الفرق بين الحقيقة والتسويق
لا بد من التفريق بين المستويين مع أهلنا وشعبنا فيمن ما زال مخدوعًا، وأن نفرق بين الحقيقة الواقعة وأطرافها، وبين طريقة التسويق التي قام بها أحط العناصر البشرية من الإعلاميين وعناصر التأليب الذين ستتأذى بهم مزابل التاريخ.
لنكن واضحين؛ هناك مستويان من الفهم:
حقيقة الأوضاع والأسباب الدافعة وراءه، وطريقة التسويق التي اعتُمِدت.
أما حقيقة الأوضاع فهو أن هناك العداء التاريخي الصليبي منذ اليرموك الظافرة، والعداء الصهيوني منذ خيبر الظافرة، وهو ممتد بينهم وبين الأمة المسلمة. وأن خلال القرنين الأخيرين الذين مثلا قمة الضعف الإسلامي البادئ منذ القرن السادس عشر، تمثل هذا الضعف والتغلب الغربي في الاستعمار الأخير. وهذا الاستعمار عندما رحل لم يستطع تغيير الأمة فضمن التبعية له تحت لون جديد من الاستعمار، وذلك عن طريق:
(1) نخبة سياسية مغتربة تكره الإسلام أكثر من الأوروبيين وتتلقى ثقافتها تحت ضغط الضعف والتخلف الذي تعاني منه الأمة فتنبهر بالعدو.
(2) وتركت كذلك وراءها ما هو أهم وأخطر من النخبة المهترئة وهي الجيوش صاحبة العقيدة العلمانية القومية المنفصلة عن المشروع الإسلامي -وأخيرًا القومي- والمعادية له والمتسقة مع الغرب في هذا.
وفي هذا السياق كانت كلمات شارل ديجول: "لقد تركت فى الجزائر جزائريين فرنسيين أكثر من الفرنسيين أنفسهم"؛ وهذا موجود في جميع البلاد التي تركها الغرب بعد الاستعمار.
الغرب يعتبر نفسه دائمًا في حالة صراع مع الشرق الإسلامي، لأسباب متعددة، فهو يعتبر أن تقدمه وتخلفنا أو تقدمنا وتخلفه وجهان لعملة واحدة، ولأن الحضارة الإسلامية هي المنافس الحقيقي ولو في أصولها النظرية مع الغرب وهي المهيأة لأن تكون الحضارة البديلة له أو على الأقل المنافسة، كما أن الغرب لا ينسى صراعه الطويل مع الإسلام وكيف كان مقهورًا أمام الإسلام بحيث كان المد الإسلامي يقتطع أجزاء من قلب أوروبا مع دخول الملايين في هذا الدين، وما زالت الذكريات عنده يحملها، بينما ننساها نحن أو نُجَهّلها عمدًا حتى لا نشعر بكينونتنا الإسلامية وأمتنا الجامعة.
قبل يناير كانت التبعية من خلال أُطر:
(1) الابتعاد عن المشروع الإسلامي من حيث الهوية (هوية البلاد كنظام عام وقواعد)، ومن حيث الشريعة الحاكمة بقوانين ربانية وقيم وقواعد وأحكام شرعية.
(2) التخلف العلمي والتقني والتكنولوجي؛ مما ينعكس على التخلف العسكري والقوة، فيؤدي هذا إلى التبعية في التسليح، فيبطل مفعول المواجهة مع الغرب وحلفائه كإسرائيل، فتتمدد إسرائيل وتهيمن وتصير دولة عظمى في المنطقة.
(3) التخلف التنموي والتصنيعي، فيؤكد التبعية، كما يؤدي إلى التخلف المجتمعي والأزمات الخانقة وثورات الجياع والهجرة غير الشرعية وهجرة العقول والكفاءات خارج البلاد، والإغراق في المشاكل الداخلية والعجز الخارجي عن مواجهة مشاكل السيادة وتهديدات العدو، بل يسمح بقبول الضغوط حتى يغير عقائده في عدم اعتبار العدو التاريخي عدوًا، وتنحرف البوصلة حتى تصبح فلسطين وسوريا عدوًا إستراتيجيًا وتصبح إسرائيل حليفًا جغرافيًا بحكم الجوار وعدم التهديد واتساقها مع العقيدة العلمانية والخط الأمريكي!!
(4) التخلف الحضاري الخلقي حتى تصبح مشاكل النظافة والتعامل واهتزاز الأخلاق والإتقان والأمانة، وقبول الرشوة والخيانة وغيرها أزمة كبيرة تهدد الإنتاج وتمنع التقدم بل تمنع الخروج من المشاكل.
وعندما قامت ثورة يناير كان هناك الاتجاه الطبيعي بامتلاك الإرادة باحترام الهوية الإسلامية ومحاولة التنمية لامتلاك القرار واستقلال الإرادة، مع التطهير الداخلي من الفساد وتغيير أو تصويب المنظومة الأخلاقية الحضارية المرتبطة بالقيم العامة والإنتاج والتعامل المجتمعي لإنهاء السلبيات العامة المسببة للفساد وحمايته.
اصطدم النظام الجديد الذي نجح بصعوبة -وسط حروب من خنادق اصطدم بها بعد ذلك صريحة- وهي:
(1) العسكر خفية ثم علانية.
(2) النخبة العلمانية المبغضة للإسلام حيث تحولت العلمانية عندها إلى عقيدة ودين مخالف للإسلام ينظرون إلى الإسلام ويشعرون تجاهه بما يشعر به صاحب دين مخالف لدين يهدد عقيدته ويصطدم بها، والتي تخون مبادئها من أجل إسقاط هذه الراية.
(3) الفساد المستشري في مؤسسات البلاد، وجمعيات المنتفعين.
مع ملاحظة في غاية الأهمية؛ أن هذه الكتل المعادية للإسلام هي كتل تتسم بالعنف والدموية ضد الإسلاميين، الكذب الصريح، الالتواء وتغيير الكلام والمبادئ والمواقف، والتحول من معسكر إلى نقيضه، وقبول كل نقيصة أو رذيلة تمس البلاد وتكون خادمة لاستقرار أوضاعهم، وأنهم غير جادين في أمر الحريات غير الحريات الانتقائية التي يريدونها في اتجاه واحد فقط هو مزيد من الإلحاد والإباحية لا غير. وبالتالي كانت الحقيقة:
تحالف الأمريكيون (قامت السفيرة بالابتزاز الشخصي لمرسي) مع الإسرائيليين (تم التنسيق بين الانقلابيين وبين الإسرائيليين قبلها وبعدها وكانت أول زيارة للبرادعي مع عسكريين إليها وهي تقود حملة دعم في الغرب للانقلابيين)، مع الموالين الإقليميين (حكومات السعودية والكويت والإمارات)، مع الفاسدين (فلول النظام السابق وساويرس مثال على هذا)، مع النخبة العلمانية (البرادعي في أوروبا وأمريكا، وموسى في إسرائيل، وحمدين في لبنان وغيرها)، مع اللعب على البعد الطائفي (الخروج يوم 30 يونية من الكنائس بشعارات طائفية مع الفضائيات المسيحية مثال على هذا) مع الأزمات المفتعلة والحشد الأمني في هذا.
قامت المخابرات بهذا التنسيق وحشد النخبة العلمانية مع الفاسدين مع اللعب على جميع أوتار الحشد الذي يسوقه الإعلام أو الاتفاقات مما أدى إلى تعظيم الفاتورة التي عليهم أداؤها للجميع، وسبّب لهم أزمة بعد ذلك.
الجميع يشترك في عداء الإسلام كهوية وشريعة وإن كان لا يمانع في التدين الفردي إلى حد ما، والجميع يشترك في منع النمو الحقيقي واستقلال الإرادة وامتلاك القوة للتصنيع وامتلاك السلاح والغذاء والدواء، والجميع يشترك في منع تطهير البلاد من الفساد.
الأيقونة الرابحة في هذا هو:
(1) القضاء ممهدًا الأمر قانونيًا!! وأصبحت العلكة التي يلوكها كل السياسيين الفشلة والمتآمرين على الأمة ومستقبلها هو ضرورة احترام القضاء يعني الجناح الفاسد المتآمر على الثورة.
(2) الإعلام (إعلام جوبلز خادم هتلر)، والقائد العام لكل هذا هو المخابرات التي تعمل ضد الاختيار الحر للشعب.
هذا على مستوى الحقيقة؛ أما التسويق فتلك قصة أخرى. ففيها يكذب الإعلام كذبًا حقيقيًا ممنهجًا يصل لدرجة الفجور، وفيها اصطياد الأخطاء وإغفال الحقائق وإخفاء الإنجازات وتأليب الناس والدعوة للتخريب والقتل والتدمير، والدعوة إلى عودة الاستبداد وتلميع الفاسدين والدفاع عنهم والهجوم على الشرفاء وإهانتهم، وقبول الأجرة للإمارات لمنع مشروع قومي ليكسب أفراد في مقابل هذا، فيها الوقوف على أخطاء الإخوان ثم غفران أضعافها من العسكر، فيها تدمير كل مشروع إصلاحي مع التمجيد في الخراب الذي يطل على البلاد، فيها التحذير من مشاريع قومية ستخرج مصر من مأزقها الاقتصادي والاجتماعي والتمجيد للتسول والتبعية والتنسيق مع العدو الإسرائيلي، فيها الصراخ أمام مواجهة البلطجة والقتل والحرق في مقابل الدعوة إلى قتل الأبرياء من المعتصمين وحرقهم وحصارهم بالجوع والعطش وإغراقهم بمياه المجاري، وقبول عسكرة المحافظين، وتشكيل الوزارة ممن يمثلون 22% من شيوعيي جبهة الإنقاذ وفاسدي الحزب الوطني.
الحقيقة أمر، والتسويق وخطاب البسطاء وإيلامهم بأزمات مفتعلة ليُستنطقوا برفض مرسي مع عناصر الأمن المنتشرة في المواصلات وغيرها من أجل هدم مستقبل هؤلاء البسطاء بعد ذلك، فيُدفع البسطاء لمواجهة منقذيهم والتحالف مع المتآمرين عليهم ليقوم المتآمرون بعد أن يدفع البسطاء في ذبح الشرفاء، يقوم المتآمرون بذبح البسطاء ومص دمائهم بعد ذلك! في مسلسل من أشد القصص شرًا وتآمرًا في التاريخ، فحسبنا الله.
أرى أننا لا بد من التفريق بين المستويين مع أهلنا وشعبنا فيمن ما زال مخدوعًا، وأن نفرق بين الحقيقة الواقعة وأطرافها، وبين طريقة التسويق التي قام بها أحط العناصر البشرية من الإعلاميين وعناصر التأليب الذين ستتأذى بهم مزابل التاريخ.
- التصنيف: