لا تُفاجأ ولا تجزع.. لقد أنبأنا الله
نحن الآن تتقلب بنا الأقدار، المنظور إليه والمأمول والمتعلق به هو الله تعالى، والاعتصام كاملاً بالله تعالى لا بغيره، وسيكون قدر الله وإنصافه ونصره لأوليائه، ومن ظن أن الله تعالى يخذل أولياءه أو يديل أهل الباطل إدالة دائمة على أهل الحق فقد ظن بالله تعالى ظن السوء..
إذا رأيت تكالب عدو وشدة عداء فلا تُفاجأ بما ترى..
لقد أنبأنا الله تعالى من قبل لنوطن نفوسنا وأخبرنا بما سيكون {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة من الآية:214]، ثم طمأننا ربنا تعالى: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة من الآية:214]، إن الآية تقرر أن للأمر شقين: أحدهما أشخاصنا، والثاني راية الإسلام وعاقبة الأمر..
1- أما أشخاصنا فعلم الله تعالى أنه لا بد أن تُختبر لتصفو وتزكو وتتطهر من ذنوبها وتستأهل الجنة، وعلم تعالى أن نار هذه المحن هي مما يزيد النفوس صلابة والإيمان صفاءً ورسوخًا ورفعة.
عندما تبقى في الجنة خالدًا في نعيم لا ينفد ولا يبيد، ملايين السنين بلا انقطاع، في نعيم لا مثيل له، وفي دار موضع قدم فيها خير من الدنيا وما فيها، وخمار امرأة من الحور خير من الدنيا وما فيها، وموضع سوط أحدهم فيها خير من الدنيا وما فيها، وأدنى أهلها منزلة من ينظر -ينظر فقط- في ملكه ألفي عام يرى أقصاه كما يرى أدناه، أن تسكن دارا هذه أوصافها، بالقرب من رب العالمين، ترى الله تعالى في كل جمعة، وأعلى أهلها من يرى ربه في اليوم مرتين غدوة وعشية، وترافق فيها الأنبياء والشهداء والصالحين، فمن أراد دارًا كهذه فلا بد من ثمن ولا بد من أن يؤهل لسكناها، والله تعالى بما شرعه وبما قدّره يؤهل تعالى عباده لسكناها.. هذا جانب.
2- أما الراية نفسها فقد ضمن تعالى رفعها وأخبرنا أن نصره تعالى قريب مع هذا البلاء طالما اقترن به الصبر، وعدم التراجع أو الشك أو السخط، بل أخبر تعالى أن هذا البلاء سيتفجر بالنصر فكأن النصر محمول في طيات البلاء.
هنا لا بد من عبودية التوكل وإحسان الظن والاعتماد على الله تعالى وحمده، والثناء عليه والاستعداد للقائه واستشراف الآخرة، وأن نضع الدنيا في كفة والله والدار الآخرة في كفة، فنختار ربنا وآخرتنا، فإن اصطُفينا للشهادة فنعمت العاقبة، وإن قُدّرت لنا الحياة أكملناها متجردين لله تعالى فكنا أأمن على دين الله تعالى، فلو جاءتنا الدينا لم نطمع فيها بل نقيم فيها دين رب العالمين، فكان من بقي أمينًا كما كان من مضى شهيدًا.
لا إحباط يصيب المؤمن ولا يأس، نحن لم نفاجأ بهذا، ولا بد أن يوقفنا الله تعالى هذا الموقف عاجلاً أو آجلاً، وقد وقف هذا الموقف من قبلنا الأنبياء والربيون، فهل ظننا للحظة أننا سنقرأ القرآن فقط أم سنعيشه وسنراه؟
نحن الآن تتقلب بنا الأقدار، المنظور إليه والمأمول والمتعلق به هو الله تعالى، والاعتصام كاملاً بالله تعالى لا بغيره، وسيكون قدر الله وإنصافه ونصره لأوليائه، ومن ظن أن الله تعالى يخذل أولياءه أو يديل أهل الباطل إدالة دائمة على أهل الحق فقد ظن بالله تعالى ظن السوء..
لن نترك جانب رب العالمين، عنده الأمن والأمان والطمأنينة، رعانا نطفًا في أصلاب آبائنا، وأجنة في بطون أمهاتنا، وحرسنا أحياء بمعقبات من بين أيدينا ومن خلفنا، ورزق وستر وغفر وعافى، ويرعانا في قبورنا ويوم نلقاه إن شاء الله تعالى..
اللهم أنت ملاذنا إذا ضاقت بنا الحيل وملجؤنا إذا انقطع الأمل، فيا خير مأمول وأكرم مسؤول، ويا خير من سُئل وأكرم من أعطى وأبرّ من أجاب وأرحم من رحم، نلوذ بك فاحمنا وانصر دينك وأعز هذا الدين وأهله وأبطل اللهم كيد كل كائد، ومكر كل ماكر، واجعل عليهم دائرة السوء ورد كيدهم في نحورهم، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
{..رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الممتحنة:4-5]، {عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [يونس:85-86].
- التصنيف: