الإسلام يُفهم ويُذاق؛ التجرد في طلب هداية الخلق

منذ 2015-05-13

وصْف الإسلام لا يكفي لتعرفه، بل عندما تذوقه يختلف الانطباع.

الإسلام يُفهم ويُذاق؛ فالإسلام عقيدة وفهم، وحال وعمل، ومأخذ في الحياة وممارسة عملية. الإسلام له طعم يذاق لحال ينشئه في قلب أهله ومعتنقيه.

وصْف الإسلام لا يكفي لتعرفه، بل عندما تذوقه يختلف الانطباع. عندما ينشئ حالة نفسية لصاحبه يختلف الأمر كذلك، وعندما تنشئ أحكامه حالات اجتماعية واقتصادية وسياسية وإعلامية وتعليمية وقيمية عامة تعرف قيمة هذا الدين وعمق تأثيره.

ولنعطي مثالا لبيان الأمر:

عندما يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا} [الفرقان:57]، فهذه حالة فريدة، هي تكليف لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخبر بما أمره ربه عليه من حال، حققه الرسول صلى الله عليه وسلم وعاشه وأُمر أن يبلغه للخلق ويقول هكذا أمرت، وهذه الحال تكليف لأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة.

وهي تلك الحال التي يقوم فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن خلفه الدعاة والعلماء ورثة الأنبياء أن ينظروا إلى الخلق جميعًا من زاوية واحدة، هي الأساس في التعامل مع الخلق في باب الدعوة وحمل العلم وهي إرادة الهداية للخلق، وأن تكون جائزة الداعية هي هداية الخلق وطاعتهم لله كهذا العابد الذي قال: "وددت أن يطاع الله ولو كنت رقيقًا عمري كله"؛ فالفرحة في هذا والحزن يكون على فوات هذا، مع التخفيف أيضًا من الحزن نظرًا إلى قدر الله تعالى بعد القيام بما شرع لقوله تعالى: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3]، وغيرها من الآيات في هذا المعنى.

وعلى هذا فطلب المال من خلال الدعوة مفسد ومبطل لها، وطلب الشهرة كذلك، وطلب الرياسة وكثرة الأتباع والاستمتاع بطاعة الغير مفسد ومبطل، وهي شهوة عظيمة يبيع فيها الرهبان الذين تركوا الدنيا بشهواتها كل ملذاتهم من أجل هذه الشهوة؛ وهي أن يطاع ويقدس وأن يمارس شهوة سوق الناس إلى ما يريد وأن تشرئب إليه الأعناق.

بينما موطن العبودية وحالها هو امتثال أمر الله تعالى في بلاغ الحق للناس طلبًا لهدايتهم، والحساسية والخشية من إضلال الخلق، ولهذا كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بك أن أضل أو أُضل».

ولطلب هداية الخلق علامات من الجدية والتجرد وبلاغ الحق بلا تلاعب، ونصرة الحق في مواطن الفتن وتراجع الناس وخوفهم أو طمعهم، والفرح بكل من يدعو إلى الحق معك وعدم الضيق به، فمن ضاق بوجود غيره فهو يدعو إلى نفسه، ولهذا قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:109]، وأكد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على هذا المعنى بأن الدعوة تكون إلى الله تعالى إخلاصًا، لأن كثيرًا من الناس حينما يدعو فإنما يدعو إلى نفسه، وهذه دقة عالم رباني يرى الدعاة وكيف يدعون، من خلال علامات تبدو في مواقفهم، ليس خرصًا ولا ظنًا ولكن تواطؤ العلامات والمواقف واتجاهات الدعوة وما تريد تغييره من انحرافات وباطل وما تداهن في وجوده.

من يريد التوجه إلى الخلق فليمتثل أمر الله تعالى وليوطن نفسه أن يقف حيث أمره الله تعالى قائمًا بالحال الذي أمر الله به، ناظرًا إلى الخلق من حيث أمر الله تعالى، طالبًا هدايتهم جائزة له، مرحلًا أجره كاملا ليوم الوفاة وهو قريب قريب، ويوم لقاء الله، والله يقول عنه: {وَنَرَاهُ قَرِيبًا} [المعارج:7].

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 2,748

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً