قتله ككفارة قتل الكلاب والقطط!!

وفي عام 1572م ضمن حرب الثلاثين عامًا في أوربا انقض الكاثوليك على البروتستانت الزائرين لأحد الأعياد وقتلوا منهم الآلاف وشنقوا الجرحى والأسرى على أغصان الشجر!!

في العصر الحديث امتازت وبرزت قوتين في تشريع التعذيب والتحايل على القوانين الدولية وحتى المبادئ الأخلاقية، من أجل استخدام التعذيب كوسيلة لتحقيق غايات سياسية أو أمنية وهما: إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ففي إسرائيل أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارًا في 6 سبتمبر 1991 يحرم عددًا من أساليب التعذيب، ولكن من دون أن يحرم التعذيب كليًا، بل أن قرار المحكمة يسمح للكنيست بسن قوانين تمنح مسؤولي الاستخبارات صلاحية ممارسة هذه الأساليب، وقد اعتبرت المحكمة أن المصاعب الأمنية التي تواجهها إسرائيل شديدة بما يكفي لمنح الأجهزة الاستخباراتية صلاحية شعورهم بالحصانة فيما يتعلق بما يتبعون من ممارسات في السجون.[3]

من يتأمل تراث الإسلام في مسألة الأسرى، ويطلع على ما دوَّنه علماء الإسلام عن الأسرى وحقوقهم في الإسلام يلحظ بجلاء أن الإسلام يجنح باستمرار إلى تغليب الجانب الإنساني في معاملة الأسرى، والأهم من ذلك أن الإسلام أخضع معاملة الأسرى لنظام محكم وتشريع مدون، لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوزه أو التعدي عليه لا سيما تحت ضغط الحالات النفسية المتوترة التي تولدها الحروب والانتصارات.[4]

 

وجوب نصرة الأسرى وإنقاذهم بكل الوسائل المتاحة

لما كان الأسر من الآثار المترتبة على قتال الأعداء، والجهاد باق وماض في أمتنا، فلا بد أن تكون هنالك أولوية وإستراتيجية شاملة متكاملة، في المبادرة لسرعة إطلاق الأسرى، أو التخفيف من معاناتهم كحد أدنى، والعمل الجاد الدؤوب في هذه القضية، لأن الأسير ضحّى بعمره وحريته وحياته الاجتماعية، وممارسة أدنى الأشياء في هذه الدنيا، في سبيل حريتنا وكرامتنا ومقدساتنا بل وديننا. قال عليه الصلاة والسلام: «فكُّوا العانِيَ، يعني: الأسيرَ، وأطعموا الجائعَ، وعودوا المريضَ» [5].

لقد دأب العلماء والخلفاء والأمراء والحكام من المسلمين عبر التاريخ، وبذلوا جهودًا مضنية واهتمام كبير، لتحرير الأسرى وإطلاقهم وخلاصهم، مع ذلك يبين القرطبي رحمه الله القصور الحاصل في زمانه في تخليص الأسرى من أيدي الكفار قائلا: "لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض! ليت بالمسلمين، بل بالكافرين! حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!"[6]، فكيف لو رأى زماننا والله المستعان!

ثم أفاد القرطبي بوجوب فك الأسرى ونصرتهم حتى لو استنفذنا جميع الموارد، ونقل خلاصة أقوال العلماء وإجماعهم في ذلك فيقول: "قال علماؤنا: فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد. قال ابن خويز منداد: تضمنت الآية وجوب فك الأسرى، وبذلك وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهفك الأسارى وأمر بفكهم، وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين".[7]

قال ابن العربي:" قال علماؤنا: أوجب الله سبحانه في هذه الآية[8] القتال؛ لاستنقاذ الأسرى من يد العدو مع ما في القتال من تلف النفس، فكان بذل المال في فدائهم أوجب، لكونه دون النفس وأهون منها[9].

وأقوال العلماء كثيرة جدًا في ضرورة بذل الغالي والنفيس وكل ما بوسع الأمة، لإطلاق سراح الأسرى، من ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات"[10]، وقول العز بن عبد السلام: "إنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات،وقد قال بعض العلماء: إذا أسروا مسلمًا واحدًا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم"، فما الظن إذا أسروا خلقًا كثيرًا من المسلمين؟"[11].

ولأهمية هذه القضية سجلت ووُثقت، أوقاف خاصة لفكاك الأسرى، منها وقف ونذر نور الدين زنكي اثني عشر ألف دينار في فداء الأسرى، وكذلك قام الناصر قلاوون بشراء أملاك بيت المال ثم وقفها على فكاك أسرى المسلمين، كما وقفها على إطلاق سراح المساجين في الدولة[12]،ومن أشهر الأوقاف في ذلك وقف صلاح الدين ببلدة بلبيس[13].

لذلك يجب على جميع المسلمين، مجتمعين ومتفرقين تقديم يد العون، وبذل الأموال والأوقاف، وأن لا تقر لنا عين حتى إخراج آخر أسير فلسطيني على وجه الأرض، كما لا ننسى الدعم المعنوي سياسيًا وإعلاميًا وحقوقيًا، وبمختلف المحافل الدولية والإقليمية والعربية.

 

نماذج رائعة لفداء وفك الأسرى

للعلماء والخلفاء عبر التاريخ صور مشرقة ومواقف نيرة، في فكاك الأسارى غاية في الشجاعة وروعة في الجرأة والإقدام والبذل والعطاء واستشعار المسؤولية، حتى أن الإمام ابن النحاس (ت: 814هـ) أفرد بابًا هامًا عن فكاك الأسرى في كتابه (مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق).

وخرج ابن عساكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى المسلمين الأسرى في القسطنطينية: "أما بعد: فإنكم تعدون أنفسكم الأسارى، ومعاذ الله، بل أنتم الحبساء في سبيل الله، واعلموا أني لست أقسم شيئًا بين رعيتي إلا خصصت أهلكم بأكثر من ذلك وأطيبه، وإني قد بعثت إليكم فلان بن فلان بخمسة دنانير. ولولا أني خشيت أن يحبسها عنكم طاغية الروم لزدتكم عليها. وقد بعثت إليكم فلان بن فلان يفادي صغيركم وكبيركم، وذكركم وأنثاكم، وحركم ومملوككم، بما يسأل عنه؛ فأبشروا ثم أبشروا. والسلام"[14].

ومن نوادر الأمثلة على ذلك عندما عاد المنصور بن أبي عامر (أحد ملوك المسلمين في الأندلس) من حربه وانتصاره على الفرنج إلى عاصمته، تلقته امرأة مسلمة، وقالت له: أنت والناس يفرحون، وأنا باكية حزينة! قال: ولماذا؟ قالت: ولدي أسير عند الفرنج! فلم يذهب المنصور إلى قصره، وإنما سير الجيوش فورًا، وأمرهم أن يقاتلوا الفرنج حتى يخلصوا ابنها من الأسر، وجاءوا به حُرًا طليقًا[15].

وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أبعد من ذلك، عندما اشترط إطلاق سراح الأسرى من النصارى مع أسرى المسلمين، يقول رحمه الله: "وقد عرف النصارى كلهم أني لما خاطبت التتار في إطلاق الأسرى وأطلقهم غازان وقطلو شاه وخاطبت مولاي فيهم فسمح بإطلاق المسلمين. قال لي: لكن معنا نصارى أخذناهم من القدس فهؤلاء لا يطلقون. فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا؛ فإنا نفتكهم ولا ندع أسيرًا لا من أهل الملة ولا من أهل الذمة. وأطلقنا من النصارى من شاء الله[16].

 

الأسرى بالأرقام

دون مبالغة أو تهويل تعد أكبر بل أضخم عملية اعتقال جماعي عبر التاريخ؛ للفلسطينيين داخل سجون الصهاينة، إذ أكثر من 800 ألف فلسطيني منذ عام 1948 تعرضوا للأسر، وحتى تاريخ 1/1/2007 كان يقبع 11000 أسير فلسطيني بينهم 55 عربي[17]، أما الآن فقرابة 4600 أسيرًا موزعين على 17 سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف، من بينهم 182 طفلًا و11 أسيرة و184 معتقلًا إداريًا دون تهمة أو محاكمة، و13 نائبًا بالإضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين وعشرات المعلمين والقيادات السياسية والأكاديمية والمهنية، كما يعاني 1200 أسير من أمراض مختلفة ويتعرضون للإهمال الطبي 18 منهم يعانون من أمراض خطيرة كالقلب والسرطان و85 معاقًا، منذ عام 1967 ولغاية 1/1/2007 توفي 187 شهيد بإذن الله تحت التعذيب أو الإهمال الطبي أو القتل المتعمد بعد الاعتقال، كما يعذب ما نسبته 99% من الأسرى والمعتقلين بأسلوب الضرب المباشر و 100% من الأسرى يتعرضون للتعذيب بأشكال مختلفة ومتعددة[18].

 

أساليب وأشكال تعذيب الأسرى في السجون الصهيونية

بالرغم من أن الكيان الصهيوني وقّع على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تمنع التعذيب وهي (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية مناهضة التعذيب، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، اتفاقية جنيف الرابعة) إلا أنه مارس أبشع وشتى وسائل التعذيب الجسدي والمعنوي بحق الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجونه، إذ عُرف بني يهود بنقض العهود ونكث المواثيق، كما قال تعالى: أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ[19]، في الوقت ذاته يرفض قانون الكيان الصهيوني اعتبار حالات التعذيب جريمة بل ذهبوا لأكثر من ذلك، فكل من يروج لذلك إنما يقترف إساءة إلى الشرطة والقوانين العسكرية!

وعليه عندما يكون هنالك غطاء قانوني يتيح لضابط التحقيق الصهيوني والمجندين وغيرهم، التمادي بأساليب وأشكال التعذيب وإذاقة الأسرى ألوان وأصناف قد لا يتخيلها عقل أو تخطر في البال، لذلك فالمعتقلات والسجون الصهيونية تشهد أشد وأنكى ومختلف أنواع التعذيب الجسدي والمعنوي والنفسي وغيرها، تصل لأكثر من مائة وسيلة تبدأ بوسائل القسوة والإجرام منذ لحظة الاعتقال أمام أهله وأبنائه،نذكر منها:

1- سكب المياه المبردة في وقت الشتاء على جسد الأسير وهو عار تمامًا، ما يؤدي إلى ارتجاج وارتعاش حاد يشل تفكيره، والغمس في الماء المغلي صيفًا.

2- الكي والحرق بأعقاب السجائر بأكثر مناطق الجلد حساسية، وتكسير الأسنان وقلع الأظافر، واستعمال العصي أو الهروات أو السياط في الضرب، مع تشويه الوجه والأجزاء الظاهرة من الجسم.

3- الإخصاء وسلخ الجلد والتجويع أو الإجبار على الإفراط في الأكل، واستخدام الصعقات الكهربائية والتعليق بواسطة الحبال في أوضاع غير مريحة، وضرب الرأس في الحائط.

4- الجلوس بطرق غير مريحة، بهدف إرهاق الجسم خصوصًا عضلات القدمين والذراعين والكتفين والعمود الفقري، وإجباره الجلوس على كرسي أطفال بأرجل قصيرة جدا مع تقييد اليدين.

5- بطح الأسير على ظهره ويداه مكبلتان من الخلف، مع ضغط المحقق بثقله على أعلى الصدر، مع استخدام الضرب بالهراوة.

6- التعرية الكاملة وتقييد اليدين من الخلف، بهدف كسر وتحطيم روحه المعنوية، وكسر صلابته الأخلاقية.

7- استخدام الموسيقى الصاخبة ومنعه من القيام بالشعائر الدينية، أو الذهاب للمرحاض بشكل طبيعي مع الشبح لساعات طويلة أو لأيام، مع استخدام أسلوب الهز العنيف للرأس.

8- حرمان الأسير لأعوام من أبسط احتياجاته الأساسية، والاحتجاز في أماكن مكتظة ومتسخة ومعتمة لا تصلح للحيوان فضلا عن البشر.

9- إضافة الملح إلى الجروح، وإدخال الفلفل الحار أو البهارات، أو إجباره على تناول بعض العقاقير المؤذية.

10- التعذيب بإجبار المعتقل على النوم لفترات طويلة ما يؤدي لضمور العضلات، أو منعه من النوم لفترات طويلة ما يؤدي إلى فقدان التركيز.

11- الحرمان من الأكل أو الشرب ورؤية ضوء الشمس وتسليط الإضاءة القوية عليه، أو الحقوق القانونية كزيارة الأهل والمؤسسات الحقوقية، كذلك الحرمان من اللعب والضحك وأداء الصلوات.

12- التعذيب النفسي كاستعمال أساليب تلحظ آلامًا نفسية، أو الإيحاء بأن الشخص على وشك أن يقتل، والحبس الانفرادي والإجبار على مشاهدة شخص آخر يتم تعذيبه، وإجباره على تعذيب شخص آخر، أو إجباره على مشاهدة اعتداء جنسي، أو إجبار الأسير على الكفر بمعتقداته الدينية وإهانة مقدساته.

13- ومن أشكال التعذيب النفسي حلاقة شعر الرأس خاصة للنساء، أو إجبار الشخص على التعري أمام الآخرين، أو إجباره على الاشتراك في عمليات جنسية[20].

14- المرأة تتساوى في الغالب بأساليب التعذيب، لكن هنالك أساليب أخرى تقع على الأسيرة الفلسطينية منها: التفتيش العاري والسب والشتم بألفاظ نابية، والتهديد بالتعرية أمام المعتقلين، وزجهن في غرف يمتلئ فيها العملاء للضغط عليهن، زتعرية الأسرى الشباب أمامهن وتهديدهن بالتعرية مثلهم، ونتف الشعر ثم لفه على الأيدي للتعذيب، ومنعهن من وضع غطاء الرأس، والوقوف وهن يحملن طاولة أو كرسي لمدة 48 ساعة، والحرمان من النوم، وإجلاسهن بوضع الولادة والمرور على أجسادهن بآلات كهربائية والتركيز على المناطق الحساسة في الجسم، وغيرها من الوسائل السادية الوحشية العنجهية[21].

يتعرض الأطفال الفلسطينيون على نحو واسع للاعتقال سواء من البيوت أو الحواجز العسكرية، ويتعرضون للإهانة اللفظية خلال نقلهم ولا يتم إخبار عوائلهم في بعض الحالات، وقد ينقلون من سجن لآخر، كما يتم تكبيل أيديهم وتعصيب أعينهم ويتعرضون للتهديد واستخدام أسلوب الضغط النفسي والجسدي لانتزاع اعتراف منهم.

كذلك يحرم الأطفال من حقهم بالاتصال بالعالم الخارجي وزيارة عائلاتهم، كما يعانون من ظروف نفسية قاسية بسبب العزل الانفرادي، كما أن الطعام سيء مع تجاهل حقهم بالتعلم وغيرها من الأساليب المشينة[22].

 

كيف ننصر الأسرى؟

لم يكن نبينا عليه الصلاة والسلام يهدأ له بال، وهو يرى بضعة أسرى مسلمين بيد المشركين، وكان يبذل وسعه وجهده في فكاكهم، وهو القائل عليه الصلاة والسلام: «فكوا العاني، وأجيبوا الداعي، وعودوا المريض» [23]، ثم انعكست هذه الوصية بشكل عملي في سيرته العطرة عليه الصلاة والسلام، حيث (فدى أهلَ بدرٍ بمالٍ)[24]، كما أنه عليه الصلاة والسلام (فدى رجلين من أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل)[25].

كيف ونحن نتكلم عن 4600 أسير في سجون الصهاينة، وأكثر من 100 ألف معتقل سوري في غياهب ظلم وقهر وقمع النظام السوري بما فيهم فلسطينيين، وأكثر من 25 ألف معتقل عراقي يذوقون أشد أنواع التنكيل والتعذيب في سجون المالكي الطائفية، وقرابة 460 معتقل من جنسيات عربية أيضًا في السجون والمعتقلات العراقية بضمنهم 40 معتقل فلسطيني!!

على الرغم من ضعف الأمة الإسلامية وتشرذمها وتفتتها، وانشغال كل دويلة وإغراقها بمشاكل كبيرة ومعقدة؛ سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا بل حتى اجتماعيًا وثقافيًا، إلا أن قضية الأسرى ينبغي أن تتصدر جميع القضايا المطروحة، ووضع إستراتيجيات مرحلية واضحة المعالم قابلة التطبيق، مع مراعاة الأحوال العامة والإمكانيات المتاحة.

من أعظم وأهم مقدمات تحقيق نصرة الأسرى؛ العمل الجاد لتحقيق أسباب النصر والتمكين، والتي غالبيتها معنوية، عندها سنتقدم خطوات كبيرة ونقطع أشواط عديدة في هذا الجانب، إذ كلما حققت الشعوب والحكومات الإسلامية مجتمعة أو منفردة، سبب واحد من أسباب العزة والرفعة والكرامة، نكون قد أنجزنا خطوة هامة لنصرة أسرانا ومعتقلينا في كل مكان.

الدعاء سلاح من لا سلاح له، وهو عنصر فعال وهام جدا خصوصا لنصرة المظلومين من الأسرى وغيرهم، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: «اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» [26]، ويقول كذلك صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون إلا بضعفائكم؟ بدعوتهم و إخلاصهم» [27]، وعندما سئل الإمام أحمد رحمه الله: كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق.

وكان من شأنه عليه الصلاة والسلام نصرة الأسرى بكل ما أوتي من قوة ووسائل مادية أو معنوية بسيطة أو كبيرة، من ذلك استخدامه سلاح الدعاء للأسرى والدعاء على من ظلمهم، كما في حديث أبي هريرة رضي الله الذي أخرجه البخاري: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: حين يرفع رأسه يقول: «سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. دعو لرجال فيسميهم بأسمائهم، فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف». وأهل المشرق يومئذ من مضر مخالفون له".

فواجب علينا جميعًا في كل الأزمنة والأحوال والظروف وكلٌ بحسبه، استنقاذ الأسرى من قيود الذل والهوان، ابتداء بالجهاد والقتال مع التجهيز وإعداد العدة لذلك، وإلا وقع الجميع في الإثم وسخط الله بحسب النية والقدرة، للتخاذل عن هذا الأمر العظيم الخطير!! قال ابن جزي: "يجب استنقاذهم من يد الكفار بالقتال فإن عجز المسلمون وجب عليهم الفداء بالمال، فيجب على الغني فداء نفسه، وعلى الإمام فداء الفقراء من بيت المال فما نقص تعين في جميع أموال المسلمين ولو أتى عليهاويجبر الإمام سادات العلوج على فداء المسلمين بهم و يعطاهم الثمن"[28].

فإن لم يتحقق فكاك الأسارى بالقتال أو الفداء، فعلى المسلمين بذل أقصى جهدهم ووسعهم وإيجاد وسائل ممكنة في إطلاقهم أو على أقل تقدير التخفيف من معاناتهم، سواء بأسر عدد من جنود المحتل الغاصب ثم المقايضة معهم، كما حصل في صفقة تبادل الأسرى نهاية عام 2011 والتي عُرفت صفقة شاليط وتم تحرير 1027 أسيرًا فلسطينيًا، أو تدويل قضيتهم وطرحها بقوة في جميع المحافل العالمية، أو استخدام الضغط السياسي دوليًا وإقليميًا وعربيًا.

أخبرني والدي رحمه الله بينما هو وسبعة شبان فلسطينيين بطريقهم لإحضار مواد غذائية للأهالي بتاريخ 7/7/1948 اعتقلتهم العصابات الصهيونية قرب قرية دالية الكرمل وتعرضوا لتعذيب شديد، بالمقابل استولى المجاهدون الفلسطينيون على قافلة تموين يهودية عند قريتي عين غزال وجبع في قضاء حيفا، كما أخذوا عدد من الأسرى بينهم مدير دائرة الأشغال العامة في حيفا المهندس (اتكس) وزوجته وقد أصيبت أثناء المعركة، وبعد مفاوضات ووساطة من فكتور عزيز خياط قنصل أسبانيا الفخري في فلسطين تمت عملية تبادل الأسرى بتاريخ 16/7/1948.

مع شديد الأسف تعتبر ثاني أكبر حليف إستراتيجي بعد الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا، مع الكيان الصهيوني هي دولة إسلامية، إذ لديها تعاون واتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية وتجارية وسياحية وغيرها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو المقابل لهذه التنازلات وكل هذا الخذلان؟!! هل هنالك مقابل أم أن القضية أصبحت عطايا وقربان دون أي آثار إيجابية أو نتائج وثمار تعود بمصالح ولو آنية أو جزئية لفلسطين بما في ذلك قضية الأسرى!!

أضف إلى ذلك عدة دول عربية لها اتفاقيات أمنية واقتصادية وتجارية وغيرها مع الصهاينة، فلِمَ لا تطرح قضية الأسرى وتعاد الحسابات السياسية والاتفاقيات خصوصًا بعد التغييرات الكبيرة في السنتين الماضية؟!! أم أن أسرانا ومعتقلينا لا بواكي لهم وقضيتهم هامشية!!

ومن يهن يسهل الهوان عليه *** ما لجرح بميت إيلام

لماذا أعداؤنا لا يتخذون قرارًا ولا يسلكون مسلكًا إلا وفق حسابات ومقابل أشياء ولو وقتية أو مصالح لكيانهم؟!! أما نحن -والله المستعان- نقدم التنازلات تلو التنازلات مع مضاعفة الويلات واستمرار معاناة الأسرى والأسيرات ثم مزيد من التراجعات!

لو تأملنا قصة الصحابي الجليل عبد الله بن حذافة السهمي، وكيف قبّل رأس قيصر الروم مقابل تخلية سبيله فأبى إلا جميع الأسرى من المسلمين فقبل قيصر، ليقول عمر رضي الله عنه: "حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة وأنا أبدأ بذلك".

مع الإقرار بالضعف والمواقف الهزيلة تجاه قضية فلسطين، لكن هنالك وسائل وعوامل ضغط قد تخفف من معاناة العديد من الأسرى، خصوصًا أصحاب الأحكام الإدارية، من خلال إعادة النظر ومراجعة ما تسمى (اتفاقيات السلام) وجميع سياسات الخنوع والخضوع، وفي حالة اضطرار أي دولة عربية أو إسلامية -أيا كانت المبررات والضغوط- لعقد مثل هذه الاتفاقيات حتى أصبحت واقع حال، فلا بد أن تتضمن بالصدارة قضية الأسرى والحصول على مكاسب ولو جزئية، فما لا يدرك كله لا يترك جله، مع عدم إهمال بقية القضايا الهامة كالأقصى والمغتصبات وغيرها.

الإعلام في زمن الإعلام يكاد يكون مغيب أو ضعيف، لنصرة الأسرى مع أن هذا أضعف الإيمان، من خلال تخصيص فقرات ثابتة وتكثيف الجهود والتنسيق بين مختلف المؤسسات الإعلامية، وتوحيد الخطاب ورفع سقف المطالب وتحشيد الرأي العام الإسلامي والعربي والدولي، مع ضرورة تخصيص قناة فضائية مستقلة غير مسيسة أو متحزبة للتركيز على قضية الأسرى في السجون الصهيونية وكافة المعتقلين المظلومين أينما تواجدوا.

 

متاجرة مفضوحة

من أكثر القضايا حساسية وتعقيد بل متاجرة وانتهازية؛ قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الصهاينة، لتشعبها وكثرة متعلقاتها وأهميتها وملامستها للعاطفة الدينية والأحاسيس الإنسانية، وتعاطف الجميع معها ولو من قبيل التصريحات والشعارات والجعجعات الإعلامية، فهي تشكل هاجس كبير وقلق عميق لكل مسلم أو حر في هذا العالم.

منذ عام 1967 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة 187 قرارًا بشأن الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الصهاينة، دعت الكيان الصهيوني لضرورة إطلاق سراحهم والتعامل معهم وفق الأعراف الدولية وقوانين حقوق الإنسان!!

لكن هذه القوانين إذا لم يكن فيها إلزام -وهذا هو الحاصل- لا تعدو أن تكون كالحبر على الورق، أو الضحك على الذقون وذر الرماد في العيون، بالنتيجة يصبح وجودها أكثر ضررا من عدمها، لما يحصل جرّائها من آمال فارغة وتنفيس وإفراغ للشحنات وتضييع للأوقات، وفي نهاية المطاف يكون هنالك يقين بالمتاجرة بقصد أو بغير قصد.

عندما تُعقد مؤتمرات دولية أو عربية، لنصرة الأسرى والتضامن معهم والخروج بتوصيات وتشكيل لجان عمل وفرق مختلفة بعدة تخصصات؛ ظاهريًا شيء جميل وأمر طيب، بشرط أن يكون على قدر المسؤولية وعِظم القضية، من غير تسلق أو متاجرة، وأن تتوافق الأطروحات النظرية والتوصيات المثالية، مع الحقائق العملية على أرض الواقع، دون إهمال أو إغفال لحالات قريبة للناظر، إلا من أعمى الله بصيرته حتى ينطبق عليه المثل (من لا يرى من الغربال أعمى)!

المواقف السياسية والمؤتمرات البروتوكولية والمجاملات الآنية، إذا لم تتطابق مع إرادات حقيقية ونوايا صادقة وعزيمة فعلية، ستكون نفاق محض ومتاجرة مفضوحة وتسلق سياسي سافر، على حساب جراحات الأسرى وقضيتهم العادلة.

إن مشكلة المؤتمرات تكمن في أنها لا تبني على ما وقفت عنده المؤتمرات التي سبقتها، إضافة إلى أن جل ما تخرج به من توصيات لم ير النور وبقي حبرًا على ورق، ونتائجها معدومة[29]، وفي هذا دليل على عدم تكامل هذه الملتقيات كما أنها لا تحقق الثمار والنتائج المرجوة!

من أغرب العجائب والمتاجرة المفضوحة بقضية الأسرى؛ المؤتمر المنعقد في بغداد بتاريخ (11-12) ديسمبر 2012 للتضامن مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الصهاينة!! برعاية الجامعة العربية ولأول مرة وبحضور شخصيات من سبعين دولة، وقيل قديما: الدعاوى إذا لم تقم عليها البينات فأصحابها أدعياء!! فكيف إذا كانت البراهين والوقائع والأدلة على العكس تماما؟!

يقال في المثل (عش رجبًا ترى عجبًا) وفاقد الشيء لا يعطيه، فأنّى لمن تلطخت يداه بدماء الفلسطينيين في العراق ينصر أسراهم في فلسطين؟!! ولا زالت الدماء لم تجف، إذ أكثر من 300 شهيد بإذن الله سقطوا في العراق منذ عام 2003 على يد ميليشيا جيش المهدي وقوات بدر وحزب الدعوة، ناهيك عن حالات الاختطاف والتعذيب الهمجي بأبشع وسائل عرفها التاريخ، وقصف مجمع البلديات بما فيه جامع القدس لأكثر من مرة، أضف لذلك قمنا بتوثيق أكثر من 500 حالة اعتقال تعسفي طائفي بحق فلسطينيين من قبل القوات الأمنية الحكومية العنصرية الطائفية، فكيف يقوموا بنصرة أسرانا؟!!

الآن ونحن مع نهاية عام 2012 لدينا 40 معتقل فلسطيني موزعين بعدة سجون ومعتقلات، تم اعتقالهم عن طريق ما بات يعرف (المخبر السري) والدوافع طائفية محضة وهم أبرياء، وتحت التعذيب والإكراه يدلوا باعترافات وأشياء لم يرتكبوها، وبعضهم عُرض بطريقة مهينة على قنوات عراقية رسمية والاعتراف المفبرك أمام الكاميرا ما يزيد الحقد العام على الفلسطينيين ونحن على يقين أن هؤلاء أبرياء.

لدينا شاب محكوم بالإعدام وآخر مؤبد، فعن أي أسرى يتحدث المالكي وحكومته؟!! هل تعلمون أن أكثر من 80% من فلسطينيي العراق تم تهجيرهم إلى خارج العراق موزعين لأكثر من خمسين دولة غالبيتها أجنبية؟! فهل الفلسطيني داخل الأرض المحتلة يختلف عمن هو في العراق؟!!

إن المتاجرة بقضية الأسرى وصلت مرحلة من النفاق والكذب والخداع، ما لا تخفى على أحد، لأن من أبرز أهداف هذا المؤتمر ليس الأسرى لأنهم على يقين وعلم مسبق بما سيحصل من مجاملات وفنادق ودبلوماسية أكثر ما هو نصرة فعلية، لكن أهدافه تلميع صورة الحكومة الطائفية وتبييض تاريخهم الأسود الملطخ بالدماء والحقد والكراهية والانتقام، فهو نفاق سياسي وتسلق واضح ودعاية إعلامية مجانية!

كان الأولى عقد مؤتمر والحديث عن الاضطهاد الذي تعرض له سنة العراق من قبل هذه الحكومة الطائفية، والسجون والمعتقلات السرية تشهد بذلك واغتصاب النساء أصبحت من الشهرة بمكان ما تناقلتها العديد من وسائل الإعلام، بل لا يكاد يمر شهر إلا وتقارير المنظمات الحقوقية تشير إلى سجون سرية وحالات تعذيب تابعة للمالكي مباشرة؟!! فعن أي أسرى يتحدث القوم؟! أم ينطبق عليهم (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

العراق من أكثر الدول انتهاكًا لحقوق الإنسان إذ جاءت بالمرتبة الثانية بعد إيران للدول الأكثر انتهاكًا لحقوق الإنسان في الشرق الإسلامي (الشرق الأوسط) كما صرحت بذلك وزيرة حقوق الإنسان العراقية وجدان ميخائيل بحسب صحيفة الاتحاد العراقية!

المؤتمر الأخير في بغداد يعتبر وصمة عار في جبين الجامعة العربية لأنها الغطاء الرسمي والقانوني له وجميع المشاركين، فهم لا للأسرى بسجون الصهاينة نصروا ولا بحقوق فلسطينيي العراق وأهل السنة طالبوا.

كان من المفترض على السلطة الفلسطينية قبل المشاركة بمثل هكذا مؤتمر، وضع مطالب وشروط مسبقة من أبرزها إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين، وبنفس الوقت يكون مطلب الجامعة العربية بإطلاق سراح المعتقلين العرب قرابة 462 معتقل، لكن إهمال هذه المطالب العادية يدل وبشكل قاطع على المتاجرة بقضية الأسرى.

ثم أين المشاركون عن الأسرى والمعتقلين السوريين والفلسطينيين في سجون النظام السوري؟! وقد تجاوز عددهم 100 ألف؟! لماذا لا يُعقد مؤتمر خاص بهم ويطلق سراحهم ويتضامن معهم أم لأنهم لا بواكي لهم؟!! والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا» [30]، أم أن المتاجرة باتت مكشوفة وازدواجية المعايير أضحت بازغة!

ألا يعلم المشاركون من الجامعة العربية والسلطة الفلسطينية وبقية الشخصيات ما الذي حصل لفلسطينيي العراق في ظل هذه الحكومات الطائفية؟!! أما سمعوا النداءات المتكررة والاستغاثات المستمرة لحد يومنا هذا؟!

وحتى نؤكد أن متاجرة سافرة بقضية الأسرى ومن خلال رصدنا بعض المحاور التي نوقشت في المؤتمر، يتبين لنا مدى التناقض الحاصل بمعزل عن أي أحداث وانتهاكات أخرى وكأن الحكومة العراقية بُعيد هذا المؤتمر ستطلق سراح الأسرى مباشرة، ولا توجد أي انتهاكات لحقوق الإنسان فضلا عن الفلسطيني في سجونهم السرية والعلنية!!

ناقش المؤتمر وضع الأسرى الفلسطينيين في القانون الدولي! وهذا بالظاهر جيد لكن ألم يكن الأجدر مناقشة قضية اللاجئين الفلسطينيين في العراق في القانون الدولي والعراقي؟!! ولماذا لم يُتطرق لقضية المعتقلين الفلسطينيين وكلنا يعلم كيف تتم حالات الاعتقال والتعذيب والتهديد بالعرض وجلب النساء ما يضطر المعتقل التصريح بأشياء لم يقم بها، ثم يعرض بعضهم على القنوات ثم يستمر التعذيب ثم يحال للقضاء ومن أنكر عند القاضي يعاد التحقيق معه ويعاد التعذيب، حتى توفي بتاريخ 31/12/2012 معتقلين عراقيين اثنين في سجن التاجي وجرائم إرهاب ديالى لهذا السبب!!

من خلال تواصلي مع بعض المعتقلين داخل السجون العراقية فهم يخشون من أحكام قادمة كبيرة وهم أبرياء، فأين تدخل السلطة وأين وعود المالكي للرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقمة العربية الماضية في بغداد بإطلاق سراح الأسرى؟!

كما ناقش المؤتمر ممارسات سلطات الاحتلال تجاه الأسرى وهذا أيضا شيء طيب ومهم، لكن من سيناقش ما تعرض له معتقلونا في لواء الذيب سيء الصيت؟!! وبقية المعتقلات والسجون الطائفية التي أذاقت الفلسطينيين وغيرهم من العراقيين الأبرياء سوء العذاب، حتى وثّقنا بلقاءات مع مفرج عنهم تحدثوا عن فظائع وانتهاكات فاقت التصورات!! فمن سينصفهم ويقف مع قضيتهم أم أن المتاجرين ليس لديهم وقت يضيع بعيدا عن المنطقة الخضراء؟!!

ومن الأشياء التي ناقشها المؤتمر أيضًا دور المؤسسات الحقوقية والمجتمع المدني إزاء الأسرى المحررين!! وأنا أتمنى منهم فقط أخذ عينة واحدة من معتقلين مفرج عنهم متواجدون الآن في السويد وبلجيكا وقبرص وغيرها من دول المهجر الجديد، ويسمعوا شهاداتهم ويطالبوا بحقوقهم إذا كانت معاييرهم واحدة دون ازدواجية؟!! أم أن فتح هذا الملف سيمنعهم من حضور أي مؤتمر لاحق في العراق لأن رعاة المؤتمر هم المجرمون والجناة والمتسترون!! معادلة غريبة أليس كذلك؟!

يقول عليه الصلاة والسلام: «من أعان ظالمًا ليدحض بباطله حقًا فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله» [31]، والله وبالله وتالله يُخشى على المشاركين بهذا المؤتمر وتزكيتهم للقتلة ومنتهكي حقوق الأسرى والمساجين والمعتقلين، وإعطاء غطاء قانوني لمزيد من تلك الجرائم، لأنه بسبب هذه المشاركة ظن هذا النظام بأنه على حق وما فعله ليس ظلما ودليله مشاركة واسعة -بحسب زعمهم- في هذا المؤتمر!

عَرَض المؤتمر أيضًا شهادات حية لأسرى وأسيرات محررين، فهلا عرضوا شهادات موثقة لمعتقلين فلسطينيين أو عراقيين مفرج عنهم من سجون المالكي ولدينا كل هذه الوثائق مصورة؟! أم أن أسرانا ومعتقلينا في العراق غير مشمولين بحقوق الإنسان أو طرح قضيتهم في المؤتمرات أو حتى الاستماع لشهاداتهم!! لأنها شهادات تدين منظمي المؤتمر وطالما نحن في زمن النفاق والتملق وتضييع الحقوق فلا داعي لطرحها الآن لأنها ستعكر صفو المؤتمر وتنغص نعيم الفنادق التي يقيمون بها!!

 

الخلاصة

قضية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين بالسجون الصهيونية أو غيرها من المعتقلات كالعراق وسوريا؛ قضية عادلة وهامة للغاية، بالمقاييس الشرعية والوطنية والإنسانية بل أدنى حقوق الإنسان التي يتبجح بها العالم المعاصر!! بل هي من أعظم مقاصد الجهاد في سبيل الله، ولا بد من الجميع بذل قصارى جهدهم والعمل على فكاك أسرهم والتخفيف من المظالم التي وقعت عليهم؛ دول وهيئات ومنظمات وأفراد وفصائل وأحزاب.

الحضارات والديانات والإمبراطوريات السابقة عبر التاريخ، كانت تعامل الأسرى معاملة وحشية قاسية بعيدة عن أي إنسانية، وما يحصل الآن في سجون الكيان الصهيوني وبعض الدول العربية للأسف، ما هو إلا ثقافة سادية بربرية قدوتها تلك الحضارات، أما الإسلام فقد أعطى للأسير حقه في العيش والطعام والشراب والكرامة.

لا يمكن القيام بنصرة حقيقية للأسرى في ظل الضعف والهوان والتشرذم الذي تعيشه الأمة الإسلامية، فكم نحن بحاجة لقائد يقول للأعداء الجواب ما ترى لا ما تسمع! لكن أضعف الإيمان أن تبذل الأمة كل ما بوسعها ماديا وسياسيا وإعلاميا وحقوقيا وقانونيا لإطلاق الأسرى أو تقليل الضرر الواقع عليهم كأضعف الإيمان، وإلا أثمت الأمة جمعاء وكلٌ بحسبه.

جميع الجهود من مؤتمرات وتجمعات وبيانات ظاهرها نصرة الأسرى؛ تعتبر مفرغة من محتواها إذا كانت مجرد لقاءات دبلوماسية بروتوكولية إعلامية بعيدة عن حقيقة المعاناة، وتحركها أجندات سياسية لتلميع صورة نظام ما أو التسلق على ظهر القضية الفلسطينية، دون النظر لأحوال معتقلين فلسطينيين -في العراق وسوريا مثلا- يتعرضون لوسائل انتقام فظيعة قد تفوق وسائل الكيان الصهيوني من حيث التعذيب والإهانة والإذلال!

لا ينبغي التعاطي والتعامل مع تلك القضية باندفاع زائد عن الحد وعاطفة وقتية، لابد أن نكون واقعيين وأن لا نجزئ الأمور ولا أن نقبل بالمتاجرة بجراحاتنا من خلال نظرة ضيقة وحسابات بمنظور قريب، وإغفال النتائج السلبية المترتبة على تلك النظرة، وإهدار حقوق عدد من اللاجئين كفلسطينيي العراق إنموذج شاخص وقريب!

 

--------------------------------------

[1] الإنسان: 8.

[2]الإسراء والمعراج، د. صلاح سلطان، ص 47-48.

[3]تجربة التعذيب لدى الأسرى الفلسطينيين وعلاقتها بالتفكير الأخلاقي، رسالة ماجستير ص16.

[4]حقوق الأسرى في الإسلام، د. صالح الشثري.

[5]رواه البخاري.

[6]تفسير القرطبي (2/22).

[7]المصدر السابق.

[8]قوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} [النساء:75].

[9]أحكام القرآن لابن العربي.

[10]مجموع الفتاوى (28/642).

[11]أحكام الجهاد وفضائله، ص97.

[12]الأوقاف في فلسطين في عهد المماليك ص 152-153.

[13]فضل الأوقاف في بناء الحضارة الإسلامية.

[14]تهذيب كتاب مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ص262-263.

[15]المصدر السابق ص263.

[16]مجموع الفتاوى (28/617).

[17]تجربة التعذيب لدى الأسرى الفلسطينيين وعلاقتها بالتفكير الأخلاقي، رسالة ماجستير.

[18]مركز الأسرى للدراسات، عبد الناصر فراونة.

[19] البقرة: 100.

[20]ينظر: تجربة التعذيب لدى الأسرى الفلسطينيين وعلاقتها بالتفكير الأخلاقي، رسالة ماجستير.

[21]ينظر: تعذيب الأسيرات في سجون الاحتلال، هبة شاويش.

[22]ينظر: الأسرى الأطفال في السجون الإسرائيلية طفولة مسلوبة، هبة شاويش.

[23]أخرجه البخاري.

[24]صححه الألباني في إرواء الغليل برقم 1218.

[25]المصدر السابق برقم 1217.

[26]صحيح الترغيب برقم 2230.

[27]صحيح الجامع برقم 7034.

[28]القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية ص269-270.

[29]مقال بعنوان (مؤتمرات الأسرى.. متى ستخرج من الجدران المغلقة؟!)، مريم الشوبكي.

[30]صحيح الجامع برقم 1501.

[31]حديث حسن انظر صحيح الجامع برقم 1020.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أيمن الشعبان

داعية إسلامي، ومدير جمعية بيت المقدس، وخطيب واعظ في إدارة الأوقاف السنية بمملكة البحرين.

  • 0
  • 0
  • 9,785

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً