مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب - [03] آثار الذنوب والمعاصي

منذ 2015-11-12

إنَّ الله سبحانه وتعالى غني عنَّا وعن عبادتنا ووجودنا أصلاً ولكن خلقنا لعبادته جل وعلا قال تعالى: وَمَا {خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فالله سبحانه وتعالى يختبرنا ويمتحننا على هذه الأرض فوجود المعاصي كالزنا والخمر والدخان والأغاني وغيرها للاختبار والامتحان.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين  أما بعد:

فإنَّ الله سبحانه وتعالى غني عنَّا وعن عبادتنا ووجودنا أصلاً ولكن خلقنا لعبادته جل وعلا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فالله سبحانه وتعالى يختبرنا ويمتحننا على هذه الأرض فوجود المعاصي كالزنا والخمر والدخان والأغاني وغيرها للاختبار والامتحان، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى»، قلنا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى» (صحيح البخاري[7280])، فالإنسان في هذه الدنيا على طريقين قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10]. وقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حفَّت الجنة بالمكاره وحفَّت النار بالشهوات».(صحيح مسلم[2822ٍ]). ولذا فإن فعل الطاعات والنوافل حتى ترك الذنوب والمعاصي تحتاج إلى مجاهدة للنفس قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [الحجرات:3] فكل ما يمر على الإنسان هو ابتلاء واختبار وبعدها تكون لذة العبادة لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فقال تعالى: {وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله وللصبر أنواع ثلاثة هي:

1- الصبر على طاعة الله تعالى.

2- الصبر عن معصية الله تعالى.

3- الصبر على أقدار الله تعالى.

إذاً فعل الطاعات وترك الذنوب والمعاصي لابد له من الصبر على ذلك فقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصبر ضياء» (صحيح مسلم]223])، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

 إذاً هذه الدنيا الفانية فيها من الذنوب والمعاصي والإنسان محاسب عليها قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:10:11] وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]، فإن للذنوب والمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع فنذكر بعضاً منها:

1- تضعف تعظيمه للرب جل وعلا: قال سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ} [الحج:32].

2- تضييق الرزق والمعيشة على الفرد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه» (الترغيب والترهيب[3/294]). وقال وهيب بن الورد رحمه الله: "لا يجد طعم العبادة من عصى الله ولا من همّ بمعصيته". وقال أبو سليمان الدارني رحمه الله: "أني أعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابتي وزوجتي".

 3- حرمان العلم الشرعي: قال تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} [البقرة:282] كان الإمام الشافعي رحمه الله يحفظ جيداً فقل حفظه عن ما كان عليه فذهب إلى شيخه وكيع ابن الجراح رحمه الله يشتكيه فقال الشافعي:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وقال اعلم بأن العلم نور *** ونور الله لا يؤتى لعاصي

 4- تورث الوحشة في القلب وتضيّق الصدر: قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله قوله  {ضَنْكًا} إنها تدل على أن: (حرف (ض) الضيق وحرف (ن) النكد وحرف (ك) الكدر).

5- قسوة القلب وجفاء العين: قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطَّففين:14]  الران هو الذنوب والمعاصي.

6- الذل والمهانة في الدنيا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جُعل الذِّل والصغـار على من خالف أمري» (مسند أحمد[8/44]).

7- سبب في عذاب القبر وفي عذاب الآخرة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على قبرين فقال:«إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما لا يستبرئ من البول وأما الآخر يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز على كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لمَ فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا» (صحيح البخاري[218]).

8- سبب في زوال النعمة والأمن والأمان: قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. فقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (الظلم هنا الشرك) ( رواه البخاري )ويدخل في ظلم النفس ارتكاب الذنوب والمعاصي.

9- سبب في الخسف والمسخ والقذف: عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف، فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم إذا كثر الخبث» (صحيح الترمذي[2185]). الخبث: الذنوب والمعاصي، المسخ: قلب الخلقة إلى خلقة أخرى.

10- تسليط الأعداء: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالحياة الدنيا وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم» (سنن أبي داود[3462]). أذناب البقر: انشغال بالحرث والزرع، العينة: نوع من أنواع الربا.

11- سبب في قتال المسلمين فيما بينهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» (صحيح مسلم[2890]). السَّنة: جذب أو قحط الأرض.

12- سبب في نزول العقوبات على الفرد والمجتمع: قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه: "ما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رُفعت إلا بتوبة".

نسأل الله العلي القدير أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ويتقبَّل منَّا توبتنا ويرحمنا برحمته وأن يجعل مصيرنا دار كرامته، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.                          

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

  • 7
  • -1
  • 24,855
المقال السابق
[02] تمهيد
المقال التالي
[04] التوبة طريق السعادة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً