صيد الأوراد (10): هدى للمتقين (2)

منذ 2015-10-10

قوله تعالى {هدًى للمتقين} هي استجابة من الله تعالى لدعاء المؤمنين الذين قالوا له قبلها مباشرة في سورة الفاتحة: {اهدنا الصراط المستقيم}، فأجابهم سبحانه في السورة التي بعدها مباشرة بأن من صدق في طلب الهداية فعليه بهذا القرآن الكريم والكتاب المبين فإنه هدى للمتقين..

كما سبق أن الله تعالى قال عن القرآن الكريم: {هدى للمتقين}، أي أن المُتَّقٌــون سيهتدون، في حين أن غاية الاهتداء أن يصل المهتدون إلى التقوى، فالتقوى هي ثمرة الهداية إلى العلم النافع والعمل الصالح وغايتها، كما قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:21]، وقوله تعالى: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون}[البقرة: 187].، فكيف تكون التقوى هي البداية، وتكون الهداية هي النهاية؟!

السِّر هنا أن هذه الآية لا تقصد أن القرآن جاء ليهدي المتقين فقط، وإنما تُبيِّن أن الذي يهتدي بهذا القرآن هم المتقون فقط، لأنهم يحبون الحق ويبحثون عنه ويتبعونه، ويجاهدون في الله وفي سبيل الله من أجله ...

وقوله تعالى: {هدًى للمتقين} هو استجابة مِن الله تعالى لدعاء المؤمنين الذين قالوا له قبلها مباشرة في سورة الفاتحة: {اهدنا الصراط المستقيم}، فأجابهم سبحانه في السورة التي بعدها مباشرة بأن من صدق في طلب الهداية فعليه بهذا القرآن الكريم والكتاب المبين فإنه هدى للمتقين...

قال سيد قطب رحمه الله تعالى: " {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ.. هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} .. الهدى حقيقته، والهدى طبيعته، والهدى كيانه، والهدى ماهيته.. ولكن لمن؟ لمن يكون ذلك الكتاب هدى ونورًا ودليلاً ناصحًا مبينًا؟ .. للمتقين.. فالتقوى في القلب هي التي تؤهله للانتفاع بهذا الكتاب. هي التي تفتح مغاليق القلب له فيدخل ويؤدي دوره هناك. هي التي تهيىء لهذا القلب أن يلتقط وأن يتلقى وأن يستجيب.
لا بد لمن يريد أن يجد الهدى في القرآن أن يجيء إليه بقلب سليم. بقلب خالص. ثم أن يجيء إليه بقلب يخشى ويتوقى، ويحذر أن يكون على ضلالة، أو أن تستهويه ضلالة.. وعندئذ يتفتح القرآن عن أسراره وأنواره، ويسكبها في هذا القلب الذي جاء إليه متقيًا، خائفًا، حسّاسًا، مهيأ للتلقي.. وَرَدَ أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سأل أبي بن كعب عن التقوى فقال له: أمَا سلكت طريقاً ذا شوك؟ قال بلى! قال: فما عملتَ؟ قال: شمرتُ واجتهدتُ. قال: فذلك التقوى..
فذلك التقوى.. حساسية في الضمير، وشفافية في الشعور، وخشية مستمرة، وحذر دائم، وتَوَقٍّ لأشواك الطريق.. طريق الحياة.. الذي تتجاذبه أشواك الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمطامح، وأشواك المخاوف والهواجس، وأشواك الرجاء الكاذب فيمن لا يملك إجابة رجاء، والخوف الكاذب ممن لا يملك نفعاً ولا ضراً. وعشرات غيرها من الأشواك!"[الظلال: 1/ 38- 39].

سبقه: صيد الأوراد: هُدى للمتقين (1)

أبو محمد بن عبد الله

باحث وكاتب شرعي ماجستير في الدراسات الإسلامية من كلية الإمام الأوزاعي/ بيروت يحضر الدكتوراه بها كذلك. أستاذ مدرس، ويتابع قضايا الأمة، ويعمل على تنوير المسيرة وتصحيح المفاهيم، على منهج وسطي غير متطرف ولا متميع.

  • 2
  • 0
  • 9,271

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً