الجهاد تأصيل و أحكام - (10) مشروعية جهاد الطلب وكونه من أصول الجهاد مرادًا للشارع

منذ 2015-06-13

إذا تقرَّر وجوب قتال الطلب فليُعلم أن هذا ليس على سبيل الانتقام من غير المسلمين، أو العبث بالأرواح والأنفس، والتعطّش للتقتيل والدماء! وإنما كما سبق غايات شرعية، ومقاصد سامية نبيلة..

قرَّرنا قبلُ: وجوب جهاد الدفع بالإجماع، وهذا مما لا خلاف فيه، وتقرَّر كذلك: أن جماهير أهل العلم وعامّتهم -إلَّا قليلًا- على وجوب جهاد الطلب، وكونه فرض كفاية على عموم المسلمين، وتعيّنه على وليّ أمر المسلمين، ولو مرةً كلّ عام، كل ذلك: إعلاءً لكلمة الله، وغيرها من الغايات كما سبق. 

ونذكر ها هنا بعض نصوص العلماء من كلّ مذهب، ممّا ورد في جهاد الطلب، فمن ذلك:
* فأما الحنفية، فقد قال الزيلعي رحمه الله: "الجهاد فرض كفاية ابتداءً، يعني يجب علينا أن نبدأهم بالقتال وإن لم يقاتلونا، لقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة من الآية:36]، وعليه إجماع الأمة، وكونه فرضًا على الكفاية، لأنه لم يُشرع لعينه، إذ هو قتل وإفساد في نفسه، وإنما شرع لإعلاء كلمة الله تعالى، وإعزاز دينه، ودفع الفساد عن العباد، فإذا حصل من البعض؛ سقط عن الباقين" (انظر:تبيين الحقائق).

* وقال المرغيناني رحمه الله: "وقتال الكفار واجب وإن لم يبدؤوا للعمومات" (الهداية).
- قال ابن الهمام رحمه الله: "لأن الأدلة الموجبة له لم تُقيد الوجوب ببداءتهم، وهذا معنى قوله: (للعمومات) وصريح قوله عليه السلام في الصحيحين وغيرهما: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله» يوجب أن نبدأهم بأدنى تأمّل" (فتح القدير).

* وأما المالكية: فقال القرطبيّ رحمه الله:
"وقسمٌ ثان من واجب الجهاد؛ فرض أيضًا على الإمام، إغزاء طائفة إلى العدو كل سنة مرة، يخرج معهم بنفسه أو يُخرج من يثق به، ليدعوهم إلى الإسلام ويرغبهم ويَكف أذاهم، ويظهر دين الله عليهم، حتى يدخلوا في الإسلام، أو يعطوا الجزية عن يد" (تفسير القرطبي).

* وأما الشافعية: فقال الشيرازي رحمه الله:
"وأقل ما يجزئ في كل سنةٍ مرة، لأن الجزية تجب في كل سنة مرة، وهي بدل عن القتل، فكذلك القتل ولأن في تعطيله في أكثر من سنة يطمع العدو في المسلمين، فإن دعت الحاجة إلى تأخيره لضعف المسلمين، أو قلة ما يحتاج إليه من قتالهم من العدة، أو للطمع في إسلامهم، ونحو ذلك من الأعذار، جاز تأخيره" (المُهذَّب).

* وأما الحنابلة: فقال ابن قدامة رحمه الله:
"وأقل ما يفعل مرة في كل عام إلا من عذر، فيجوز تركه بهدنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح قريشًا عشر سنين، وأخَّر قتالهم حتى نقضوا عهده، وأخر قتال قبائل من العرب بغير هدنة. وإن دعت الحاجة إلى القتال في عام أكثر من مرة؛ وجب ذلك؛ لأنه فرض كفاية، فوجب منه ما دعت الحاجة إليه" (المغني).

تنبيهات مُهمَّة:
- إذا تقرَّر وجوب قتال الطلب فليُعلم أن هذا ليس على سبيل الانتقام من غير المسلمين، أو العبث بالأرواح والأنفس، والتعطّش للتقتيل والدماء! وإنما كما سبق غايات شرعية، ومقاصد سامية نبيلة.. لذا:

- فليس من جرّاء جهاد الطلب إكراه الناس على الدخول في الإسلام، فــ{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة من الآية:256]. وإنما هي الدعوة بالحُسنى والموعظة الحسَنة.

- لذا فإن أوّل التقاء الكفار ليس قتالهم لأول وهلة، وإنما دعوتهم أولًا إلى الإسلام، إذا لم يكن سبقَت دعوتهم إليه، أو معرفتهم به، فإذا بلغتهم الدعوة بأي سبيلٍ مُعتمَد -كما هو اليوم بشتَّى وسائل التواصل والإعلام-، وأبَوا إلا الكفر والعناد؛ فيُقاتلون لأوّل وهلة، وإن كان استحباب الدعوة لا يزول.

* قال ابن العربي رحمه الله:
"لما أقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعو مدة مقامه بمكة، ثم تعين القتال بعد ذلك، سقط فرض الدعوة إلا على الذين لم تبلغهم، وبقيت مستحبة، فأما الآن فقد بلغت الدعوة وعمّت، وظهر العناد، ولكن الاستحباب لا ينقطع، روى مسلم وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ادعُهم إلى ثلاث خصال، فإن أجابوك إليها؛ فاقبل منهم وكُفّ عنهم»، وصحّ أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق من خزاعة، وهم غارُّون –غافلون- فقَتل وسَبى، فعلَّم صلى الله عليه وسلم الجائزَ والمستحب" (أحكام القرآن).

* وفي الجملة، فكما قال ابن القيّم رحمه الله: "وجهاد الطلب الخالص لله يقصده سادات المؤمنين" (الفروسية).
- وجهاد المسلمين اليوم: عامّته دفع لا طلب، فنحن اليوم ندفع أعداء الله عن جميع بلادنا وحرماتنا.. 
فياربّ انصرنا، ومكّن لنا؛ حتى نجاهد طلبًا، في سبيلك.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أبو فهر المسلم

باحث شرعي و أحد طلاب الشيخ سليمان العلوان حفظه الله

  • 35
  • 28
  • 124,193
المقال السابق
(9) شُبهة: الجهاد في الإسلام للدفع فقط!
المقال التالي
(11) ينقسم الجهاد إلى قسمين رئيسيين: فرض ونفل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً